تمكّن طبيب الجراحة العصبية المجهرية والوظيفية د."عفيف محمد عفيف" من إجراء عمليات نوعية ودقيقة، ونشر أبحاثه عالمياً، حيث بدأ حُلمه بدراسة الطب حين كان عمره خمس سنوات، ولم يكتفِ بشمولية هذا الحلم، بل استطاع أن يحدد اختصاصه منذ الطفولة.

مدونة وطن "eSyria" تواصلت بتاريخ 4 تشرين الثاني 2018، مع طبيب الجراحة العصبية المجهرية والوظيفية "عفيف محمد عفيف" في مقرّ إقامته بمدينة "ليون"، فتحدث عن نشأته ودراسته قائلاً: «نشأت في قرية "الشامية" الساحلية الجميلة، أمي وأبي تنطبق على حياتهما صفات النضال والطيبة وحبّ العلم، ربيا أولادهما على الأمور الخيرة قولاً وفعلاً، وحبّ الأرض التي نشأنا فيها، وحب التفوق، فقد درست المرحلة الابتدائية في مدرسة قريتي وكنت دائماً أحتل المرتبة الأولى في الصف، وحين يسألني المدرّسون والطلاب في المدرسة والأهل والأقارب عن حلمي في المستقبل، كنت أجيبهم: (طبيب اختصاصي بالرأس)، كان التفوق هو السبيل الوحيد لتحقيق الهدف؛ وهذا ما علمني إياه والدي بعيداً عن فكرة المنافسة التي أعطتني دافعاً للنجاح من دون منافسة أحد، كما كان يشتري لي المجلات والكتب الثقافية والعلمية، وأخذتُ عنه حب المطالعة التي أبعدتني عن اللعب وتضييع الوقت، وفي المرحلة الإعدادية كنت أمام خيار اللغة، فتركت ثانوية الشهيد "كاسر داؤود" التي لا تبعد عن بيتنا سوى 500 متر، وانتقلت إلى مدرسة قرية "الشبطلية" المجاورة من أجل اللغة الإنكليزية وحصلتُ على المرتبة الأولى فيها، ثم انتقلتُ إلى ثانوية "جول جمال" في "اللاذقية"، حيث حصلتُ منها على شهادة الثانوية العامة ودخلتُ كلية الطبّ البشري بجامعة "تشرين"، وحين تخرجت بدأت اختصاص الجراحة العامة في مستشفى "زاهي أزرق" في "اللاذقية"، ثم انتقلتُ إلى مستشفى "تشرين" في "دمشق" للاختصاص بالجراحة العصبية، حيث كانت المحطة الأولى في تحقيق الحلم، وخلال تلك المدة شاركتُ في العديد من الندوات والفعاليات الفكرية والطبية والأدبية في "سورية"».

في نهاية عام 2016 قمت بإجراء عملية جراحية لمريض تم الاعتداء عليه بالضرب بمدينة "ليون"، حيث وصل إلى المستشفى بحالة الموت الدماغي "غلاسكو3" مع توسع بالحدقتين؛ في هذه الحالة عادةً لا تُجرى الجراحة، إضافة إلى عملية أخرى مشابهة لمريض في عام 2017، وحصلنا في كلتا العمليتين على نتائج ممتازة، وستنشر نتائج العمليتين في مجلة علمية أميركية قريباً، وستغير من طرائق التعامل مع الحالات المشابهة في العالم

ويضيف: «بعد إنهاء مرحلة الاختصاص بالجراحة العصبية بمستشفى "تشرين" في "دمشق"، ناقشت والدي بموضوع السفر إلى دولة أجنبية لدراسة اختصاص جديد في الجراحة العصبية (التصويب المجسم) وعاهدته حينئذٍ أن أنهي دراستي خلال ثلاث سنوات ثم أعود إلى "سورية"، وكنت قد راسلت سبع جامعات عالمية، وجاءني أول قبول من قسم الجراحة العصبية المجهرية والوظيفية بجامعة "ليون" في "فرنسا" عام 1999، فقررتُ الذهاب على الرغم من عدم معرفتي باللغة الفرنسية، وتمّ ذلك عام 2000».

