مملكتها مسرح وقلم وقصة عززتها بخطوات قوية من الدراسة الأكاديمية، فكان لمسؤولياتها وموهبتها المتنوعة في سن مبكرة فضل كبير في نجاحها على كافة الصعد الفنية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 15 أيار 2018، مع الكاتبة والمخرجة "ديانا قاسم" لتخبرنا عن بدايتها، حيث قالت: «بدأت كهواية منذ الطفولة المبكرة جداً، واستمرّت عبر تطوير علاقتي مع المسرح إلى جانب الطبيعة، الفن كان الشيء الجميل الذي ينقذني من اللحظات السلبية، فهو لم يكن أبداً رفاهية، بل ضرورة إنسانية ملحّة، ففي عام 2008 قدّمت عرض "ذكريات زرقاء" ضمن احتفالية "دمشق" عاصمة الثقافة العربية، كانت تجربة إيجابية جداً وقاسية بذات الوقت، أدركتُ فيها كيف لا يتحمّس المجتمع الذكوري لعمل الإناث في المجالات غير التقليدية، أو لا يؤمن بحقهنَّ في التجربة في كافة المجالات، خاصة من تتضرّر مصالحهم الآنيّة، وأدركتُ أيضاً كم ينقصنا أن نعمل بأسلوب احترافي وعلى أساسٍ أكاديمي، ولا أقصد هنا أبداً الحصول على شهادة أكاديمية، فقد تحصل عليها وتتصرّف بأسلوب غير مهنيّ، بل أقصد البحث والدراسة الحرّة والجديّة في العمل، ومع أنَّ حالتي الشخصية عموماً لم تكن مشجّعة، قررت تحدّي الصعوبات، ولحبّي شخصياً للعمل الأكاديمي، درستُ في المعهد العالي للفنون المسرحية، وتعلّمتُ فيه أهم ما يمكن أن يتعلّمهُ طالب، وهو تحفيز الحريّة في البحث العلميّ والفكر والإبداع، ولحسن الحظّ أنَّ عائلتي الصغيرة كانت دائماً داعمة».

تمتاز بالجدية والمسؤولية تجاه بلادها من خلال الفن، وتواظب دائماً على إيصال الفنون بطريقة ذكية للجميع، وقد طرحت تجربة تسجيل مقاطع صوتية من مسرحيات عالمية، وكأنها تود أن تقحم المسرح في أذهاننا كما تقتحمها الأغنيات الخفيفة شئنا أم أبينا، وهي ترحب بجميع الأفكار الإنسانية المحترمة وغير المتطرفة، وتحترم التجارب الفنية

أما حول أسباب اختيارها للوقوف خلف الكاميرا، فقالت: «كمعظم العاملين في المسرح تدرّبتُ في كافّة مجالاته، وعادةً المخلصون للمسرح يجعلونه أسلوب حياة، وليس هواية، فالمسرح فعلياً ليس تلك المهنة الحياديّة، فهو جسديّ وآيديولوجيّ، ولا يمكن أن يترك صاحبه من دون غزو روحيّ أو توجيه على الصعيد الأخلاقي والفكريّ عموماً، فعظماء المسرح عبر التاريخ أسّسوا مدرسة متكاملة أخلاقيّة وسياسية وثقافية، ولا يمكن للمسرح أن يمرَّ بهدوء في حياة محبّيه، والمعتنقون للمسرح عموماً يجب أن يقوموا بتدريبات ودراسات في الإضاءة والكتابة والسينوغرافيا والديكور والرقص والموسيقا، وتدريب موسّع في التمثيل».

الكاتبة والمخرجة رغد شجاع

وأضافت: «كنتُ دائماً أجدُ نفسي في حالة خلق الفكرة وتحويلها إلى واقع، وأفكّرُ بتلك الطرائق التي يمكن أن نتعامل فيها مع الآخر لإقامة عمل ما، ولو أنّني لا أعدّ تجربتي مثالية على خشبة المسرح في هذا الشأن. ثم بدأت أهتمُّ بالعمل في السينما لأنني لمحتُ فيها ما يثري توثيق العمل الفني، وباعتبار أنّني متدرّبة أكاديمياً على العمل البحثي، وجدتُ نفسي أميل إلى السينما الوثائقية، وقمتُ بتصوير مدينة "دمشق"، ويمكن القول إن تجربتي مع السينما أشبه بإنسان حسّاس يمرّ بجانب بحيرة برّاقة صافية، تعكس بطريقة خياليّة وواقعية ما يحيطها من اللون الأخضر والسماء الزرقاء، فهل يمرّ من دون أن ينظر؟ وربما يتوقّف ويقول كلمتين ولو في داخله؟ أشعرُ بأنَّ علاقتي بالسينما تشبه ذلك».

