أمام دار العدل في روما تصادف تمثالاً شامخاً لشخصية الفقيه "بابنيان"، وأمام الكونغرس الأميركي تشاهد لوحة جدارية مكتوب عليها: "مؤلف لأكثر من ستة وخمسين مؤلفاً في الحقوق كانت أساس التشريعات الحقوقية العالمية".

ويعتبر "بابنيان" من أشهر الفقهاء في العالم وفي كل العصور، يتحدث الأستاذ "سجيع قرقماز" عن تأثير السوريين في حضارة روما فيقول في حديث لمدونة وطن eSyria بتاريخ 6/4/2013: «اعترف شاعر وكاتب الرومان الأبرز "جوفينال" في القرن الثاني الميلادي بفضل السوريين على روما بالقول: "منذ زمن بعيد ونهر العاصي السوري يصب ماءه في نهر التيبر (نهر في ايطاليا يصب في المتوسط) جالباً معه لغته وعاداته وعوده وقيثارته بأوتارها المائلة"، ومن ضمن التأثيرات الكثيرة خلال العصر الروماني منجزات السوريين في التشريع والحقوق، فمنذ مطلع القرن الثالث للميلاد أصبحت مدرسة بيروت مركزاً لدراسة الحقوق وقد بقيت حتى منتصف القرن السادس أشهر مدرسة من مدارس الولايات في الامبراطورية الرومانية حتى دمرها زلزال كبير. ويشير الباحثون إلى أن مؤسس هذه المدرسة هو الإمبراطور سبتيم سفير أو سبتيموس سيفيريوس 193 - 211 م ثم تعهدها خلفاؤه السوريون من بعده ونتيجة لريادة هذه المدرسـة المشرقية أطلق الإمبراطور جوستنيان على بيروت اسم أم القوانين ومرضعتها».

اعترف شاعر وكاتب الرومان الأبرز "جوفينال" في القرن الثاني الميلادي بفضل السوريين على روما بالقول: "منذ زمن بعيد ونهر العاصي السوري يصب ماءه في نهر التيبر (نهر في ايطاليا يصب في المتوسط) جالباً معه لغته وعاداته وعوده وقيثارته بأوتارها المائلة"، ومن ضمن التأثيرات الكثيرة خلال العصر الروماني منجزات السوريين في التشريع والحقوق، فمنذ مطلع القرن الثالث للميلاد أصبحت مدرسة بيروت مركزاً لدراسة الحقوق وقد بقيت حتى منتصف القرن السادس أشهر مدرسة من مدارس الولايات في الامبراطورية الرومانية حتى دمرها زلزال كبير. ويشير الباحثون إلى أن مؤسس هذه المدرسة هو الإمبراطور سبتيم سفير أو سبتيموس سيفيريوس 193 - 211 م ثم تعهدها خلفاؤه السوريون من بعده ونتيجة لريادة هذه المدرسـة المشرقية أطلق الإمبراطور جوستنيان على بيروت اسم أم القوانين ومرضعتها

يقول الباحث الأميركي بول كولينيت تعليقاً على الموضوع: «في بيروت كان يتم إعداد الحقوق الرومانية الجديدة إلى جماعة من الفينيقيين السوريين- وهم عائلة سبتموس سفيروس ومستشاروه- ولا تزال الحقوق الرومانية الجديدة مدينة ببلوغها أوج الكمال، ففي فترة حكم السلالة السورية لعرش روما (193 ـــ 235 م)، يبدو أنه تم تطوير التشريع الروماني ونقله من الطور الابتدائي إلى مرحلة متقدمة عبر مؤلفات الفقهاء السوريين الخمسة والذي أحاط بعضهم بالامبراطور سبتيم سفير كمستشارين له مثل بابنيان وألبيان. وبالإضافة إلى هذين الفقيهين كان هناك غايوس وبولس وموديستنوس، والجدير ذكره هنا هو أنهم كتبوا مؤلفاتهم الحقوقية باللاتينية وهذا ما جعل بعض المؤرخين يطلق عليهم اسم الفقهاء الرومانيين، وهذا ما انسحب على التشريع الذي وضعوه فأطلق عليه اسم التشريع الروماني بينما تبين الأبحاث أن ما قدمه هؤلاء الفقهاء السوريون للتشريع الروماني يتعدى الـــ 80% منه، وهذا ما دفع بعض الباحثين للقول: في القرن الثالث الميلادي كانت سورية تعكس على العالم تقاليدها الحقوقية التي تعد مصدر الحقوق».

وتذكر الكتب التاريخية كما يقول المحامي "أحمد غسان سبانو" كيف استشهد "بابنيان" وأصبح شهيد العدالة الأول في التاريخ فقد انتهى الصراع بين الشقيقين غيتا وكركلا أولاد الامبراطور سبتيمو بقتل غيتا، وطلب من الفيلسوف "سنيكا" أن يعد رسالة تسوغ هذا القتل موجهة للسانتو (مجلس الشيوخ) ففعل، ثم أمر "بابنيان" أن يفرغ كل ما أوتي من مهارة وفصاحة في سبيل تلمس الأعذار لهذه الفعلة، ولكن المفاجأة التي لم يكن الإمبراطور كراكلا يتوقعها هي رفض رجل العدالة هذا الأمر، وقال في إباء وشجاعة مؤثراً فقدان حياته على ضياع شرفه: "إن قتل الأشقاء أهون من تسويغ هذا القتل"، وبعد إلحاح الإمبراطور قال (بابنيان): "إن تسويغ قتل النفس ليس أسهل من اقتراف القتل"، وقال رداً على الإمبراطور حينما حاول أن يجعل عمله دفاعاً عن النفس: "إن اتهام قتيل بريء بالقتل قتل ثان له"، وكان هذا الجواب المشهور سبب ضياع حياته، فما كان من الإمبراطور إلا أن يأمر الجنود المحيطين به بقتله، فتقدم أحدهم ببلطة، فما كان من (بابنيان) إلا أن انتهره لاستخدامه البلطة بدلاً من السيف، وهكذا قتل دفاعاً عن الحق وإظهار العدالة... لقد أطلق الشعب على الإمبراطور (قاتل أخيه وبابنيان) بعد أن كان يطلق عليه (قاتل أخيه)، وقال المؤرخ جيبون في هذا الخصوص "لقد كان إعدام بابنيان محزناً بوصفه كارثة عامة"».‏

وقد ألف بابنيان "19" مؤلفاً في المناقشات القانونية و"37" مؤلفاً في المسائل القانونية. وله كتابان مشهوران جداً هما "الأسئلة" و"الأجوبة" وقد كان كتابه "الأجوبة" مقرراً في برامج السنة الثالثة في مدارس الحقوق الرومانية، وله كتاب آخر لا يقل شهرة عن سابقيه وهو كتاب "الفتاوى".‏

ويقول بلوندو عنه "إن التراث العظيم الذي تركه لم يتركه أي روماني فقيه آخر". وقد أدخل ما لا يقل من 596 فقرة من كتاباته في موجز جستنيان القانوني وذكر فيه 153 مرة، وقد لقبه الرومان بأمير الفقهاء وإكراماً له أقيم تمثاله في مدخل قصر العدل الحالي بروما. وحديثاً اختار الكونغرس الأميركي لوحة تذكارية تمثل "بابنيان" تقديراً لدوره القانوني الكبير وبصفته "شهيد العدالة".