إن بناء الموقف عند الإنسان هو عملية معقدة تتعلق بتاريخه بماضيه بثقافته ببنيته الفكرية تتعلق برؤيته لمستقبله تتعلق بنضجه الثقافي والفكري، ولا يمكن أن نتوقع من كل الناس درجة النضج ونفس درجة فرز الآراء.

على الارض تتقارب وتتباعد المصطلحات والتعريفات الحقيقية للأحداث الأخيرة في سورية، وهنا يبرز دور المراقبين لها في توصيف ما يحدث وما حدث اتجاه كل الاطراف والاتجاهات سواء الداخلية منها أو الخارجية.

من بديهيات مجتمعنا السوري الفرادة والتميز اللذان يتمتع بهما لأنه مبني على فسيفساء بشرية وحضارية عمرها آلاف السنين، وأكثر ما يميز هذا النسيج المتعدد الألوان والانتماءات والإثنيات والطوائف هو انضواؤه تحت سقف الوطن عند إحساس المواطن السوري بأي خطر يتهدد سورية الأم تجده يغادر طائفته وعرقه وانتماءه وينضوي في لواء واحد وخندق واحد مع إخوانه في المواطنة

الدكتور "جعفر الخير" نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية- عضو مجلس الشعب السوري وفي حوار خاص مع eSyria حول الأحداث وتوصيفها كما شاهدها "الخير" من خلال اتصاله ومتابعته لها في أغلب المناطق في سورية.

د.جعفر في حوار مع بعض المثقفين والاعلاميين

يبدأ الدكتور "الخير" حديثه بالحديث عن الشخصية التي شغلت الجميع في سورية وهي الرمادي أو الحيادي وموقفه من الأحداث: «أشبه الحياة أو وضع رأي الإنسان قبل أن أشبهه للأبيض أو الأسود بألوان الطيف، ومن الممكن أن ننظر للإنسان كحالة لونية، تصور أن الحياة كلها باللون الأحمر أو البنفسجي ولا يوجد ألوان أخرى نفقد الكثير من المتعة والاستمتاع والجمال الموجود في هذه الحياة، لذلك أعتقد أن اختلاف الناس هو أحد أهم مكونات الوجود ومحركات تقدمه فاختلاف الرأي هو أساسي في حياة الإنسان، وعندما أضيء زاوية الرؤية لدى الإنسان يصبح كما المصاب بعمى ألوان لا يستطيع تمييز الحالات ولا يستطيع تمييز الألوان والاستمتاع بجمالها، من الطبيعي أن يكون هناك موالاة ومعارضة ومن الطبيعي أن يكون هناك ناس حياديون، والحيادية هي مفهوم نسبي قد أكون حيادياً في موضوع وقد لا أكون حيادياً في موضوع آخر، بقدر ما أنا متفاعل مع القضية المطروحة يكون موقفي أكثر وضوحاً وأكثر فرزاً، أما إذا كان الموضوع بشكل أو بآخر لا يعنيني على الأغلب فسيكون موقفي حياديا وقد يكون الموقف الحيادي نابعاً أيضاً عن نقص في المعلومات، على سبيل المثال في الحالة الحالية التي نعيشها في سورية في الكثير من الأحيان يكون موقفك رمادياً ليس مع أو ضد لأن المعلومات التي تصلك ليست موثوقة ليست ذات مصداقية هي من مصدر واحد أو من مصدرين مختلفين كلاهما متطرف لذلك أتحفظ على اتخاذ موقف وتأييد جهة أو أخرى».

وعن حملة التضخيم والدعاية الفتنوية تحدث الدكتور "الخير": «قد يكون هناك استقطاب للآراء وقد يكون هناك تحضير للتطرف، استخدام أدوات معروفة مثلاً، على سبيل المثال الاستخدام السيئ للدين وتعاليمه، الاستخدام السيئ للدعاية الدينية والمنابر المتاحة، لا أعتقد أن إمرأة مثلاً من ريف "اللاذقية" أو من ريف "حلب" أو من "ريف دمشق" يعنيها كثيراً موقف ما أو أي تصريح إعلامي يقوم به أي مسؤول لا يعنيها، هي تأخذ موقفها من خلال ما يقدم لها من معلومات من خلال الإسقاطات التي تراها لهذا الذي يحدث على حياتها اليومية ومن مصادر المعلومات التي تعتبرها بالنسبة لها مرجعية على سبيل المثال من شيخ الجامع أو مختار الحارة أو ابنها المثقف، وهنا يقع العبء على المتنورين».

