واحدٌ من أواخر كتّاب الشعر العمودي من السوريين، كتب عن الوطن والريف عاشقاً ومؤنساً ومؤنسناً كل حضور فيه؛ غير عابئ بغير القصيدة وحضورها أياً كان الشكل الذي تظهر فيه.

للشعر العمودي مع الشاعر السوري "إبراهيم هواش خير بيك" من مواليد قرية "عين شقاق" التابعة لمدينة "جبلة" عام 1927، قصص كثيرة؛ فقد كان يعدّه الصورة الحقيقية للشعر العربي، وكتب كل ما نشر من شعر بهذا الشكل الشعري الأقدم في الشعر العربي.

زرت الشاعر بصحبة أحد الأصدقاء في منزله الكائن في مدينة "جبلة" أكثر من مرة، وكنا نستمع ونتداول الأحاديث فيما بيننا عن الشعر والأدب وعن عظمة "سورية" ومجدها، وقد جعل الشاعر من بيته مدرسة للأدب والحياة، حيث عرف بحضوره المميز والراقي كإنسان وأب عطوف

يتحدث الكاتب والصحفي "بسام هيفا" عن الشاعر في حديث مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 تموز 2015، فيقول: «زرت الشاعر بصحبة أحد الأصدقاء في منزله الكائن في مدينة "جبلة" أكثر من مرة، وكنا نستمع ونتداول الأحاديث فيما بيننا عن الشعر والأدب وعن عظمة "سورية" ومجدها، وقد جعل الشاعر من بيته مدرسة للأدب والحياة، حيث عرف بحضوره المميز والراقي كإنسان وأب عطوف».

أعماله الشعرية

الشاعر "إبراهيم هواش خير بيك" تعلم ككل أبناء جيله وسط ظروف صعبة غابت فيها المدارس عن كثير من القرى والمدن، إلا أن وجود مدرسة في قرية "بيت ياشوط" -وهي من أوائل المدارس في الريف- ساعده على تخطي تلك الصعوبات ومتابعة تعليمه.

تعلم الشاعر بعد الابتدائية كما يقول ابنه "نزار خير بيك" -في حديث سابق معه- في ثانوية "تجهيز اللاذقية" (جول جمال لاحقاً)، ثم تابع مع "الكلية العلمانية الفرنسية" في "طرطوس" حيث تخرج فيها، ثم توظف في مؤسسة "الريجي" (إدارة حصر التبغ والتنباك كما كانت تسمى)، وبقي فيها موظفاً لأكثر من نصف قرن، وأحيل إلى التقاعد عام 1987.

أول ديوان له

نشر أولى قصائده في المجلات والدوريات المحلية ردحاً من الزمان، وشارك في عديد الأمسيات الشعرية، على الرغم من أنه عرف عنه عدم حبه للظهور الإعلامي، وبقي ينشر قصائده متفرقة حتى ظهر أول عمل شعري له مطبوعاً في كتاب حمل اسم "منابع الفجر" صدر الجزء الأول منه عام 1989، وتبعه الثاني عام 1992، وقد قارب عدد صفحات الجزأين أكثر من 600 صفحة مثلت الصورة الشاملة للأشعار التي كتبها "خير بيك" في مسيرته الشعرية.

في الجزء الأول جاء في تقديم الدار الناشرة؛ وهي "اتحاد الكتاب العرب" عن الكتاب: (مجموعة شعرية تصور الريف الرائع، وتنحاز إلى الفلاح وتبرز جهده وفضله على الطبيعة ومن حوله)، لم يتوقف الشاعر عند جانب معين في مسيرته الشعرية، بل تناول العديد من الموضوعات الأدبية والإبداعية، إلا أن انتماءه الأكبر كان إلى عالم البساطة والدهشة الريفية التي لم يتخلّ عنها في نصوصه. أصدر بعد ذلك عملين آخرين هما: "مناجم الضياء"، و"مناهج الفداء" عن اتحاد الكتاب العرب أيضاً، واستمر فيهما على نهجه العمودي متقصياً مختلف الصور الريفية والوطنية المعهودة.

بسام نوفل هيفا

في مسيرته الإنسانية والشعرية عرف الشاعر بقربه الدائم من الناس، يضيف "هيفا" قائلاً: «حرص شاعرنا خلال أيام حياته على إمداد أبنائه بأطايب الثمار من العلم والمعرفة والفضيلة، لا يعرف الكلل أو الملل ليؤمن لهم ما يحتاجونه، زرع الدروب رياحين ووروداً، كان مثال الأب العطوف، والإنسان المتفاني في مساعدة الآخرين، متسلحاً دوماً بعقيدة الإيمان، غرس في النفوس حب الوطن والإنسان».

حققت بعض قصائده حضوراً شعرياً بين متذوقي الشعر العمودي، ودخل اسمه في عديد الموسوعات الشعرية كأحد منافحي الشعر العمودي، كما عرف عنه كتابته للقصائد الطويلة التي ناف بعضها على 120 بيتاً، ومنها مثلاً قصيدته المرآة (من منابع الضياء الجزء الثاني)، نقتطف من قصيدته "أيام الثلج":

"أيها الثلج وقلب الله أهداك فقرّا

عش على الدهر خلود الدهر يستجديك طهرا

أنت إن ينضب زفير البحر يشهق فيك بحرا

إن ظل الشام ظل أبيض يختال كبرا".

رحل الشاعر عام 1997 بعد أن وهب سنوات حياته الأخيرة لتعليم الأجيال التي أحاطت به من أحفاده؛ الأدب والشعر وحب الحياة.