من تفاصيل وشخصيات بيئته الريفية يولّد أفكاره وينحتها، ومن موهبة فطرية ومحيط ثقافي غنيّ استطاع الفنان التشكيلي "فائز الحافي" ابن عاصمة الفينيق أن يجسّد الأساطير وأفكاراً مختلفة، ويجعل المتلقي في حالة دهشة أمام الباطن وباطن الباطن في منحوتاته.

مدوّنة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 27 تشرين الثاني 2018، الفنان التشكيلي "فائز الحافي"، فتحدث عن نشأته وحياته قائلاً: «أسكن في "جبلة" عاصمة الفينيق منطقة "سيانو"، أعشق الفنّ سلوكاً وفعلاً والطبيعة والبحر وكل شيء جميل، وأنا ابن بيئة ريفية زراعية، حيث كانت الحياة ببساطتها وطيبتها مجالاً مفتوحاً وآذاناً مصغية لكل حدث أو قصة شعبية، فقد نشأت في عائلة كثيرة الإخوة والأخوات، وكان الفقر سمّة عامة في تلك المرحلة، ولم يطغَ الفقر المادي على الروح والنشاط بداخلنا، ولدينا أمل دائم نستمدّه من أمّ قوية وجميلة بإنسانيتها وعطائها وتضحياتها. درست المراحل الدراسية كافة في مدارس "جبلة"، وأنهيت الثانوية العامة، ثم التحقت بالخدمة الإلزامية، وامتهنت الصناعة، كما احترفت العمل في مجال الصناعة والآلات ما يقارب عشرين عاماً».

ربما مشاركاتي قليلة قياساً بمسيرتي الفنية بسبب الصعوبات والمعوقات التي تواجهني كأي فنان وخاصة أثناء المشاركة في المحافظات الأخرى، فقد شاركت بمعرض في "دمشق" برعاية وزارة السياحة ومعارض عدّة في "جبلة" و"اللاذقية"، كما شاركت في معرض للفنان العالمي "محمد أسعد سموقان" بمنحوتتين فنيتين وأصبحت إحداهما في "بلجيكا"، ومشاركتي الأخيرة كانت في يوم الثقافة بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٨ تحت شعار "يوم الثقافة.. لارتقاء الإنسان" في المركز الثقافي في "جبلة"

لم يدرس الفنان "فائز الحافي" الفنّ دراسة أكاديمية، وبقيت تجربته الفنية قيد ذاكرة تحفظ كل ما تشاهده وتسمعه سنوات عدة، وهنا يقول: «تفتقت موهبتي الفنّيّة على جدران منزلنا، حيث تمثّلت تجربتي الفنية بحالة فطرية حرّة خارجة عن قواعد وقوانين الفنّ التشكيلي، ربما تكوّنت المنحوتة الأولى حين كانت أمي تبني "التنور" بيديها، وتعجن التراب وتحوله إلى صلصال وتمزجه بالفخار، مازال في ذاكرتي كأنه اليوم وحفّزني على النحت، وبنيت من الصلصال بيتاً ترابياً وعرزالاً حينئذٍ، وقدمت في المرحلة الابتدائية عملاً للمدرسة، وكان هناك تشجيع كبير من قبل المدرّسين والإدارة، فقد كنت أبرز إبداعي ضمن المتاح، واستعملت الفحم المحروق في بدايتي، ورسمت على الجدران وورق الكرتون. أما النحت، فكان عام 1997، حيث خشب الزيتون القاسي الذي يحمل قيمة روحية والمتين والمقاوم، وبدأت شرارة الإصرار بداخلي على نحت عمل يشبهني بكل ما أملك من ثقافة سنوات؛ وهو ما أدى بي لتحويلها إلى واقع بمحاولات عدة ونجحت فيها، وانصبّ اهتمامي في منحوتاتي على القيم الإنسانية النبيلة بداخل كل إنسان، إضافة إلى الأساطير والحضارة التي أنتمي إليها».