أما حول أقرب تجربة سينمائية إليها، فقالت: «تجربتي الفيلميّة الأولى "مبارح عادي" قمتُ بتصويرها قبل الحرب، ورغبت بأن أنتظر كي تتكوّن لديَّ رسالة مختلفة عمّا صوّرت. وفي عام 2013 شعرتُ بأنه حان الوقت لقول ما أريد، لأنَّ "سورية" بلدٌ يستحقُّ أن يرتبط اسمه بالحضارة والتاريخ العريق، والفوضى التي تنتجها وسائل الإعلام غير مفيدة. وفيما بعد، قمتُ بتجارب أفلام قصيرة في "سورية" و"أميركا" ضمن صفوف جامعة "براون"، وأنهيتُ فيلماً وثائقياً عن الموروث الثقافي الذي يتعرّض للخطر بسبب الحروب والنزاعات السياسية، والتقيتُ فيه مختصين للحديث عن الآثار السورية والأضرار التي حدثت مؤخراً. أحبّ أن أؤكد نقطة؛ أنَّ هذا الفيلم ليس نداءً إنسانياً، بل توعويّ وتعليميّ، وبدأت الفكرة من توثيقي لجزء من "أوغاريت" في "اللاذقية" عام 2016، واستمر العمل عليه حين سافرتُ إلى جامعة "براون" وكتبتُ البحث، ثمَّ السيناريو، وتسنّت لي أخيراً ظروف مناسبة لتطويره».

أحد كتبها للأطفال

أما حول تجربتها في التأليف وكتابة النصوص ضمن "إيقاعات مرسحية"، فقالت: «كتبتُ نصوصاً مسرحية عديدة، مثل: "المدينة المائلة"، و"إيقاعات مرسحية"، الأخيرة قمتُ بعرضها في مهرجان "الشوارع الخلفية" في "الإسكندرية"، وأقصد هنا الإشارة إلى تسمية "المرسح" قبلَ أن يصبح "مسرحاً" في بدايات تأسيس مسرح عربي بالمعنى الرسمي، إضافة إلى أنّني أعملُ يوميّاً في الكتابة البحثية التي تحتوي متعة لا نهائية، وتواصلاً دائماً مع العلم والفلسفة، علاقتي مع النص الدرامي حالياً مضطربة، وما زلتُ لا أشعر بالحرية الحقيقية، ربّما تقنيّاً، لكتابة ما أريد، لكن ربما يتغير هذا لاحقاً، فأنا أهتمّ كل مدة ببحث إبداعيّ أو علميّ مختلف».

وأضافت: «أسّستُ موقع "7GATES" عام 2016، كطريقة إلكترونية بديلة للتعاون الثقافي، فهذه المنصة الإلكترونية تحاول دعم الثقافة والفن وتشجيع الجيل الجديد على القراءة والإبقاء على الإيمان بالثقافة والسلام، هو باختصار طريقة إلكترونية لنشر الثقافة ودعم الفنانين توثيقياً وتسويقيّاً. خلال سنتين قام الموقع بالتعاون مع فنانين ومثقفين من "سورية" وخارجها بعدة مشاريع، أذكرُ أهمّها "الغاليري" مع الدكتور "بطرس المعري"، حيثُ قمنا بصناعة فيديوهات ومعارض إلكترونية للعديد من الفنانين المعاصرين أو من تاريخ الفن، ومشروع القراءات المسرحية بالتعاون مع ممثلين سوريين، هذا النوع من العمل أعادَ إليّ الإيمان بإمكانيّة التعاون الجدّي والممتع، وأنّه يمكننا فعلاً القيام بأشياء جميلة واحترافية مهما كانت الظروف، كما قمتُ بعرض أفلامي الوثائقية والقصيرة في عدة مهرجانات دولية في "إيطاليا، وأميركا، وكولومبيا، وروسيا"، وغيرها».

الكاتبة والمخرجة "رغد شجاع" تحدثت عن تجربة "ديانا"، وقالت: «استطاعت من خلال فيلمها "normal yesterday" إيصال صورة "دمشق" الحقيقية بطريقة ناعمة، ولو أنها قد تصدمك ببعض اللقطات، لكنها صدمات لطيفة، حيث أظهرتها بتعدديتها وجمالها المقيد بأصفاد التاريخ والمرحلة الحالية، فلم تطرحها على أنها المدينة الأسطورة والمثالية، بل حاولت أن تظهر الجمال الذي قد يبرز من مشكلات هذه المدينة، وامتازت باختيارها للقطات مختلفة بحجمها وحركة الكاميرا أو ثباتها، فكان التناقض والتنوع والتعدد الدمشقي والأمان والدفء والحرب والقسوة والبراءة والفن النخبوي والشعبي وغيرها، فصنعت "كولاجاً" متكاملاً وعرضته بطريقة حساسة ومشابهة جداً للمدينة».

وتابعت: «تمتاز بالجدية والمسؤولية تجاه بلادها من خلال الفن، وتواظب دائماً على إيصال الفنون بطريقة ذكية للجميع، وقد طرحت تجربة تسجيل مقاطع صوتية من مسرحيات عالمية، وكأنها تود أن تقحم المسرح في أذهاننا كما تقتحمها الأغنيات الخفيفة شئنا أم أبينا، وهي ترحب بجميع الأفكار الإنسانية المحترمة وغير المتطرفة، وتحترم التجارب الفنية».

يذكر أن "ديانا قاسم" من محافظة "اللاذقية "، درست الأدب الإنكليزي والدراسات المسرحية، تعلّمتُ تقنيات البحث الأكاديمي وكتابة المسرح والسيناريو، وحاصلة على شهادة الماجستير من جامعة "براون" في "الولايات المتحدة" قسم الثقافة المعاصرة والميديا، وتستعد حالياً لدراسة الدكتوراه في جامعة "ماساتشوستس أمهيرست"، اختصاص دراسات سينمائية، إضافة إلى عملها كمساعدة مدرّس في عدة مواد، وهي زميلة في جامعة "براون" في قسم العلوم الإنسانية على مشاريع متعلّقة بالميديا والتوثيق الثقافي بولاية "رود آيلاند".