يضيف الدكتور "جعفر": «أعتقد أن سورية بنيت عبر التاريخ بمكون أساسي، هو إرث ثقافي إيجابي وهو أحد مكونات المجتمع السوري ويجب أن نحافظ عليه والبناء للتسامح والمحبة والتنور وتقبل الآخرين والعيش المشترك ولا أقول التعايش لأن كلمة التعايش نحن نعيش سوياً ولا نتعايش، التعايش لناس غرباء يأتون إلى منطقة ما ثم يفرض عليهم حالة ما ويضطرون للتعايش لأسباب مختلفة، أما العيش المشترك فهو حياة مشتركة بكل معنى الكلمة، ويقع العبء على الناس وأقصد الذين يملكون منبراً للحديث، الناس الذين يستطيعون التأثير في الجماهير وأقصد بكلمة الجماهير تجمعات الناس بغض النظر عن أعدادهم قد يكون جمهورك هو عائلتك قد يكون جمهورك هو حيك الشعبي، قد يكون جمهورك الوطن ككل هنا لابد من الصدق مع النفس ولابد من تحديد الأهداف فأنا أشبه ما يحدث في سورية إلى إنسان يمشي في طريق دون أن يكون قد حدد هدفه».

يتحدث "الخير" عما تواجهه سورية خارجيا وعلى مسار المنظمات الدولية وعاصفة التحريض والتجيش الدولي التي يزمع عليها عدد من الدول الغربية: «من الطبيعي أن تعامل سورية بهذا القدر من العداوة، نظراً لأهميتها ومواقفها القومية التاريخية ولوجود عدو قريب إليها، عدو حقيقي، عدو لكل ما هو إنساني، عدو عرقي، وعدو متصهين نظريته هي إلغاء الآخرين تماماً، لا يقبل ازدواجية الدولة ولا ازدواجية الرؤية، ولا يقبل إلا رؤية من طرف واحد، فلهذا من الطبيعي أن تكون هذه البلاد مستهلكة ومن الطبيعي أن تتعرض لضغط ومن الطبيعي أن يكون لها أعداء كثر ومن الطبيعي أن يستخدم هؤلاء كل ما بحوزتهم للنيل من سلامتها، ولكن يجب علينا العودة إلى الذات أن نكون صادقين مع أنفسنا مع شعبنا أن نشير إلى مكامن الفساد ومكامن الإهمال وأن نتشارك بشكل واضح وفعال في سياق طريق المستقبل لأنه لا مخرج إلا العودة إلى الشعب والعودة إلى الذات والعودة إلى أهل البلد».

وعن حالة هذا اليوم وما آلت اليه، يتحدث الدكتور "الخير": «الحقيقة لا يمكن أن نسمي الحالة باسم واحد إيجابية أو سلبية، الحالة معقدة مركبة، وليست بسيطة، لذلك فيها ايجابيات وفيها سلبيات، لا يمكن أن نسمي العنف إيجابية، لا يمكن أن نسمي إهدار الدم إيجابية، لا يمكن أن نسمي تخريب الممتلكات العامة ايجابية، لكن عندما نبدأ الحديث عن مشاكلنا وعللنا نكون قد بدأنا باستخدام عقولنا بإيجاد مخارج من هذه المشاكل والأمراض والعلل، فعندما تكون محموماً كإنسان يكون من الصعب عليك التفكير السليم لندع الأمور تهدأ ولنعد إلى تفكيرنا إلى حالة الاستقرار ومن ثم نعيد ترتيب البيت كما يجب ولا اعتقد ما حركته الأحداث يمكن بحالة من الأحوال إسكاته أو العودة إلى الوراء هناك شيء انطلق، هناك أشياء تم الكلام بها بصراحة ولا أعتقد أنا ستهمل أو ستكون سلبية في المستقبل أعتقد أن كل الناس تملك عقلا وتوجها سليما، الناس حريصون على الوطن ومستقبله وسيعبرون عن أنفسهم بشكل أو بآخر في بناء أو في تحديد الطريق المستقبلي لبناء سورية التي نطمح إليها جميعاً».

وفي الحديث عما قام به شباب سورية على شبكات التواصل الاجتماعية، وكيف تصدى المبدعون لمن تجرأ على استقرار بلدهم، قال "الخير": «أنا معجب بما حدث على صفحات الإنترنت، والحقيقة من الرؤية العامة أو الاتجاه العام نقول إن ما هو جديد هو ضعيف، ونقول إن الجيل الجديد غير واع أو غير مثقف، ما أثبته الحراك على الإنترنت هو العكس تماماً، أثبت أن لهذا الجيل رؤية وبعدا ثقافيا ووطنيا ثابتا وأن له جذوراً ضاربة في الأرض ورأسه إلى السماء في التعبير عما يريد وحرصه على بلده ووطنه، هناك رموز انكفأت، وأعتقد أن من كان يظن نفسه مركز العالم هو من انكفأ، وهناك رموز ظهرت لا أعتقد نحن في مرحلة صنع رموز، هناك رموز قد تتبلور كأشخاص أتكلم عن هذه المرحلة التي فيها كمية كبيرة من الناس الفاعلين والجيدين ونحن بانتظار أن يصبح بعضهم رموزا سواء في الموالاة أو في المعارضة».

