امتهن العمل اليدوي قبل أن تقوده خطواته إلى عالم الفنّ ومكنوناته، واستطاع أن يتقن مهنة والده ويعطيها لمساته الفنية ليمزج بين المهنة والهواية بشغف الفنان الذي يرى الأشياء بعين الجمال، كما عُرف بنشره لفنّ "الأوريغامي" في ريفي "جبلة" و"اللاذقية"؛ مستفيداً منه بجوانب إنسانية وعلاجية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 10 حزيران 2019، مع الفنان "بسام عيسى"، فتحدث عن حياته والظروف التي أسهمت في حبّه للفنّ وتعلقه به قائلاً: «ولدت في مخيم "اليرموك" بـ"دمشق" ضمن أسرة متوسطة الحال، ودرست في مدارس وكالة "الغوث" للاجئين الفلسطينيين حتى نهاية المرحلة الإعدادية، كان والدي آنذاك يعمل في ورشة لنجارة (الموبيليا)، وكنت وإخوتي نساعده، ووجودي الدائم في الورشة فتّق حبّي للفن وزاد شغفي بالأعمال اليدوية والفنون التشكيلية، فقد بدأت التعرّف إلى مكنونات العمل اليدوي والفن بعمر ستة أعوام لغاية اليوم، وبحكم وجود مواد دراسية مقررة ضمن المنهاج الدراسي حتى المرحلة الإعدادية تهتم بالأعمال اليدوية التطبيقية، كالأخشاب والمعادن والرسم الهندسي، أسهمت هذه المواد في صقل موهبتي وتوجيه اهتمامي منذ الصغر نحو النحت على الخشب والرسم الهندسي؛ ففي تلك المرحلة كانت الاهتمامات بالفنون الورقية تقتصر على عمليات الطيّ البسيطة وأشغال الورق الملوّن».

ابنتي فاقدة للسمع وعمرها ستة عشر عاماً، رآها الفنان "بسام" منذ مدة وعرف حالتها، فعمل على ابتكار طريقة لتعليمها رقص الزومبا بلا موسيقا، حيث اقتصر في البداية على جعلها تقلّد الحركات، ثم علّمها الشعور بالموسيقا من خلال وضع يدها على أجهزة الصوت واستجابت لهذا النوع من التعلّم، فقد كانت تشارك بخجل، والآن تغيّرت وأصبحت تتفاعل مع الآخرين

ويتابع: «أصبحت العلاقة بالفنّ والعمل اليدوي ملأى بالشغف والحبّ، وأذكر في عام 1980 كان البلد يمرّ بأزمة اقتصادية؛ كنا ننتج أشياء منزلية بسيطة ونوزعها للناس، وهذا الموضوع ساعدني على الحفر والنحت على الخشب، كما أن الدراسة كانت مرافقة بوجه دائم لمرحلة التعليم المهني والعمل؛ فقد كان تحصيلي الدراسي في الثانوية العامة جيداً، فاخترت التسجيل في معهد الصناعات التطبيقية؛ حيث كان يحقق طموحي بكل ما أرغبه وأريده، وتخرّجت في المعهد ثم تخصصت بمجال هندسة الصوت والإضاءة المسرحية، وعملت بالمسرح».

من أعماله

وعن مسيرته العملية تحدث قائلاً: «أثناء الخدمة الإلزامية كانت اهتماماتي موجهة نحو المطالعة والفنون التشكيلية؛ وهذا شجعني على الانتقال والعمل في وزارة الثقافة بعد التسريح، كما ترك لي والدي بعد كبره في العمر مهمة الاهتمام بورشة النجارة التي أصبحت فيها مهنياً من الدرجة الأولى، ثم انتقلت عام 1996 إلى قرية "البرجان" التابعة لمدينة "جبلة"، وافتتحت ورشة خاصة فيها للنجارة والأعمال اليدوية في منزلي، إضافة إلى عملي في المسرح القومي بـ"اللاذقية" لمدة ستة أعوام، ومن خلال العمل في المركز الثقافي اطلعت على كمّ كبير من الكتب في الفلسفة وعلم الاجتماع والأدب».

استطاع الفنان "عيسى" خلال عقد من الزمن أن ينجز في عمله ويغني مسيرته العملية، ويقول: «عام 1999 تزوجت وأصبحت أباً لولدين، ومع زيادة الأعباء المادية انتقلت للعمل في المركز الثقافي بقرية "القطيلبية" قرب منزلي؛ لأحصل على الوقت الكافي للعمل في ورشة النجارة، كما أن عملي في المركز الثقافي بـ"القطيلبية" سهّل اصطحاب أبنائي للمركز؛ لوجود مكتبة ونادٍ صيفي للأطفال وبعض المهارات والتقنيات الثقافية الطفولية، من هنا بدأت ميولي الثقافية تتجه من العمل الفني في نحت الخشب وتشكيل الورق إلى مجال التنمية البشرية والتربية الثقافية الخاصة بالأطفال، فاتبعت عدة دورات تنمية وبرمجة لغوية، وقرأت الكثير من الكتب، وفي عام 2009 بدأت بهذا المجال، وقمت بمشاركة من إدارة المركز الثقافي بـ"القطيلبية" بافتتاح أول نادٍ صيفي تثقيفي للأطفال يقوم على صقل مهاراتهم وأفكارهم في المجالات الفنية والأدبية».

