«يختلف الناس في شخص "أبي العلاء" لكنهم يتفقون على أنهم مختلفون، "أبو العلاء" هذا الفضاء المتأمل هو فضاءٌ واسع بل متغير كما يقول البعض»، كلمات قالها الدكتور "عيسى العاكوب" عن "أبي العلاء المعري"، في مهرجانه الثاني عشر...

وهي مقدمة لآراء أدبية وشعرية وفلسفية في حق هذا الشخص، ضمن سلسلة من الآراء جمعها موقع eIdleb من أساتذة أدب وشعر مختلفين شاركوا في المهرجان، فالدكتور "خليل موسى" وهو أستاذ في جامعة "دمشق"، تكلم بالاستناد إلى البحث الذي قدمه في جلسات المهرجان كلاماً مفاده: «"أبو العلاء" هو الشاعر التأملي الأول، صحيح أنه كان هناك تأمل عند "طرفة بن العبد" وعند "المتنبي" و"أبو تمام" ولكن لم يكن إلا في مقاطع ضمن قصائدهم، في حين أن "أبا العلاء" حوَل القصيدة إلى تأمل، وهناك التقاء بين الفكر الوجودي وبين الأسئلة التي طرحها عن المصير والديانات و"الميتافيزيق"، وقد استخدم العقل في حقلي العقد الاجتماعي وحقل ما وراء الطبيعة والموت، فـ "أبو العلاء" كان ضحية العقل والفكر النير لأنه قسى على نفسه لذلك أصبح الموت هو المنقذ له، قرأت ديوان "اللزوميات" ووجدت أن شخصية "أبي العلاء" تحكمها تشاؤمية وسوداوية لم تكن موجودة عند غيره من الشعراء المكفوفين.

كل ما يمكن أن أقوله أننا نجد أنفسنا نحن العماة وهو الذي كان يبصر منذ ذلك الزمن، وهو الذي يستطيع بإدراكه وبحسه العميق استنباط كل الخفايا، كما أن إنساناً توج هامة البشرية بالمحبة الإيثار والنبل جدير به أن يكون على مر الدهور إنساناًعظيماً بكل ما تعنيه الكلمة وبكل ما تجسده كتب التاريخ

ورغم ذلك فإن هذا السجن أعطى لأبي العلاء منافذ كثيرة، لكنني أعده أديباً إنسانياً كبيراً، وقد استخدم العقل بشكل متشابه ومتلاقي مع "ديكارت"، وخطأه أنه طبق مقاييس العقل على الفساد الذي كان موجوداً في المجتمع، وأنه طبق العقل على ظواهر لا تقبل العقل، وذهب إلى ما هو مصيري وكوني وموضوعات تهم البشرية جمعاء».

الدكتور خليل الموسى

الأستاذ في قسم اللغة العربية في جامعة "علي كور" الهندية والمفكر الهندي "محمد ثناء الله الندوي"، يقول: «فلسفة اللاعنف هذه الفلسفة هي تراث إنساني وظهرت بشكل واضح في الأدب العلائي، وهناك رابط كبير بين أفكار "أبي العلاء" وأفكار مفكرين هنود، وهو حين زار "بغداد" كانت زيارته فقط للاطلاع على الكتب في خزانة "بغداد" وليس الاستكثار من طلب العلم، وكان يعرف التيارات الفكرية في "الهند" التي شكلت مدارس مثل "البوذية" و"الجاينية" وهي مدرسة اللاعنف التي تمنع ذبح الحيوان وأكله، وهذا ما نجده بصورة متكاملة في الفكر العلائي، فكان من أشهر النباتيين العرب».

رأي آخر قادم من الأردن الشقيق في "أبي العلاء"، وهو رأي الدكتور "فايز القيسي" حيث قال: «أثبت "أبو العلاء" أنه عملاق أدبي كبير تجاوز المشرق إلى الغرب الإسلامي، وأرى أن "أبا العلاء" استطاع في شعره الإجابة عن أسئلة كثيرة جداً وهي فكرية وتتعلق بإيمان العالِم وليس بإيمان العوام، لذلك فإن فكر "أبي العلاء" يُعد فكراً أصيلاً استطاع أن يصل به إلى الحقيقة الإلهية بصورة فلسفية قُدمت للناس على نحو واضح جداً، غير أن ما يثار حول إيمان "أبي العلاء" والتشكيك بهذا الإيمان هو أمر ينبأ عن عجز لدى هؤلاء المشككين عن فهم آراءه وتفسيرها».

الدكتورة سمر الديوب

نشاط مهرجان "أبي العلاء" تضمن تناول هذا الشخص من مناظير مختلفة من خلال ما ألفه، وكانت أحدى المحاضرات تحمل عنوان "سيميائية التشاكل والتباين" في كتاب (الفصول والغايات) والمُحاضرة صاحبة البحث هي الدكتورة "سمر الديوب" مدرسة الأدب الإملائي في جامعة "البعث" حيث تحدثت إلينا قائلة: «تناولت "أبا العلاء" من إخضاعي كتابه (الفصول والغايات) إلى التحليل في سيميائية فرعية هي التشاكل والتباين وتوصلت إلى عدة نتائج تؤكد التشابه والإختلاف مع نماذج أخرى شبيهة بما قدمه الكتاب، وأنا أرى أن شخصية "أبي العلاء" شخصية ملغزة جداً، فلا يستطيع ناقد أن يقول كلاماً فصلاً فيه، فالتناقض سمة أدب أبي العلاء، وبسبب ذلك يوجد آراء متنوعة فيه، فشعره مثلا ً تحكمه الثنائيات الضدية، وأي فكرة يمكن أن تدرسها في "أبي العلاء" يجب أن تدرسها من سمة التناقض، فهو يثبت ثم ينفي أو ينفي ثم يثبت ما نفاه والعكس».

رأي شعري من الشاعر "جاك الشماس" قال فيه: «كل ما يمكن أن أقوله أننا نجد أنفسنا نحن العماة وهو الذي كان يبصر منذ ذلك الزمن، وهو الذي يستطيع بإدراكه وبحسه العميق استنباط كل الخفايا، كما أن إنساناً توج هامة البشرية بالمحبة الإيثار والنبل جدير به أن يكون على مر الدهور إنساناًعظيماً بكل ما تعنيه الكلمة وبكل ما تجسده كتب التاريخ».

الشاعر جاك الشماس

الشاعر "محمد حدو" بدأ حديثه عن "أبي العلاء" بقصيدة قال فيها: «يا ابن المعرة هل تراني أرتدي...

نظارة ً سوداء لست بمدعي

أنا والقصيدة والفرات نرى ...

على عينيك زخات الغمام الممتع

يا ابن المعرة هل قرأت بريل...

هل لامست حرفاً نافراً في مجمعي

جاوزت آفاق الحروف وإنني...

أبصرت في عينيك نور تطلعي

"أبو العلاء" هذا الرمح المتوهج سابقاً ولاحقاً، يعتصر الظلام لينثر النور في البيوت المعتمة وقد نثر قطرات الندى في الصباح لتكون علماً وأدباً وشعراً، وهو عالمٌ قائم بذاته وبحر ذو مدٍ وجذر لذلك لا يمكننا أن نستمد من شعره مذاهبه أبداً».