بدأ الكتابة أواسط الثمانينيات عندما نشر قصصه الأولى في الدوريات المحلية والعربية، إلى أن فازت مجموعته "مسائل تافهة" عام 1992 بجائزة "سعاد الصباح" بالمرتبة الأولى.

مدونة وطن eSyria التقت الكاتب "تاج الدين موسى" بتاريخ 22/1/2008 وكان هذا الحوار:

قصصه سورية بامتياز، منحازة إلى الحب والحرية والعدالة والبسطاء، حادة وصارمة وجريئة جداً في وجه المتسلطين والفاسدين

  • هل تؤمن بالتسميات الأدبية التي يطلقها النقاد على الكاتب مثل: كاتب رمزي أو كاتب واقعي أو كاتب ساخر... الخ؟
  • ** لم تعد للمدارس وتقسيماتها سطوتها مثلما كانت من بداية إلى أواسط وربما نهاية القرن الماضي حيث كانت تتصارع الأيديولوجيات لتنتج كل إيديولوجية مدرستها أما الآن فقد تكون موجودة ولكن بصورة أقل وقد نجد كاتباً واقعياً ولكنه يكتب بصورة رمزية، أو كاتباً جاداً ويكتب بصورة ساخرة.

  • ما الذي يميز أسلوبك في الكتابة عن بقية الكتاب الساخرين في إدلب ولم يبرزه النقاد الذين تعرضوا لكتابتك القصصية؟
  • ** أنا أتحفظ على مسألة تجزيء الكاتب إلى كاتب جاد أو كاتب ساخر أو كاتب بين بين بمعنى هناك أدب وهناك شيء ما لا يمكن تسميته. وأنا أزعم أن النص الأدبي بشكل عام قصة ورواية تحديداً لا بد من تلوينها بالسخرية وهنا يجب الفصل بين الضحك والسخرية فالسخرية لا تعني الابتسامة على الإطلاق لهذا قال بعض النقاد: إن دستويفسكي أعظم كاتب ساخر في التاريخ إضافة إلى أن برناردشو قال: إن كل أدب عظيم هو أدب ساخر فهل ثمة من يقول: إن نجيب محفوظ غير ساخر أو ماركيز غير ساخر؟ أما ما يحكى عن السخرية وهو الجانب الذي يجعل القارئ يضحك أو يبتسم من خلال قراءته للنص فهذه الكتابة ليس القصد منها هو إضحاكه فعلاً أو الترفيه عنه وإنما لوجود موقف ما في سياق النص استلزمه هذا النص ولم يقصد منه الإضحاك. هكذا تجيء السخرية في نصوصي. فهناك بعض النصوص التي تجعل القارئ لا يكف عن الضحك على الرغم من أنها في منتهى الجدية. مرة قال لي أحد الكتاب: "الغريب في أنك أضحكت الجمهور أكثر من مرة وأنت في مثل هذا العبوس" فقصتي الساخرة أولاً وآخراً هي قصة جدية بكل معنى الكلمة.

  • ماذا يمثل لك الأديب الكبير "حسيب كيالي" وهل استفدت من أسلوبه على صعيد كتابة القصة؟
  • ** "حسيب كيالي" مع عدد قليل من الكتاب مثل "عبد السلام العجيلي، وسعيد حورانية، وأديب النحوي، وصدقي إسماعيل" وسواهم أرسوا دعائم عالم القصة القصيرة بعد تخليصها من استطالات الذين سبقوهم من جيل التأسيس، وقد انفرد حسيب عن هذا الجمع بلغته الخاصة فقد استطاع تطويع اللغة بإنزالها من برجها العاجي لتقترب من منطوق الناس ورفع من منطوق الناس لهذه اللغة التي ابتكرها لهذا كان نص حسيب كيالي يستمتع به الإسكافي وأستاذ الجامعة ولنا كاتب صديق كانوا يقولون عنه إنه متأثر بسعيد حورانية وحين سألوه قال: معظم قصصي الأولى التي كتبتها كانت قبل أن أقرأ أي شيء لسعيد حورانية وأنا أقول نفس الكلام عن حسيب كيالي. أما فيما بعد فقد قرأت حسيب أكثر من مرة وأحببته وأحببت كتاباته وخصوصاً الجوانب والمواقف التي يهجو فيها الآخرين أو ليسخر منهم وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى آخر كتبه الصادرة أي "حكايات ابن العم" الذي يبدو فيها هجاءً لا يقلّ شأناً عن الجاحظ أو جرير.

