مثّلت "سلمى إبراهيم" المرأة السورية، ووطنها "سورية" خير تمثيل، وكانت الصورة الحقيقية للنجاح، واستطاعت بعملها الدؤوب وحرصها على نقل اللغة العربية إلى بلدان أجنبية لغير الناطقين بها أن تنقل رسالتها بصدق وأمانة، حيث أسست مراكز لتعليمها، وتمّ تكريمها كأفضل مدرّسة أجنبية في "الصين".

عمرها من عمر جمهورية "الصين" الشعبية، وعطاؤها قارب نصف القرن في التعليم والتربية والتأسيس، وما زال مستمراً، مدوّنة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 30 تموز 2018، مع المعلمة "سلمى إبراهيم"، لتتحدث عن حياتها قائلة: «نشأت في مدينة "اللاذقية" في أسرة مكونة من 8 إخوة وأخوات، وكنت الابنة الكبيرة في عائلتي؛ وهو ما جعلني أهتم بتربية إخوتي وتعليمهم، ووالدي موظف يحبّ العلم ويشجعنا عليه، وفي طفولتي لطالما كنت أنظر إلى البحر غرباً والشمس تستحم في بحر "اللاذقية" الأجمل، لم أكن لأعلم يوماً أنني سأقضي أجمل أوقات عمري في شرق المشرق، في "الصين" العظيمة.

أحرص على نقل المكون الحضاري السوري الأصيل من خلال تنظيم الزاوية العربية الأسبوعية، حيث أكرس الاهتمام من خلالها على نقل القضايا العربية وقضايا التعاون العربي الصيني بندوات ومحاضرات لها جمهور صيني، وما زلتُ أمارس العادات السورية الأصيلة بين أفراد أسرتي، وأقوم في بعض الأعياد بعرض الصور الحضارية والتراثية وبعض الأكلات السورية التي نالت إعجاب معظم الصينيين الذين شاهدوها واكتسبوا بعض عاداتنا وأفكارنا، كشرب القهوة العربية وحلويات عيد الفطر التي قمت بإعدادها مع أفراد أسرتي وطلبتي الصينيين

كبرت ونجحت في الثانوية العامة عام 1967، ودرست الصحافة عام 1968، ثم درست معهد إعداد معلمين في "حلب" وبدأت تدريس اللغة العربية عام 1970 في مدارس "حلب" الثانوية والإعدادية والابتدائية لغاية عام 2000، ثم عدت إلى مدينتي ودرّستُ اللغة العربية في مدرسة "إبراهيم محفوض" لمدة 8 سنوات، حيث انتهت مسيرتي التعليمية في "سورية" عام 2008».

في الجامعة مع طلابها

وتضيف عن عملها وتكريمها من قبل جهات عدّة قائلة: «إضافة إلى التعليم كنت أدرّب المدرّسين والمدرّبين على كيفية إعطاء اللغة العربية وطرائق تدريسها، ونلت ثناءات وجوائز تقديرية كثيرة عن عملي وأدائي من قبل محافظ "حلب" ووزير التربية، وحصلت على جائزة أفضل طريقة لتدريس اللغة العربية من المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم "إيسيسكو"، وجائزة تقديرية عن إدخالي تقنيات حديثة في تعليم اللغة العربية من جمعية المخترعين السوريين في معرض "الباسل" لأعوام 2001-2002-2003، وجائزة من هيئة المخترعين الهنغارية لمساهمتي في تطوير مناهج اللغة العربية، وتطوير المحتوى الرقمي لتدريسها عام 2000».

مسيرتها مع اللغة العربية لم تنتهِ هنا، بل فتحت أفقاً جديداً في "الصين" للاستمرار بنشر اللغة وتقنيات تدريسها خارج "سورية"، فتقول عن ذلك: «في عام 2008 تواصلت معي وزارة التعليم والتكنولوجيا في "الصين" لتأسيس قسم لغة عربية بجامعة "سيتشوان" الصينية، وقام وفد من "الصين" وبعض الطلاب بزيارتي في "سورية" لعرض الموضوع الذي كان تحدياً بالنسبة لي، حيث الانتقال إلى عالم جديد وغريب، وبعد مسيرة تعليمية دامت أربعة عقود. سافرت إلى "الصين" لمتابعة عملي ونشر اللغة العربية بطرائق صحيحة، فقد ساهمت بالتعاون مع أساتذة صينيين في وضع مناهج لغة عربية، حيث كانت الجامعة تعتمد مناهج من جامعات أخرى، كجامعة "بكين" للغات الأجنبية وجامعة "شنغهاي"، فقمنا بتأليف كتب خاصة بجامعتنا في القواعد والنحو والنثر والإنشاء، وعملت على تقييم مهارات الأساتذة والكادر التدريسي في الجامعة، حيث كان عدد الطلاب المسجلين سنوياً بحدود عشرين طالباً، أما اليوم، فيبلغ عددهم مئة طالب ونالوا درجة الدكتوراه، ومنهم دبلوماسيون وممثلون في شركات دول أجنبية وعربية. وفي عام 2016 تسلّمت الإشراف على قسم الدراسات العليا في الجامعة، ويتم تخريج 10 طلاب ماجستير كل سنة».

