في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا دائماً يوجد حاجز بين الطلبة ومعظم مدرسيهم، كثيراً ما يلعب دوراً سلبياً في العملية التعليمية، بعضهم ينسبه إلى ضعف في المدرس، وآخرون ينسبونه إلى تمادي الطلبة.

تقول "نورا نوفل" وهي مدرسة وطالبة جامعية في آن معاً: «هناك فرق بين التعليم المدرسي والجامعي، في التعليم المدرسي الذي لدي تجربة معه أرى أن المدرس أو المدرسة، يجب أن يتمتع بشخصية قوية وصارمة خصوصاً إذا كان عدد الطلاب كبيراً في القاعة، فالمدرس إذا تعامل بلين مع الطلبة يستغلون هذه النقطة ويسيؤون التعامل معه، ولا يعود بمقدوره شرح الدرس لهم فهم لن يستمعوا له».

تقربت منه، أعطيته الثقة بي، وحدثته واستمتعت إليه، حتى وصلت معه إلى حل مشترك، وبدأ يتطور تدريجياً، لكن لو بقيت أوبخه وأمنحه علامات متدنية، لكانت حالته في تدهور تدريجي

وتضيف "نوفل" في حديثها لمدونة وطن "eSyria": «لكن هذا لا يمنع أن يكون هناك شخصية أخرى تتعامل بها مع الحالات الفردية، فإذا لاحظت وجود طالب متوتر أو قلق عليك أن تعطيه ثقة أكبر بنفسه، أن تتعامل معه بأسلوب خاص وتتقرب منه.

"ماهر شبانة"

باختصار الموضوع نسبي في التعاطي مع المراحل العمرية الصغيرة، فالحاجز مع الطلبة له سلبيات وله إيجابيات، ومن الضروري أن لا يكون هناك الكثير من الشدة وكذلك الكثير من اللين، فالاعتدال هو الحل».

ما تراه "نوفل" على مستوى التعليم المدرسي، تتفق مع جزءٍ منه "ليلى عباس" على صعيد التعليم الجامعي، "عباس" طالبة جامعة متفوقة تقول في حديثها للمدونة في 31 تشرين الأول 2014: «على المدرس أن يكسر كل الحواجز مع الطلبة، ويحافظ فقط على الاحترام المتبادل، وكطالبة تعاملت مع نوعين من المدرسين؛ نوع يضع حواجز وآخر يكسرها، المدرس الذي يضع حاجزاً بيني وبينه يخلف عندي شعوراً بالخوف يمنعني من السؤال، ومن ثم يقلل من درجة فهمي للمادة، الأمر الذي يدفعني للحفظ "بصماً" وانتقاد المدرس.

"مصطفى دليلة"

بينما المدرس الذي يكسر الحواجز ويكون مرناً في الحوار العلمي المعرفي مع الطالب يعطيك دافعاً أكبر، على سبيل المثال هناك مدرس وجهت له سؤالاً فقمعني بالإجابة، بينما مدرس آخر سألته سؤالاً فناقشني به باحترام وتقدير واستفاضة بالشرح للفهم، فما كان مني إلا أن أحببت المادة رغم صعوبتها وبرعت بها».

هذا الكلام يدفعنا للتفكير بالمقولة الشائعة جامعياً: إن المدرس الذي لا يفهم المادة التي يدرسها جيداً يضع حواجز مع الطلبة لكيلا يوجهوا له أسئلة تحرجه ولا يقدر على الإجابة عنها.

على المدرس أن يكسر الحاجز ويذهب أبعد من ذلك بكثير، تقول "عبير عباس" وهي مدرسة: «في البداية لا بد من تأطير العلاقة ضمن إطار الاحترام المتبادل، وبعدها من الممكن كسر حواجز تفيد في إظهار طاقات الطالب وتوجيهها، والتقرب من الطالب وخاصة في مراحل دراسية حساسة بعمر المراهقة شيء لا بد منه».

"عباس" تتحدث عن حالة صادفتها لطالب في الصف التاسع كان قليل المشاركة والمساهمة، وغير مهتم بدروسه، وتقول: «تقربت منه، أعطيته الثقة بي، وحدثته واستمتعت إليه، حتى وصلت معه إلى حل مشترك، وبدأ يتطور تدريجياً، لكن لو بقيت أوبخه وأمنحه علامات متدنية، لكانت حالته في تدهور تدريجي».

يؤكد علم الاجتماع صحة الفكرة القائلة إن هناك فرقاً شاسعاً في العلاقة بين الطالب والمدرس في المدرسة وفي الجامعة، فلكل خصوصيتها، ويقول "ماهر شبانة" اختصاصي علم الاجتماع لمدونة وطن "eSyria": «عندما ينتقل الطالب إلى الحياة الجامعية يحمل معه أحلاماً كبيرة بمجتمع علمي جديد أكثر حرية، وانفتاحاً من المدرسة، لكن سرعان ما يصطدم بأسلوب التدريس المعتمد في جامعاتنا، وهو أسلوب ضخ المعلومات والتلقي، ومن هنا يبقى في حالات كثيرة الجدار الجليدي موجوداً بين دكتور الجامعة والطلبة».

