عمري خمسون عاما، عشتها كمعظم أبناء شعبي في انتظار انتهاء أحداث لا تنته و مضي ظروف استثنائية لا تمضي، حتى اصبحت عبارات كــ " ظرف استثنائي" ، " مرحلة دقيقة"، "منعطف تاريخي" و "لننتظر الحدث الفلاني " تصيبني بشيء يشبه الطفح الجلدي و يجتاح كياني بموجات من الكآبة والاحباط و الحزن.

إلا أنني اليوم أؤمن بأن هذه "الظروف الاستثنائية الدقيقة" التي تشهدها سورية ستحمل في طياتها تغييرا حقيقيا ايجابيا يستحقه الشعب السوري الصامد الصبور الأبي المبدع، كما أنني اعتقد أن الكثير من أبناء شعبي يشاطرونني هذه المشاعر و هذه الإرادة.

و بالتالي فإن هذه الوزارة الجديدة ان كانت خطواتها الاصلاحية جريئة فهي ستحظى بتأييد جماهيري ليس له سابق في تاريخ سورية الحديثة، و هذا التأييد، إن ترافق مع عمل دؤوب و تجييش للحالة الداخلية لصالح سياسات معلنة و شفافة مبنية على حوار وطني صادق و عميق، يستطيع أن يجرف كل العوائق التقليدية التي تعرضت لها سياسات الوزارات السابقة و يحيد التدخلات و الممارسات الخاطئة لجميع الجهات غير المعنية و التي كانت تفرض مصالحها بشكل يعيق التنمية و يهدر الموارد و يولد الإحباط و اليأس لدى الوزراء و الشعب على حد سواء.

الدكتور جعفر الخير

مهمات جليلة تنتظر وزارتنا الجديدة التي شكلت مؤخرا، و لكن هذه الوزارة استثنائية بامتياز و تملك فرصة نادرة للتغيير.

هي استثنائية لأنها جاءت في ظروف غير عادية تمر بها المنطقة بشكل عام و سورية بشكل خاص، و بالتالي تنتظرها مهمات استثنائية و عليها التعامل مع كافة المطالب التي ظهرت خلال الأحداث في بعض المدن السورية بشكل استثنائي غير تقليدي يؤدي إلى قلب الواقع و إعادة الطمأنينة للشعب السوري على الصعيدين الاجتماعي و الخدمي.

فمع تحرك الأحداث يتوقع الجميع من هذه الوزارة أداءً يتناسب مع حجم التحديات و التساؤلات، التي ظهرت مؤخرا و بشكل يشبه الانفجار.هذه التحديات الجسيمة تبدو للوهلة الأولى و كأنها حصيلة تراكمات ناتجة عن إهمال داخلي لقضايا اجتماعية و تنموية مختلفة ساهمت في وصولها الى هذا الحجم أسباب داخلية و خارجية مختلفة المنابت.

يبدو جليا للعيان أن أحد الأسباب الرئيسة للوضع الراهن في سورية هو الموقف القومي المعلن للدولة و اهمال الوضع الداخلي لمصلحة استنفار كل الموارد و الإمكانيات لمواجهة الضغط الخارجي المتزايد مع ازدياد الاستقطاب العالمي و سقوط المعسكر الشرقي و اختلال موازين القوى العالمي بما يمس بمصالح الدولة التي لا يزال جزء من اراضيها محتلا، و تجاور كيانا يعلن بصراحة أنه استعمار احلالي على أسس عرقية تهدد المنطقة بكاملها.

كما يشكل الانفجار السكاني و معدل التزايد البشري الأعلى عالميا استنزافا دائما للموارد يصعب تعويضه باي خطة تنموية مهما كانت طموحة ويضاف الى ذلك ازدياد التنافس الاقتصادي على الصعيد العالمي و صعوبة دخول المنتجات المحلية الى الأسواق العالمية المشبعة و ضعف القوة الشرائية في السوق السورية و تأخر الانفتاح على الأسواق الاقليمية ,معوقات حقيقية تساهم في تفريغ الخطط التنموية و استهلاك الجهود المبذولة لتحسين الوضع المعيشي.

رغم أن ما ذكرته سابقا و كثير غيره هي الأسباب التي تبدو واضحة الأهمية إلا أنني شخصيا أعتقد أن التحدي الأكبر الذي تشهده المنطقة كلها هو الحاجة إلى إعادة التموضع على خارطة العالم المتغير ذي القطب الواحد، عالم تقود إعادة تشكيله قوة غاشمة تملك القوة و المعرفة اللازمتين لتشكيل هذا العالم بما يضمن مصالحها لمئة عام قادمة.

أما السبب الآخر لكون الوزارة استثنائية فهو يأتي من خلال قراءة بسيطة في الأوضاع و المطاليب و الظروف:

هذه الوزارة مقارنة مع ما سبقها من وزارات ، تملك فرصة نادرة لتجيير الأحداث لمصلحة سياسة تغيير فعالة و سريعة تعيد هيكلة المجتمع و الاقتصاد السوري بما يكفل الإقلاع بإجراءات إصلاحية حقيقية تؤدي إلى تحريك عجلة الاقتصاد و اطلاق طاقاته الكامنة و بالتالي ضمان تلبية المطالب اليومية التي تكلم عنها السيد الرئيس و تحقيق التوجهات الاصلاحية التي وعد بها.

إنها فرصة استثنائية في ظرف غير اعتيادي لحكومة استثنائية، فيها أناس مشهود لهم بالكفاءة و النزاهة، كان لي الشرف أن عملت مع بعضهم، و كان لي من الحظ نصيب أن عرفت بعضهم شخصيا، وتعرفت على بعضهم من خلال سيرته المهنية و شهادات اصدقاء مشتركين، أما الباقين منهم و إن كنت لا أعرفه و لكنني أعتقد أنه اختير لأسباب تتعلق قبل كل شيء بكفائته.

لهم جميعا أتمنى التوفيق و النجاح ليس فقط لمحبتي لبعضهم بل و قبل كل شيء لأننا جميعا نحتاج نجاحهم و توفيقهم.