رامي خليل ووالدته

وعن تكريمها على مستوى "الصين" تتحدث قائلة: «تمَّ تكريمي في شهر أيار الماضي من قبل وزارة التعليم والتكنولوجيا، ووزارة الموارد البشرية كأفضل أستاذ أجنبي في "الصين" عام 2017، مع العلم أنه يوجد أكثر من أربعين ألف أستاذ أجنبي فيها، وهي المرة الأولى التي ينال أستاذ عربي هذه الجائزة الرفيعة، وجاء التكريم نظراً لكفاءتي العلمية والأكاديمية وبناء جسور التواصل الثقافي بين العالم العربي و"الصين"، ومساهمتي الأكاديمية في تأليف العديد من الكتب الجامعية باللغة العربية الخاصة بالجامعة، وتدريب الأساتذة الصينيين وتأهيلهم، وتأسيس برامج شراكة جامعية مع العديد من الجامعات العربية والعالمية لتوطيد أواصر التعاون العلمي، مثل جامعة "أبي بكر بلقايد" في "تلمسان" بـ"الجزائر"، إضافة إلى إنشاء فروع عدّة للجامعة في مدن أخرى، حيث يوجد أكثر من خمسين جامعة ومعهداً يدرّسون اللغة العربية في "الصين"».

الروح السورية رافقت "سلمى إبراهيم" إلى "الصين"، فتركت آثارها الاجتماعية والثقافية في المجتمع الصيني وفاءً لبلدها، وسلطت الضوء على ذلك مرات كثيرة، وتقول: «أحرص على نقل المكون الحضاري السوري الأصيل من خلال تنظيم الزاوية العربية الأسبوعية، حيث أكرس الاهتمام من خلالها على نقل القضايا العربية وقضايا التعاون العربي الصيني بندوات ومحاضرات لها جمهور صيني، وما زلتُ أمارس العادات السورية الأصيلة بين أفراد أسرتي، وأقوم في بعض الأعياد بعرض الصور الحضارية والتراثية وبعض الأكلات السورية التي نالت إعجاب معظم الصينيين الذين شاهدوها واكتسبوا بعض عاداتنا وأفكارنا، كشرب القهوة العربية وحلويات عيد الفطر التي قمت بإعدادها مع أفراد أسرتي وطلبتي الصينيين».

هديل علي

الابن الأكبر للأستاذة "سلمى" الدكتور "رامي خليل" مدير المنظمة السورية للمعوقين "آمال" سابقاً، والبروفيسور في الإدارة والتسويق في جامعة "تشونتشين" حالياً، يتحدث عنها قائلاً: «علّمتني اللغة في الصف الخامس، وكانت أمي وأم طلابها كافة، وتقوم بدورها كمدرّسة وأمّ وزوجة وجدة، وتهتم بتعليم أحفادها لغة الضاد، وتحرص على عادات وقيم الأسرة السورية، نقلت أسرتها وأبناءها وأحفادها إلى "الصين"، وشكلنا فرعاً صغيراً للشجرة الأم في "سورية"، حيث كنت وإخوتي في بلدان مختلفة "إيطاليا" و"ألمانيا" و"بريطانيا" و"سورية"، فجمعتنا وأصبحنا الأسرة السورية التي يُشار إليها في "تشونتشين" التي تعدّ من أكبر مدن "الصين"، واستطاعت في عشر سنوات من الغربة أن تنقل الصورة المشرفة لبلدها "سورية" وحضارتها، وأثناء تكريمها كأفضل أستاذ أجنبي قال لها وزير التعليم في "الصين": (أنت من عمر جمهورية "الصين" الشعبية)».

أما "هديل علي" خريجة كيمياء تطبيقية، ومعيدة في كلية العلوم، فتقول عنها: «كنت من طالبات الأستاذة "سلمى إبراهيم" في مدارس "حلب" في المرحلة الابتدائية، وأذكر أن أهلي وضعوني في تلك المدرسة لوجودها فيها والسيرة التربوية والتعليمية التي تتمتع بها. تتصف باللطف والسماحة، ومن المعروف عن طلابها أنهم متفوقون في اللغة العربية ولا يوجد طالب دون المستوى الجيد، وكانت مثالاً يُحتذى بالنسبة لي؛ وهذا ما طبقته مع طلابي حين كنت أدرّس من خلال تمثيل ذهني لها والتعليم على طريقتها، كما أن أسلوبها وطريقتها في الشرح تكاد تطبع الحقيقة والتصديق أثناء الدرس، وتعامل طلابها على مبدأ الأم ومعاملتها لأولادها، ما زلت أتابع أخبارها ونجاحاتها، وأعتزّ بأنني كنت طالبتها في يوم من الأيام».

الجدير بالذكر، أن المربية والمعلمة "سلمى إبراهيم" من مواليد "اللاذقية"، عام 1949.