يمتلك من الفطنة والقدرة والاجتهاد ما مكّنه من جمع العلم والرياضة والأدب في شخصه، آخر مثابراته كانت عدة كتب أدبية إشكالية.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت مع البروفيسور الدكتور المهندس "علي إبراهيم دريوسي"، بتاريخ 12 تشرين الأول 2018، فقال: «إحدى نقاط الضُعْف الطبيعيّة عند الإنسان الشرقي عموماً، أنّه لم يتعلَّم أن يؤمن بالدَّأب والتركيز حتى إنجاز الهدف، بُلوغ الهدف يعني المدُاومة على فعل الشيء، تعلّمت المواظبة على العمل اليومي من أبي العامل البسيط في إحدى المؤسسات الوطنية، كان قد اشترى قطعة أرض زيتون، في طرفها ثمة جبل صخري أزرق، بالمطرقة والإزميل راح يُفتِّته على مدار السنوات حتى صار تراباً. ألا يرهقك هذا العمل؟ سألته مرةً وأنا أراقب حبات العرق المتساقطة من جبينه، توقفَ عن عمله وأجابني: يُتعبنا العمل الذي ندعه ينتظر منا إنجازه، لا العمل الذي ننجزه. من أبي تعلمت التفاني فيما أقوم به».

في الماضي، قبل أن أكتب الأدب، قلت إن تصميم الآلة ككتابة قصة، اليوم أقود ريشة قلمي في نزهة فوق طاولة المكتب، وأفكر أن كتابة قصة هي تصميم آلة، وأعمل حالياً على مشروعي روايتين مختلفتين، تدور أحداث الأولى في الجوهر حول نفق "المانش" للسكك الحديدية الواصل بين "إنكلترا" و"فرنسا". أما الثانية، فتعالج موضوعة الإبداع ومرض التصلب اللويحي، وأجد نفسي معجباً بأعمال الأدباء "حيدر حيدر" و"هاني الراهب" و"خالد الحسيني" و"آليس مونرو"

أما عن عمله، فأخبرنا: «بعد تخرّجي الأول على دُفعتي عملت معيداً في كلية الهندسة الميكانيكية في جامعة "تشرين"، وبعد إتمامي خدمتي الإلزامية، أوفدت إلى "ألمانيا" في عام 1998 باختصاص تصميم الآلات باستخدام الحاسوب، وفي جامعة "لايبتزغ" تعلّمت الألمانية، وفي جامعة "دويسبورغ" حصلت على الماجستير في التصميم بمساعدة الحاسوب ونظرية العناصر المنتهية، ثم عملت في شركة صناعية لمدة سنتين، وبعدها كباحث في معهد الوصلات اللاصقة في جامعة "آخن" التقنية، لاحقاً انتقلت إلى جامعة "درسدن"، ونلت شهادة الدكتوراه في تصميم علب السرعة، وشهادة في "الإيكولوجيا"، وعمّقت خبراتي النظرية في قسم التطوير والبحث العلمي لشركة "سيمنس"، في مجال تصميم وتصنيع العنفات الهوائية، في بداية عام 2010 حصلت على درجة الأستاذية في التصميم الميكانيكي، وتمّ تعييني في جامعة "أوفنبورغ" التقنية بصفة (بروفيسور)، وما زلت على رأس عملي».

غلاف كتاب "من الرفش إلى العرش"

وأضاف: «لديّ عشرات المقالات العلمية بالألمانية، وخمسة كتب جامعية في التصميم والحسابات التقنية، مشروعي الجديد كتاب علمي حول تطوير أساليب التدريس في المجال التصميمي عن طريق تحليل السلوك المرئي للمصممين عند قراءة التمثيلات الهندسية، وكي أخلق نوعاً من التوازن الداخلي تابعت ممارسة رياضة الكاراتيه التي بدأتها بسنّ اليفاعة، حصلت سابقاً على بطولتي عمال وجامعات "سورية" لمرتين متتاليتين، مؤخراً استيقظت بداخلي -بحكم اهتماماتي الأدبية والمجتمعية والسياسية- هواية الكتابة، اجتاحتني الرغبة والحنين إلى أرض طفولتي النقية، قريتي التي لم تغادر قلبي وطالما اشتقت إليها في غربتي الطوعية كما تشتاق الأرض العطشى إلى المطر بعد انقطاع وقحط».

أما حول بداياته الأدبية، فقال: «نشرت العديد من المقالات البيئية والسياسية في المواقع الإلكترونية، ثم أَلَّفت القصص القصيرة، نشرت كتابي "اعتقال الفصول الأربعة" في "سورية"، الذي يتحدث عن واقع الحياة السورية في السبعينات والثمانينات، ثم جاء كتابي "من الرفْش إلى العَرْش" انتقدت فيه ظاهرة الهروب الانتهازي من الوطن إلى "أوروبا" خلال أزمته، وقد تفضّل الأديب "حيدر حيدر" بمراجعة الكتابين لغوياً وكتابة كلمة غلاف الكتاب الثاني، ثم صدر كتابي الثالث "وانهارت الكعكة" إلكترونياً؛ وهو حوارية كتبتها بأسلوب مختلف، سلّطت فيها الضوء على ثقافة الاستقطاب السياسي والصدع الوطني ثلاثي الأبعاد الذي أفرزته الحرب على "سورية"، ويحتوي كتابي الرابع بعنوان: "حجر الجلخ"، عشر قصص طويلة نسبياً، أرسلته إلى "السودان" للمشاركة في مسابقة "الطيب صالح" العالمية للإبداع الكتابي، وسأتكلم في معرضي الكتاب في "لايبتزغ" و"فرانكفورت" في عام 2019، عن كتابي الأول الصادر باللغة الألمانية؛ وهو نسخة معدَّلة من كتاب "اعتقال الفصول الأربعة"».

