قيل إذا أردت أن تقتل شخصاً أطلق عليه شائعة، فالشائعة تكبر ككرة الثلج يتداولها الناس بصورة غريزية فيدافعون عنها كما لو أنها حقيقة مطلقة.

ويواجه مجتمعنا اليوم أخطاراً كبيرة ناتجة عن نشر الشائعات وتسويقها على أنها حقائق لا تقبل الشك، حتى وصل الأمر إلى مستوى تكون فيه مصداقية الشائعة أعلى من مصداقية الوقائع.

الشائعة نار في هشيم العقول التي لا تعرف التحليل ولا ترى أبعد من أنفها، ولا يمكن أن تنبت الشائعة في بيئة محصنة بالمعرفة والثقافة، ولكن قد يتم طرح الشائعة بما يتناسب مع بيئة المجتمع، وكلنا على دراية بتأثير بعض الشائعات على الكثير من المجتمعات فقد اندثرت أسر وغابت أعمال وضاعت شركات من بث بذور شائعات تكاثرت وأتت على كل شيء

الدكتور الباحث والمفكر "عماد فوزي الشعيبي" تحدث لموقع eLatakia ضمن تقرير أعده الموقع يوم الاثنين 14/8/2011 عن تأثير الشائعة على الحياة اليومية والعلاقات الاجتماعية، ليقول: «في الشائعة سحرُ الرغبة في إنهاء الآخر، يفعل الناس هذا بصورة غريزية أيضاً لأن إنهاء الآخر لا يبقي إلا مروجها أي فاعلها، ولو رمزياً، إذاً الشائعة أداة قتل بامتياز، والخطير أن الضحية فيها مُدان ومستباح ومهدور الدم، لا لأنه مرتكب للجريمة وحدثها، إنما لأنه موضع الارتكاب المفتعل به، إذاً هو القاتل لأنه الضحية ولا لشيء آخر، وهذا ما يحدث اليوم في سورية ككل، الشائعات تبرر للعصابات وتتستر عليهم في جرائمهم، وتتهم الجيش والقوات الأمنية بفعل الجريمة بعد أن تفعلها العصابات بالآمنين».

الدكتور عماد فوزي الشعيبي

وترى الدكتورة "سوسن حكيم" المدرّسة في جامعة تشرين في الشائعة: «هناك أشكال عديدة للإشاعة نذكر منها الأسطورة والنكتة والدعاية والإعلان والإعلام، وباعتبار أن بلدنا يمر بظروف حرجة للشائعات فيها دور لا يستهان به، فإن العمل على معادلة انتشار الشائعة يساعدنا كثيرا في مواجهة هذه الشائعات والنتائج المترتبة عليها، حيث يقول خبراء الشائعات العالميون إنه إذا أصبح أحد عناصر المعادلة صفرا فإن الناتج سيكون صفرا وبالتالي فشل الشائعة، لذا نؤكد ضرورة اليقظة للشائعات في أوقات الأزمات والحروب وفترات التحول السياسي أو الاجتماعي حيث يكون المناخ قابلا لانطلاق الشائعات، وتوفير المعلومات الصحيحة والصادقة عن أي موضوع يهم الناس وتبنّي أعلى درجات الشفافية مع الناس حتى لا يقعوا فريسة الغموض والالتباس، ومراعاة التركيبة النفسية للناس وذلك عبر الاهتمام بتعليم الناس وتثقيفهم، والأهم من ذلك تربية النشء على التفكير النقدي الذي يمحص الأمور قبل أن يصدقها أو يقبلها أو يرفضها، وأخيرا إشاعة فضيلة الصدق والمصداقية في المجتمع واعتبارهما من أهم المقومات الأخلاقية للناس بوجه عام ولقادة السياسة والفكر بشكل خاص.

وتضيف د."حكيم": «بما أن الشائعة ترتبط في نجاحها بمدى مواءمتها للتركيبة النفسية لمتلقيها لذلك نجد فيها صفة الانتقائية فهي تؤثر في مجتمع بعينه لأنها تتفق مع رموزه وثقافته واحتياجاته وصعوباته ومشكلاته ولا تؤثر في مجتمع آخر ربما لا يفهم مدلولاتها أو رموزها أو إيحاءاتها. وقد تفهم الشائعة في مجتمع بمعنى وتفهم في مجتمع آخر بمعنى مختلف بناء على الرموز السائدة ومدلولاتها، وانتقائية الشائعة تجعلها سلاحا موجها يصيب المستهدفين دون غيرهم».

