النحاس معدنه الأثير، حيث يكاد يفقد هويته الأولى كمادة صعبة التطويع، ليغدو في عينه عجينة مرنة تنقاد بسلاسة واستسلام لإرادة المبدع اليدوي، وتنصاع للخيال التشكيلي الحركي.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع الفنان "فادي فياض" بتاريخ 13 نيسان 2018، ليحدثنا عن رحلته في تشكيل النحاس، حيث قال: «لم أكن أتوقع بعد توجهي إلى الرسم في مراحل الدراسة المختلفة أنني سأتوجه إلى التشكيل بمادة النحاس، فقد مارست مختلف أنواع الفنون قبل أن أقرر أن أحترف العمل التشكيلي بالنحاس.

بدأت معرضي الفردي الأول بالمركز الثقافي "الروسي" بدعم وطلب من عميد كلية الفنون الجميلة، الذي أشاد بلوحاتي الفنية، وقدم لي النشاط والدعم تحت إشراف ورعاية وزراة الثقافة، وقد شاركت بأربعين عملاً فنياً متنوعاً بكافة المقاسات والأحجام

كانت بداياتي الفنية منذ الطفولة، فشاركت في النشاطات المدرسية المتنوعة كالرسم ولوحات الإعلان ومجلات الحائط في المرحلة الابتدائية، وفي بداية المرحلة الإعدادية كانت لي مشاركات بمعارض فنية مدرسية، حيث صنعت لوحات مختلفة عن طريق الحرق على الخشب تحاكي الطبيعة والبيئة والإنسان، ونلت في جميع مشاركاتي المراتب الأولى من حيث الحرفية والدقة واختيار المواضيع، وبعدها انطلقت إلى مرحلة رسم البورتريه ورسم شخصيات فنية ومشاهير من العالم».

بيئة ريفية

أما عن سبب اختياره لمادة النحاس، فقال: «أرى في مادة النحاس الطواعية والليونة، والقدرة على تجسيد لوحات تحاكي ثقافتنا وإرثنا الحضاري، لذلك بدأت الضغط على النحاس في عام 2000، وكانت رغبتي بتجسيد عمل قريب جداً للواقع سبب اختياري لمادة النحاس، فهي تمثل جزءاً مهماً من موروثنا الشعبي العريق، وقد استخدمها أجدادنا وآباؤنا في الفن القديم، وكان تجسيد البيئة الساحلية أول أهدافي؛ لذلك كانت باكورة أعمالي الفنية هي: "أوغاريت، ورأس شمرا، وابن هاني"، ولوحات أخرى تُجسد الإله "بعل" و"عشتار" و"نجمة الصباح" و"ربة الينبوع" من الحضارات السورية القديمة، التي تعد مخزوناً فنياً وحضارياً وإنسانياً يجمع ثقافات مختلفة لبلاد "ما بين النهرين"، ولوحات أخرى تجسد حالات مختلفة للمرأة، خصوصاً الريفية التي تعبر بجميع مفرداتها عن موروث تراثي يحتاج إلى الكثير من الإنجاز البصري».

وأضاف: «وقد بدأت تشكيل مجسمات نافرة على النحاس بكافة المقاسات الطولية والعرضية، وبعد أن انتهيت من تجميع الأدوات التي تساعد في طي النحاس وضغطه يدوياً، من مخارز بكافة الأحجام والمقاسات لأحصل على المضمون الذي أحتاج إليه، بدأت تعتيق النحاس والأكسدة من الأحماض وغيرها، كي أحصل على تدرجات لونية مختلفة تحمل درجات متنوعة تجسد فترات زمنية تحاكي عصر اللوحة التراثية، وقد كان الأهل الداعم الأول لي في عملي، وساعدني إصراري على التميز في الوصول إلى هذه المراحل المتقدمة في فن الضغط على النحاس، حيث لم أتبع أي دورات تعليمية، بل امتلكت موهبة فطرية عززتها بالكثير من الصبر والعمل الدؤوب، حيث يحتاج هذا الفن التشكيلي إلى الكثير من الهدوء والإتقان والحرفية، ولا يتحمل أي نوع من الخطأ».

لوحة مستوحاة من الأساطير القديمة

أما حول مشاركاته ومعارضه، فقال: «بدأت معرضي الفردي الأول بالمركز الثقافي "الروسي" بدعم وطلب من عميد كلية الفنون الجميلة، الذي أشاد بلوحاتي الفنية، وقدم لي النشاط والدعم تحت إشراف ورعاية وزراة الثقافة، وقد شاركت بأربعين عملاً فنياً متنوعاً بكافة المقاسات والأحجام».

أما عن طموحه، فيقول: «من واجبي أن تكون كل لوحة رؤية بصرية وفكرية وتذكيراً للرائي بمكونات عقائدية وتراثية وذوقية، لذا سيكون معرضي الفني القادم محاكياً للأزمة التي مرت بها "سورية" والانتصارات التي قدمناها بدماء شهدائنا الأبطال، وأنتظر العمل الفني الأكبر والأضخم على النحاس، وهو عبارة عن لوحة نحاسية تجسد الحضارات السورية القديمة ستوضع في ساحة "الأمويين"، لتمثل حالة من الالتقاء والتلاحم تحكي الموروث التاريخي بطريقة بصرية تتناغم مع التطور الثقافي والاجتماعي الذي وصلت إليه تلك الأمم».

مار جرجيوس

الإعلامي "جودت غانم" حدثنا عن رأيه بأعمال "فادي"، حيث قال عنه: «لطالما ارتبط تشكيل النحاس بالتراث التاريخي، حيث يُعدّ من الصناعات العريقة المرتبطة بصميم الحضارات القديمة، حيث يأخذنا في رحلة عبر الزمن بالكثير من الرقي والذوق العالي، ويمتاز بأنامل رشيقة تعكس حرفة وموهبة واضحة، ويختار مواضيع مميزة للوحاته، وتعكس صورة جمالية راقية، حيث إن لمساته على النحاس رقيقة وحانية، وتبرز الموضوع المختار بشفافية ودقة، وقد عمل على دمج النحاس الأصفر والأحمر معاً في بعض أعماله الفنية ليحاكي الضوء والظل معاً بطريقة رائعة، وأعدّه من الفنانين الذين يجمعون بين البصيرة والتبصر والخيال في العملية الإبداعية».

بقي أن نذكر، أن الفنان "فادي فياض" من مواليد "القرداحة"، عام 1979.