ويضيف "شبانة": «بنظري من المفترض أن يزال الجدار بين الدكتور والطلبة لسببين أساسيين: أولهما أن الطالب الجامعي عندما يشعر بقرب المدرس منه فإنه سيزدادُ استيعاباً وسيكون أكثر ارتياحاً في التلقي، وثانيهما أن هذا ضروري للدكتور نفسه حيث إنه ومن خلال كسر الحواجز بينه وبين الطلبة يكسب ثقتهم ويستطيع ضبط المحاضرة والطلاب جيداً، كما أنه وبمساعدتهم يستطيع نقل المعلومات من حيز النظرية إلى التطبيق، وهذا يكون فاعلاً جداً في المواد الجافة التي تتطلب دوراً كبيراً من المدرس في ترغيب الطلبة بها، وهذا الدور لا يمكنه لعبه بوجود هذا الحاجز».

الدكتور "مصطفى دليلة" وهو أستاذ جامعي منذ ثلاثة عقود يعد من أشهر المحاضرين الذين كسروا الحاجز بين الطلبة والمدرس، ويقول "دليلة": «ثلاثة عقود من العمل في التعليم العالي منحتني خبرة معمقة في مجال التعامل مع الآخر، وبالأخص الطبقة المتعلمة من المجتمع... وبالمناسبة الطبقة المتعلمة من المجتمع هي الطبقة الأكثر صعوبة في القيادة والتغيير، لأنها تعد نفسها وصلت مرحلة متقدمة من الوعي والمعرفة ولا تريد التغيير في الأغلب».

ويضيف "دليلة": «منذ البدايات كسرت ذلك الحاجز الرهيب بين طرفي المعادلة التعليمية: أستاذ – طالب. نزلت إلى طلابي ومددت لهم يدي أعطيهم وآخذ منهم، منطلقاً من مبدأ آمنت به: النجاح أخذ وعطاء.

آمنت بأن بناء الأوطان يبدأ من بناء أفراده... لهذا حاولت أن أبني وطني الخاص من خلال علاقتي مع طلابي. نزلت إليهم ماداً لهم يدي لأعيش مشكلاتهم، ولأرفعهم درجات... بادرتهم بالمحبة والبساطة في التعامل، لم أكن متكبراً عليهم، زرعت الثقة في أنفسهم وفي قدراتهم وإمكانياتهم اللا محدودة. تعاملت مع عقلهم الواعي بوعي، وغصت معهم في أعماق عقلهم الباطن، ناقشتهم في جميع مشكلاتهم النفسية والاجتماعية والجامعية، وحتى العائلية والخاصة وساعدتهم على الخروج منها».

"دليلة" وهو خبير العقل الباطن يرى أن على المدرس ألا يكون مجرد أستاذ، ويقول: «لم أكن مجرد أستاذ يلقي محاضرته ويرحل بعيداً عنهم إلى برجه العاجي: ممنوع الاقتراب، ممنوع السؤال، أنتم أغبياء، أنتم لا تفهمون شيئاً.... (لائحة الممنوعات تطول إلى ما لا نهاية بين الطالب والأستاذ). كنت إلى جانبهم أساعدهم وأقول لهم دائماً: اسألوا، ثم اسألوا، ثم اسألوا، لا تخافوا توجيه الأسئلة، فبرأيي لا وجود لسؤال غبي، السؤال الغبي هو ذاك السؤال الذي لم يُسأل بعدْ. أقول لهم دائماً: كما أعلمكم أنا أتعلم منكم».

خبير الطاقة وظفها في التعليم وبين نتائجها بالقول: «أصبحت بالنسبة لكثيرين منهم الأستاذ، والمعلم، والأب، والأخ، والصديق، وحتى الطبيب المعالج. خلصت كثيرين منهم من أدوية الاكتئاب، وأعدتهم أشخاصاً طبيعيين متفوقين في دراستهم ومفيدين لمجتمعهم. بعضهم تخرج وأصبح عضواً منتجاً ومفيداً في المجتمع، وآخرون ما زالوا على مقاعد الدرس يتابعون تحصيلهم».

تشير الوقائع والأحداث والآراء الواردة إلى أن الحاجز بين الطالب والمدرس ليس إلا عائقاً، والدور في اجتياز هذا العائق يقع على المدرس أو الأستاذ، الذي عليه أن يتحلى بمرونة أكثر في التعليم، وقدرة أكبر على فرض حالة من السكينة والثقة لدى الطالب، وهو ما يساهم في دفع العملية التعليمية للأمام، ويفرض احتراماً بين الطالب والمدرس بعيداً عن حاجز الرهبة والمنع.