  • هل تعتبر توجيه النقد وتسليط الضوء على ظاهرة اجتماعية معينة من خلال القصة كاف لتحمل مكونات القصة لديك فيوصلها إلى بر الأمان الذي ترضاه؟
  • ** يجب على القصة أن تتضمن حكاية ما وقد تكون هذه الحكاية مهمة أو تافهة. هناك عدد من الكتاب صنعوا من قضايا صغيرة جداً نصوصاً أدبية هامة وهذه المسألة تتعلق بموهبة الكاتب فالأديب الصغير لا يمكن أن يصنع قصة مهمة حتى ولو كان موضوعه كبيراً وهنا نعيد الإشارة إلى حسيب كيالي فقد استطاع أن يصنع من الأحداث العادية قصصاً وروايات ومسرحيات كبيرة.

  • كيف تجلت لك قصة "آخر الرقصات" التي أدهشت القارىء والمستمع إليها لتكتبها؟
  • ** هذه القصة بالذات أعتقد أنني كتبتها عام 1997 ونشرت في حينه في مجلة المعرفة التي تصدرها وزارة الثقافة وهي إحدى قصص مجموعتي الخامسة، وفكرتها استولت علي حين ذهبت لأسلم على معتقل أفرج عنه للتو عندما اكتشفت أن الرجل المتهدل الذي ذهبت لأسلم عليه ليس الشاب الذي اعتقل قبل زمن طويل من خلال أمه التي لعبت دور البطولة في القصة وأنا أعتقد أن أهمية هذه القصة (إذا كانت مهمة كما تزعم) أتت من ملامستها لقضية خطيرة وبائسة مرت بها البلاد أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات وذلك لأن ظل هذه الأيام الثقيلة لم ينحسر بشكل نهائي والبلد بشكل عام تأثر بهذه الأحداث على نحو سلبي. أما الحديث عن مجريات القصة فأعتقد أنه من غير المفيد لأن القصة لا تلخص.

  • ماذا قدم لك النقد الأدبي على صعيد تجربتك الإبداعية وهل تؤمن بالكتابة المشروع للكاتب بشكل عام؟
  • ** لا توجد دراسات نقدية متكاملة تحدثت عن تجربة كاتب إلا فيما ندر ولبعض الكتاب الذين سبقوا جيلنا بجيلين أو أكثر بالنسبة لي تم نشر دراسات أكاديمية عن بعض مجموعاتي القصصية مثل الدكتور عبد الله أبو هيف والدكتور رياض وتّار والدكتور نضال صالح وجمال عبود وآخرون وهناك دراسات أخرى كثيرة يمكن تصنيفها تحت عنوان قراءات لعدد من النقاد والكتاب أما من حيث الإنصاف فأعتقد أنني مثل غيري الذين بدؤوا في كتابة القصة في الثمانينيات والتسعينيات فالكتابة عنهم بشكل عام قليلة وربما يعود هذا الأمر إلى الكم الهائل من المجموعات القصصية التي صدرت في هذين العقدين ولوجود عدد قليل من النقاد ولا يمكنهم الإلمام بمثل هذا الإنتاج الكبير. أما بالنسبة للمشروع في الكتابة فأعتقد أنها كلمة كبيرة على كتاب مثلنا يعيشون في بلدان العالم الثالث فالكتابة مشروع لكاتب متفرغ ليس له عمل سوى الكتابة ومثل هذا الصنف من الكتاب غير موجود في بلادنا لأن منشغل بتأمين حياته اليومية، وبعد ذلك هل يبقى لديه من وقت أو فكر للبحث في أي مشروع؟ الكتابة بالنسبة لنا هي عزاء فقط. ترميم لهزائمنا أو حالة لنقول للآخرين إننا مازلنا على قيد الحياة ليس إلا.