بسام عيسى يعلم فنّ الأوريغامي

وكما كان الفنان "بسام عيسى" من الفنانين القلائل الذين تعلّموا وأتقنوا فنّ "الأوريغامي" ذاتياً ووظّفه بطريقة إنسانية وفنية، وهنا يتحدث قائلاً: «خلال بحثي على الشبكة العنكبوتية صادفت مواقع كثيرة أغلبها أجنبية تتحدث عن مهارات علمية وتقنية في كافة أنواع الفنون لم تكن مطروقة على الساحة المحلية، كفنّ طيّ الورق "الأوريغامي"، ثم تعلّمت فنّ "الأوريغامي" وفنّ النحت التطبيقي الخشبي وبعض الفنون الأخرى، كإعادة التدوير والتجميل، ونقلت خلاصة ما تعلّمته إلى الأطفال الذين كنت أدرّبهم، وبلغت حصيلة أعمالي أكثر من مئة عمل فني، واقتصر تدريبي للأطفال في قريتي "عين الشرقية" و"القطيلبية" وجوارهما حتى عام 2015 ليشمل مناطق كثيرة في ريفي "جبلة" و"اللاذقية"، وفي عام 2016 اتجهت إلى تشكيل الورق، ودخلت معاهد تعليم وتربية لذوي الاحتياجات الخاصة».

وعن توظيفه لفنّ "الأوريغامي"، قال: «هذا الفنّ يحرك المشاعر والشعور ويشبه الأبجدية ويمكن تعليمه بسهولة، ويحتاج إلى حبّ المادة، وهو فنّ مهم للأطفال يساعد في علاج حالات التوحّد ومتلازمة "داون"، فقد كان لي تجربة مع طفل لديه نقص حركة إثر إصابة بشظية سبّبت له أذيّة بالجملة العصبية ورجفان دائم باليدين، ويحتاج إلى معالجة فيزيائية طويلة الأمد، إلا أنني عالجته من خلال عمليات طيّ الورق وساعدته، فأصبح يتدرّب في أوقات فراغه وأصبح يسيطر على حركاته العصبية، وساعدت بعض الجنود في الجيش العربي السوري ممن لديهم إعاقات ليشتغلوا أشغالاً خاصة بهم؛ وهو ما أسهم بتغيير نظرتهم وتحسين نفسياتهم بواسطة الألوان، ومرحلة علاج نفسي لحالات خاصة وحالة متلازمة "داون" وضبط حركتها الزائدة من خلال فنّ "الأوريغامي"، وعملت مع فريق الثقافة، وكانت نقطة تحوّل في حياتي العملية، وشاركت بمعارض في "اللاذقية" و"جبلة" ومعرض "دمشق" الدولي، كما قمت بتدريب مدرّبين لهذا الفن».

عزيز أبو طبيخ

"عزيز أبو طبيخ" مشرف ثقافة الطفل، يتحدث عنه قائلاً: «عرفت الفنان "بسام عيسى" حين جاء ليدرّبنا على مجال جديد بما يخصّ الطفل؛ كانت البوابة "الأوريغامي" فنّ طيّ الورق، عرّفنا بتفاصيل هذا الفنّ وكيفية إيصاله إلى الطفل، فنان بأسلوبه الذي يدخل من دون استئذان، يعطي بحب، معطاء إلى أبعد حدّ، لا يبخل بأفكاره ومعلوماته على أحد في سبيل الطفل وتنميته، لديه فتاة تعاني مشكلة بالسمع يهتم بها شخصياً، فقد استطاع أن يعلّمها رقص الزومبا وهي صمّاء، ولديه قدرة أن يدرّب بعض الأطفال الذين يعانون متلازمة "داون" والتوحّد وغيرها من الإعاقات، وتوظيف الفنّ في العلاج وتحسين الحالة النفسية، كما أنه سريع المبادرة وغني الأفكار، ويجيد قيادة الفريق، ويحب العمل الجماعي».

كما تواصلت مدونة وطن مع "رقية إبراهيم" والدة الفتاة "رغد"، فتحدثت عن تجربتها مع الفنان "بسام" قائلة: «ابنتي فاقدة للسمع وعمرها ستة عشر عاماً، رآها الفنان "بسام" منذ مدة وعرف حالتها، فعمل على ابتكار طريقة لتعليمها رقص الزومبا بلا موسيقا، حيث اقتصر في البداية على جعلها تقلّد الحركات، ثم علّمها الشعور بالموسيقا من خلال وضع يدها على أجهزة الصوت واستجابت لهذا النوع من التعلّم، فقد كانت تشارك بخجل، والآن تغيّرت وأصبحت تتفاعل مع الآخرين».

يذكر، أن الفنان "بسام عيسى" من مواليد "دمشق" مخيم "اليرموك" عام 1971، ويعمل مع فريق الثقافة لبناء مهارات الحياة في "اللاذقية".