د. "جعفر" تحدث عن واقع المعارضة وحيثياتها الواقعية في سورية: «المعارضة في السياق الطبيعي للسياسة هي الاختلاف، إذا أسقطنا موضوع المعارضة على موضوع الحكم فعادة من هم في الحكم هم موالاة، ومن هم خارج الحكم هم معارضة، هذا لا يعني أن الاختلاف المطلق أو فرز المطلق فقد تختلف المعارضة والموالاة على بعض الأشياء وقد نتفق على الأشياء الوطنية الأساسية قد نتفق مثلاً على سياسة التعليم وسياسة الصحة العامة وقد نختلف على تحالفنا مع تركيا أو فنزويلا، قد نتفق على الحفاظ على بيئتنا واقتصادنا، المعارضة والموالاة هي مفاهيم نسبية مرتبطة بالحدث وبمستوى القرار الذي نتكلم عنه».

ويقول الدكتور "عباس عبد الرحمن" الباحث والمحاضر في جامعة تشرين: «من بديهيات مجتمعنا السوري الفرادة والتميز اللذان يتمتع بهما لأنه مبني على فسيفساء بشرية وحضارية عمرها آلاف السنين، وأكثر ما يميز هذا النسيج المتعدد الألوان والانتماءات والإثنيات والطوائف هو انضواؤه تحت سقف الوطن عند إحساس المواطن السوري بأي خطر يتهدد سورية الأم تجده يغادر طائفته وعرقه وانتماءه وينضوي في لواء واحد وخندق واحد مع إخوانه في المواطنة».

ويفسر الدكتور "عبد الرحمن" تداخلات الاعلام المغرض وكيفية عمله وتكتيكه: «إذا أردنا مناقشة تناول الإعلام الخارجي لما يحدث في سورية، فلابد من تصنيفه تحت عدة عناوين رئيسية محكومة بمنطلقات خاصة بكل وسيلة منها، المجموعة الأولى تتكون من وسائل إعلام محدودة الانتشار دون جمهور مثل شام وأورينت مأجورة لمصلحة مؤسسات إعلامية عريقة مثل الجزيرة والعربية، هدف هاتين المحطتين فبركة أفلام وأخبار كاذبة وتزويد المؤسسات الإعلامية العريقة بمواد تحريضية لخدمة حملتها وبحيث تتنصل هذه الأخيرة من أي خبر تثبت فبركته، لو عدنا إلى أرشيف الفضائيات مثل العربية والجزيرة فسنجد أن جميع ما بثته هاتان المحطتان مدموغ بخاتم "ش.ا.م" وكأن هذه المحطة فجأة أصبحت تملك جيشاً من المراسلين الحربيين المتواجدين في كل شارع وفي كل حي وكل مدينة في سورية وعلى مدار الأسبوع وبالأخص ساعة خروج المصلين من الجوامع يوم الجمعة، لابد من الإقرار بذكاء هذه الفضائيات من حيث استخدامهم لجميع الفنون والخدع النفسية والتقنية في تمرير المعلومة وإقناع المشاهد (وخاصة الغربي) بها بسبب وجود شارة "ش.ا.م" مما يوحي بصدقية الخبر مع الاحتفاظ أولاً بمنفذ للهروب من الملاحقة القانونية بعد انتهاء الحرب، وثانياً الهروب من اتهامات الجمهور لها بانعدام المصداقية، هذا يقودنا إلى المجموعة الثانية من وسائل الإعلام المتمثلة بالفضائيات صاحبة التاريخ العريق والمدعومة بشهادة صدقية من شريحة واسعة من الجمهور العربي والغربي حتى أصبحت المصدر الوحيد للمعلومة لمن يتابع أخبار الشرق الأوسط، هذه الفضائيات إضافة إلى جماهيريتها الواسعة، فهي مدعومة من جهات حكومية في بلدانها الأم الشريكة في المؤامرة على سورية وبالتالي فقد اعتبرت نفسها طرفاً في حرب هدفها النهائي ضرب وحدة سورية وإسقاط أي شكل من أشكال النظام فيها بحيث يسود نمط واحد وهو الفوضى».