  • كيف تقيم الكتابة القصصية في إدلب بشكل عام والكتابة القصصية الشابة بشكل خاص؟
  • ** ربما كانت إدلب من أقل المحافظات السورية إنجاباً للكتاب بالنسبة لعدد سكانها. لكن هذا لا يعني أن الأصوات التي خرجت منها لم تكن مؤثرة في المشهد القصصي في سورية وفيها كافة الأجيال التي كتبت القصة منذ تأسيسها في سورية.

  • من خلال موقعك في اتحاد الكتاب العرب في إدلب ماذا تقدمون للكتاب والأدباء الجدد في هذه المحافظة على صعيد الأنشطة المقامة في الاتحاد؟
  • ** دورنا أن نقيم للكتاب غير الأعضاء في الاتحاد نشاطاً واحداً في العام وخلال السنتين الماضيتين من وجودنا في المكتب الفرعي لم يبق كاتب معروف أو غير معروف أو صاحب تجربة جديدة لم نساعده على إقامة نشاط وخلال العام الماضي بدأنا بإقامة مهرجان أدبي للكتاب الشباب في كلية الآداب الثانية تشجيعاً لكل من يمتلك الموهبة لتقديم شيء في القصة والشعر.

  • أنت كاتب له نشاطات متنوعة في كافة المحافظات وبعض البلاد العربية على صعيد القصة ولا نرى لك نشاطات في المراكز الثقافية المنتشرة في المحافظة. ما سبب هذا العزوف عن المشاركة في تلك الأمسيات؟
  • ** أولاً أنا لست من أنصار إقامة النشاطات في المراكز الثقافية وخصوصاً في السنوات الأخيرة لأن جمهور هذه المراكز انحسر إلى بضعة أشخاص أما عن سبب عزوفي عن إقامة الأمسيات في المراكز الثقافية في المحافظة فهذا لا يقتصر علي وحدي بل هناك عدد آخر لا يقيم مثل هذه النشاطات وخصوصاً من الأسماء التي يمكن القول عنها إنها مهمة. مثلاً تجد كاتباً يدعى إلى بلد عربي بينما المركز الثقافي في بلدته لم يبادر إلى دعوته حتى هذه اللحظة.

    كتب عنه الكاتب "خطيب بدلة": «قصصه سورية بامتياز، منحازة إلى الحب والحرية والعدالة والبسطاء، حادة وصارمة وجريئة جداً في وجه المتسلطين والفاسدين».

    يذكر أن الكاتب "موسى" ولد بقرية كفرسجنة- ريف محافظة إدلب في الثاني من تشرين الأول من عام 1957. وأصدر مجموعة من الاعمال الابداعية بدأت بـ"مسائل تافهة"– الهيئة المصرية العامة للكتاب- 1992، "مسائل" ط2– دار الينابيع- دمشق 1993، و"الشتيمة الأخيرة" وزارة الثقافة- دمشق- 1995، ثم "حارة شرقية وحارة غربية"– اتحاد الكتاب العرب- 1996، و"سباق بالمقلوبط– دار الينابيع- دمشق 2000.

    كما أعد مجموعة خامسة للصدور بعنوان "آخر الرقصات" والتي لم تر النور بعد، وقد فاز بعدد من الجوائز على الصعيدين العربي والمحلي، وكان يمارس العمل الصحفي بالإضافة إلى كتابة القصة والسيناريو. وقد عرض له التلفزيون عام 2003 تمثيلية بعنوان "الكرسي".

    يشار إلى أن الكاتب "موسى": وافته المنية صباح 22/2/2012 قبل أن يكمل من عمره الستين عاماً، بعد أن أثرى القصة العربية بالعديد من الاصدارات، والتى رأى بعضها النور عبر الهيئة المصرية العامة للكتاب.

    (*) تم تحرير المادة 22/1/2008.