يعد خبز "التنور" من أهم صور الماضي المحفورة بالذاكرة ولكنه بعد أن غاب التنور عن بيوتنا الريفية بشكل شبه كامل وغابت معه رائحة خبزه ونكهته المميزة بدأنا نرى في الآونة الأخيرة عودة هذا الضيف إلى موائدنا.

"مدونة وطن - eSyria" التقت الحاجة "فتحية الأحمد" "أم عمار" من أهالي قرية "دير حسان" التابعة لمحافظة "ادلب" والتي تحدثت عن مراحل خبز التنور بالقول: «يتم في البداية تحضير العجين بالكمية المطلوبة وتركه حتى يختمر، حيث يتم في هذه الأثناء جمع الحطب والأغصان وإشعال التنور ليصبح جاهزاً للبدء بعملية الخبز، ففي الماضي كانت النسوة تقوم بجمع الحطب من الجبل القريب بعد أن يتم جعله حزمة تربط بحبل وعلى الغالب تقوم المرأة بحمله أو يتم نقله بواسطة الحيوانات إذا كانت المسافة بعيدة، وعادة ما كانت عملية الخبز تبدأ في الصباح الباكر أي قبل طلوع الشمس حيث كانت تجتمع أكثر من امرأة فتقوم واحدة برق العجين الذي يكون موضوعاً على طبق من القش وملفوف بقطعة قماش وتقوم الآخرى بلصقه على التنور من الداخل ومن ثم إخراجه عندما ينضج ويحمر لونه».

إن استخدام التنور لم يكن يقتصر على الحصول على مادة الخبز بل كان الناس يستخدمونه لتجهيز أنواع أخرى من الخبز كالخبز بالفليفلة الحمراء وحتى صناعة الكعك وغيره كما أن البعض من أهالي القرية كان لا يملك تنوراً في بيته حيث يقوم بالاستعانة بتنور جيرانه وغالباً ما يقومون بالخبز في يوم واحد ويتعاونون على ذلك وكل من يمر في الطريق لا بد أن يأكل نصيبه من هذا الخبز

تضيف: «إن استخدام التنور لم يكن يقتصر على الحصول على مادة الخبز بل كان الناس يستخدمونه لتجهيز أنواع أخرى من الخبز كالخبز بالفليفلة الحمراء وحتى صناعة الكعك وغيره كما أن البعض من أهالي القرية كان لا يملك تنوراً في بيته حيث يقوم بالاستعانة بتنور جيرانه وغالباً ما يقومون بالخبز في يوم واحد ويتعاونون على ذلك وكل من يمر في الطريق لا بد أن يأكل نصيبه من هذا الخبز».

مد العجين على الكارة قبل وضعه داخل التنور

أما عن الأدوات المستخدمة في عملية صناعة الخبز وتسمياتها فذكرت بالقول: «هناك الشوبك " وهو قطعة خشبية صغيرة اسطوانية الشكل يتم استخدامها لمد قطع العجين بحيث تصبح دائرية الشكل ورقيقة، و"الكارة" وهي عبارة عن قطعة قماش دائرية محشوة ببعض القطع القماشية أو القش سماكتها /10 سم/ فيها فتحة من الخلف تمسك بها أثناء لصق العجين حيث توضع على "الكارة" قطع العجين بعد رشها بقليل من الطحين وبواسطتها يتم لصق قطع العجين بالتنور من الداخل كما أنها تحمي يد النسوة من النار أثناء لصق الرغيف، "الميزر" وهو أيضاً قطعة قماشية مساحتها تزيد عن متر مربع يلف بها الخبز بعد إخراجه من التنور، وهناك قطعة أخرى أيضاً قماشية تشبهها يلف بها العجين المراد خبزه، وأخيراً "محراك التنور" وهو قطعة خشبية يحرك بها الجمر داخل التنور كي لا تخمد ناره".

السيد "هيثم نجار" الباحث في التراث أشار بالقول: « لقد كان "التنور" منذ فترة زمنية قصيرة الوسيلة الرئيسية للحصول على رغيف الخبز في معظم المناطق وخاصة في الريف، وعلى الرغم من وجود المخابز الآلية لا يزال البعض من سكان الريف والمدن ذات الطابع الريفي متمسكاً بالتنور في بيوتهم لتوافر الظروف المساعدة على ذلك حيث إن البعض يعتمد عليه بشكل أساسي للحصول على الخبز في حين يعود البعض الآخر إليه بين الحين والآخر وذلك بسبب حنينهم لذكريات الماضي وحياة البساطة التي عاشها الآباء والأجداد».

تجهيز العجين

يتابع: «ولسهولة العمل وصعوبة امتلاك "التنور" في البيوت الحديثة لجأ البعض إلى ما يعرف ب"الصاج" لصناعة الخبز باعتباره يقوم مقام "التنور" غير أنه يمكن استخدام الغاز لتحضير الخبز أو الحطب وذلك لكون استعماله وصناعة الخبز أسهل حيث بات انتشاره لافتاً في معظم أحياء المدن وعلى الطرقات العامة في المناطق السياحية وهناك إقبال على هذا النوع من الخبز الذي أصبح ضيفاً على الموائد كما كان سابقاً».

وعن صفات "التنور" وطريقة صناعته يضيف السيد "نجار" بالقول: «هو قطعة أسطوانية الشكل مصنوعة من الطين والفخار أو الحجارة والتي تطلى بمادة ترابية فضية اللون تسمى"الحال" أو "تربة التنور" ولونها أصفر وينحصر وجودها في مناطق محددة من محافظة "إدلب" التي تشتهر بهذه الصناعة وعادة ما يتم تجهيز التنور وبناؤه بشكل فردي في المنزل حيث يقوم أشخاص ببنائه وتجهيزه في المكان المخصص في حديقة المنزل، أما في الوقت الحالي فيؤتى بالتنور جاهزاً ليوضع في المكان المخصص له بعد صنع "مصطبة" خاصة به ليوضع عليها العجين ليتم تحضيره ومن ثم وضعه في "التنور" ويتم استخدام الحطب والأغصان اليابسة أو القش وبقايا الحصاد لإشعال "التنور"».

رق العجين باليد ليأخذ شكله الدائري المطلوب