منحوتاته في أحد المعارض

وعن تفاصيل حياته التي كوّنت مخزوناً فكرياً وثقافياً وكانت بوصلة لفنّه يتحدث قائلاً: «صور كثيرة مازالت عالقة في ذاكرتي منذ الطفولة، حيث صورة أمي التي كانت ترضع أخويّ التوأم، وتجلت في تلك الصورة أسمى المعاني الإنسانية، حيث الأمومة والحنان والعطاء المجرد، وصورة والدي الشاعر الزجلي وعازف الربابة، والجوّ العائلي المريح على الرغم من الفقر وكثرتنا في منزل واحد، فقد استقيت فنّي من البيئة والمجتمع اللذين تربيت فيهما، فبيئتنا غنية بالثقافات الأدبية الشعبية البسيطة، كـ"العتابا والميجانا"، إضافة إلى غناها بالمبدعين من شعراء وأدباء، كما كان يشدني الحرّفيّ والشاعر الزجلي وعازف الربابة، وأتساءل في نفسي عن كيفية إتقانهم لتلك الأعمال، وكان للمذياع الذي اشتراه والدي عام 1967 دور في إثراء ثقافتي وتعلّمت بواسطته كيف أسأل سؤالاً، وكيف أجد إجابة لكل سؤال يصادفني، واليوم أسترجع كل تلك التفاصيل بثقافة الراشد البالغ الذي فهم وحلّل ما كان يحدث حينئذٍ، وأترجمها فنياً، وكل عمل هو بمنزلة ولادة جديدة من الروح وديمومة للفن».

الفنان التشكيلي "عمار الشوّا" تحدث عن "فائز الحافي" الفنان والإنسان قائلاً: «الفنان "فائز" إنسان يتقن العيش بمحبة، فهو صديق لبحر "جبلة" وسنديانها وجبلها المكلل بضوء الإبداع الأبدي، ويمتهن الحياة كطفل يريد أن يوزع الفرح على أصدقائه وعائلته، حيث يلامس أشجاره بعطف وحنان تكفيها لتنتج أجمل المنحوتات الفنية من هنا يبدأ الفن عنده، فهو ابن بيئة ترفل بالجمال، أراد أن يكون له رأي في هذا الإبداع، فاختار الزيتون وخشبه ليترك بصمة إبداعية بإعادة تشكيله كما يجب، هو يعيد تشكيل موسيقا جديدة بعناصره وفطرته الطازجة التي نجت من تلوث المناخات الأكاديمية؛ ليبقى ذلك الطفل الذي يمد يده إلى كنوز الفينيق ويزيل عنها غبار الزمن؛ ليكون الصوت الذي يدعونا إلى المستقبل من خلال أشكاله وأساطيره وروحه».

الفنان عمار الشوا

وعن مشاركاته في المعارض يتحدث قائلاً: «ربما مشاركاتي قليلة قياساً بمسيرتي الفنية بسبب الصعوبات والمعوقات التي تواجهني كأي فنان وخاصة أثناء المشاركة في المحافظات الأخرى، فقد شاركت بمعرض في "دمشق" برعاية وزارة السياحة ومعارض عدّة في "جبلة" و"اللاذقية"، كما شاركت في معرض للفنان العالمي "محمد أسعد سموقان" بمنحوتتين فنيتين وأصبحت إحداهما في "بلجيكا"، ومشاركتي الأخيرة كانت في يوم الثقافة بتاريخ ٢٦ تشرين الثاني ٢٠١٨ تحت شعار "يوم الثقافة.. لارتقاء الإنسان" في المركز الثقافي في "جبلة"».

كما تواصلت مدونة وطن مع الشاعر "محمد صالح"، فتحدث عن معرفته بالفنان "فائز" وفنّه قائلاً: «أعرفه منذ أيام الدراسة في المرحلة الابتدائية، ويعدّ من النحاتين الذهبيين والنادرين، وأجده من الأشخاص الذين ينمون في الظلال، لكن الظلال المشمسة.

الشاعر محمد صالح

فالنحّات السوري "فائز الحافي" ابن مدينة "جبلة" أخت المتوسط، يجمع في شخصه وفنّه بين الشعري والفني على نحو يشعرك بالارتباك، كما حدث لي وأنا أتتبع بعض أعماله التي تحتاج أكثر من وقفة وأكثر من إمعان، إنها تشبه الملاحم الشعرية الأولى لما تتضمنه من عوالم وأحوال وطقوس من وجوه ظاهرة وأخرى مكنونة تحتاج كي تلمسها وتتذوقها لتكون قارئ كتب خبيراً، والجمالي فيها يتشكل على إيقاع الفنّيّ والحرفي في أعلى حالة لهما، وحيثما نظرت أو توقفت تجد أن العمل لا يتوقف ويعطيك شعوراً بأنه في حالة نمو دائمة، وأظنّ أن الحيوية والإشراق في العمل نابعان من شغف النحّات، هذا الشغف الذي يجعله يبدع على هواه، وأعماله مغسولة بالظل والشمس والروائح ونكهة العالم كما هو، وهو إضافة إلى كونه نحّاتاً يكتب الشعر الجميل».

يُذكر، أن الفنان التشكيلي "فائز الحافي" من مواليد "جبلة" عام 1956، شارك بمعارض عدة في "سورية" وخارجها.