تتحدث الصحفية "لمى يوسف" عن تأثير الشائعة السلبي، لتقول: «الشائعة نار في هشيم العقول التي لا تعرف التحليل ولا ترى أبعد من أنفها، ولا يمكن أن تنبت الشائعة في بيئة محصنة بالمعرفة والثقافة، ولكن قد يتم طرح الشائعة بما يتناسب مع بيئة المجتمع، وكلنا على دراية بتأثير بعض الشائعات على الكثير من المجتمعات فقد اندثرت أسر وغابت أعمال وضاعت شركات من بث بذور شائعات تكاثرت وأتت على كل شيء».

وتكمل "يوسف" حديثها عن المجتمع السوري وتأثره بخطر الشائعات: «المجتمع السوري كغيره من المجتمعات، هناك الكثير من الشائعات، البعض يأخذها على محمل الجد ويتناقلها، تبدأ بكلمة ومن ثم تتسع الدائرة وكمتوالية حسابية ينبثق عنها عدد كبير من الحكايات والروايات التي يستمتع الناس بتناقلها والإضافة إليها، ما يسبب هدراً للوقت وتلويثاً لبعض الجلسات الحميمية في حياتنا المجتمعية، والتي يجب أن تستثمر بحوارات ذات فائدة للمعرفة والتواصل، وهناك من يأخذ هذه الإشاعات ويحللها ويفكك محتواها للتثبت من صحتها وإهمالها بعد التأكد من كذبها ولكن الأغلبية من المجتمع السوري تمر الشائعة بجواره دون أن تستوقفه أو يعيرها اهتمامه، لكن هناك بعض الشائعات الممتعة التي تمر بحياة الأفراد كتلك الشائعة التي سرت منذ مدة عن توقع حدوث زلزال بـ"اللاذقية" في ليل أحد الأيام حيث بات الأهالي بكافة الأطياف تلك الليلة في العراء ويروي أهالي "اللاذقية" أنها من أمتع الليالي التي مرت بحياتهم ومن أكثر الليالي تجسيداً للوحدة الوطنية حكايات وتسالي، وكل يقدم ما توافر من طعام وضيافات للآخرين لدرجة أن البعض فكر بأن يجعلها ذكرى تعاد كل عام».

المدون "رامي علاء الدين" أحد الشباب ويعمل على الإشراف على إحدى الصفحات الإخبارية على الفيس بوك يتحدث بدوره عن موقفه الشخصي من الشائعة الشعبية: «أنا ضد الإشاعات سواء أكانت إيجابية أم سلبية لذلك أنصح كل شخص ألا يصدق حتى يرى بعينه، وفي سورية رأينا كيف لعبت الشائعات دوراً رئيسياً في هذه المرحلة الحساسة، لذلك أنا أنصح الشعب السوري باستقاء معلوماته من مصادرها الرئيسية الرسمية والموثوقة نظراً لإمكانية تفشي الشائعة بشكل كبير وخاصة في الأوساط الشعبية البسيطة والسطحية غير المطلعة إعلاميا».

الشاب "محمد سلطان" أحد أبناء المناطق التي شهدت مؤخراً تظاهرات شعبية، يتحدث بدوره عما لمسه من تأثير سلبي على الأرض للشائعة: «الشائعة الشعبية تأثيرها قوي وخاصة في المناطق التي تتصف بالبساطة الاجتماعية، التي من الممكن أن تنشر فيها وخلالها بوقت أقل وبمساحة أكبر، فالإنسان البسيط هناك تشجعه الشائعة على الاتجاه إلى القنوات المحرضة التي تؤكد له ما يتردد على الشارع استجابة لمخططات تريدها تلك القنوات ومن وراءها، ولهذا يبحر هؤلاء في غياهب أي أمر يتردد في الشارع فيخرج ويتظاهر ويخاف ويحترس، إنه إذاً عرضة لأي مصدر معلومات مهما كان وأينما كان، بسبب ضعف المصدر الثقافي الذي لم يعرف له طريقا داخل تلك التجمعات الشعبية البسيطة».