أثناء إحدى المحاضرات

وتابع: «في الماضي، قبل أن أكتب الأدب، قلت إن تصميم الآلة ككتابة قصة، اليوم أقود ريشة قلمي في نزهة فوق طاولة المكتب، وأفكر أن كتابة قصة هي تصميم آلة، وأعمل حالياً على مشروعي روايتين مختلفتين، تدور أحداث الأولى في الجوهر حول نفق "المانش" للسكك الحديدية الواصل بين "إنكلترا" و"فرنسا". أما الثانية، فتعالج موضوعة الإبداع ومرض التصلب اللويحي، وأجد نفسي معجباً بأعمال الأدباء "حيدر حيدر" و"هاني الراهب" و"خالد الحسيني" و"آليس مونرو"».

كما تواصلت المدونة مع الصحفي والشاعر "أوس أحمد أسعد" ليحدثنا عن إنتاجات "علي" الإبداعية، حيث قال: «يتمتع بروح عصامية عالية ونباهة مبكرة، استطاع من خلالها الوصول إلى مكانته العلمية المرموقة التي طعّمها ببُعد آخر حمّله أفكاره وروحه التائقة للانعتاق من أسر اللغة العلمية الجافة إلى رحاب اللغة الأدبية ذات العصائر المختلفة التذوق، مرتكزاً على ذخيرته الثقافية وقراءاته المتنوعة، فنضحت كتاباته بالعذوبة وعذابات التربة المرّة؛ وهذا ما ناقشته في قراءتي لكتابيه، فالشاب القارئ القلق الذي كنت أعرفه أصبح الآن القاصّ ذا الذاكرة السردية الجميلة الرشيقة القصّ، وغدت الحروف والكلمات طوع بنانه، كما استطاع إضافة خلطة من المنكهات إلى مادته السردية؛ تجلّت بخلق نصوصه للمفارقة وإضافتها للسخرية إلى مضامينها؛ وهو ما أحدث النكهة المطلوبة للهضم من قبل القارئ الراغب بقراءة المختلف دوماً، هذا ما رأيته في كتابه الأول. أما كتابه الثاني، فكان أقرب إلى النصوص الثقافية الإشكالية التي تثير الجدل وتناوشه بحدّة، وأجد أنه يمتلك شجاعة التجربة البكر وإمكانية القصّ الغني فيما لو اعتنى أكثر باللغة والأسلوب، لأن "الأسلبة" التي تحتكر اللغة العالية جزؤها الأكبر يهب الكلمات رائحتها المختلفة عن الكلام العادي؛ وهي التي تكسب السرد رشاقته الضرورية».

كما تواصلت المدونة مع الشاعر والفنان "أحمد اسكندر سليمان"، حيث قال: «لعل أحد أسباب انسحاب القصة القصيرة كنوع من أنواع الإبداع الأدبي مقارنة بالرواية أو الشعر، هو قدرة الرواية على اقتراح المؤلف أو الراوي كشاهد على تحولات عصره، والشاعر كجزء من موجة تسبب انزياحاً "رؤيوياً" في وقت ما، هكذا سيكون القاصّ ذلك الصوت المفرد المنزوي والضعيف على الرغم من أن القصة كشكل تعبيري تحتاج من المعرفة والمهارة والدقة في البناء ما لا يحتمل حتى هفوة صغيرة في بناء الموقف أو الشخصية أو الحدث أو أسلوب التعبير القصصي؛ وهو ما يحتاج إلى كاتب صاحب مهارة خاصة، ربما "علي" في كتابه غير المنشور بعد: "حجر الجلخ"، الذي تسنت لي قراءته تشير المهارة التي كتبت بها تلك المجموعة إلى تلك القدرة على إعادة الاعتبار لكاتب القصة القصيرة وفنها؛ من خلال قدرته العالية على البناء النصي وبناء الشخصيات والمواقف، وابتكار الأزمات والحلول؛ من خلال سرد ممتع وأحداث مشوقة بجرأة عالية غير مسبوقة في موضوع الجنس، وبأسلوب يذكر بالكاتبين "هنري ميلر" و"البرتو مورافيا" في بناء الشخصيات والأحداث، بعد قراءتي لهذه المجموعة التي تتجاوز "موسم الهجرة إلى الشمال" لـ"الطيب صالح" والمقارنة لكونهما في مجال مقولة (شرق غرب) التي ستتجدد بأسلوب مختلف هذه المرة مع "حجر الجلخ" ومؤلفها، شعرت بإمكانية استعادة اللحظة الضائعة لهذا الفن الرفيع والخاص للغاية، الذي بناه قاصون سوريون بارعون، أكاد أجزم أنه سيكون من أهمها لمعرفتي بالتراكمات المعرفية التي يختزنها وجرأته على إعلان مواقف عادلة بحساسية أخاذة».

بقي أن نذكر، أن المهندس "علي إبراهيم دريوسي" من مواليد "اللاذقية" قرية "بسنادا" عام 1969، وهو خريج جامعة "تشرين" عام 1993، قسم الهندسة الميكانيكية.