د.عفيف أثناء عملية جراحية

وعن رحلته الدراسية والبحثية المستمرة منذ تسعة عشر عاماً في "فرنسا"، يتحدث قائلاً: «قبولي في جامعة "ليون" لم يكن الحلم المنتظر، فقد كنت أرغب بالذهاب إلى "بريطانيا" أو "ألمانيا"، وكان سفري قفزة في المجهول ولا أعرف اللغة الفرنسية، ويزيد العبء أنني جئت لأتعلّم على نفقة أهلي، بدأت رحلتي مع الجراحة العصبية الوظيفية التي جئت لأتعلمها في جامعة "ليون"، وهي فرع متقدم في الجراحة العصبية ودراسة عليا ليس لها علاقة بما تعلّمته في "سورية"، وشعرت للوهلة الأولى بدخولي إلى عالم من الطلاسم، وكانت البداية من الصفر مع الجراحة العصبية الوظيفية التي تشمل كل من: جراحة الصرع، جراحة باركنسون، جراحة الشلل التسنجي، وجراحة الآلام المعنّدة على الأدوية، حيث يهدف هذا الاختصاص إلى التخلص من الإعاقة أو التقليل منها، وإعادة المريض إلى مجتمعه كعنصر فعال من النواحي الصحية والفيزيائية والاقتصادية والنفسية، وبعد ستة أشهر من وصولي إلى "فرنسا" بدأت البحث العلمي عن جزء من الدماغ كان مجهول الوظيفة؛ هو فصّ الجزيرة "الأنسولا"، وبعد سبعة أشهر أنجزت بحثاً علمياً قدمته في مؤتمر للجراحين العصبيين الناطقين بالفرنسية في "باريس"، وكان باكورة الأبحاث العلمية لدي وخطوة مهمة، وأخذت أعمل بجراحة الآلام العصبية المعنّدة على العلاج الدوائي وجراحة الباركنسون والصرع والشلل».

ويتابع: «أجريت العديد من الأبحاث التخصصية في "فرنسا"، وفي عام 2007 حصلتُ على الدكتوراه في الجراحة العصبية، وفي عام 2014 حصلت على شهادة (HDR)، وهي أعلى شهادة ينالها جرّاح عصبية حاصل على الدكتوراه وتمكّنه من قيادة مركز بحوث في اختصاصه، وتابعت العمل ونشرت أكثر من سبعة عشر بحثاً في مجلات علمية محكمة، وفصلين في كتابين صدرا في "أوروبا"، قدمت أبحاثي في 80 مؤتمراً دولياً في أربع قارات، كما أعمل مدقق أبحاث في العديد من المجلات العلمية المحكمة».

في أحد المؤتمرات

ويقول د."عفيف عفيف" عن عودته إلى "سورية" خلال أعوام 2005-2008-2011، حيث أصبح عضو هيئة تدريسية في جامعة "دمشق": «عدت إلى بلدي بهدف الاستقرار وأسرتي، وقدمت مشروعاً للجراحة العصبية الوظيفية لوزارة التعليم العالي ومؤتمر المغتربين الذي أُقيم في "دمشق"، والذي من شأنه أن يكون أول وحدة للجراحة العصبية الوظيفية في الشرق الأوسط؛ وهو ما يعكس فوائد كثيرة على البلد من مردود مادي وصحي وسياحة طبية وفائدة علمية، كما أنه أمل لقسم كبير من الذين تعرضوا لإصابات عصبية في الحوادث وبسبب الأمراض وفي هذه الحرب، وكفيلة هذه الجراحة أن تعيدهم إلى أشخاص فاعلين في المجتمع وتزيل عنهم صفة الإعاقة؛ من خلال شفائهم أو التخفيف من إصاباتهم، لكن لم تتم دراسة المشروع، وعدت إلى "فرنسا"».

وعن مبادراته في "سورية" يتحدث قائلاً: «بالتنسيق مع الدكتورة "أيسر ميداني" رئيسة جمعية المخترعين السوريين في المغترب "نوستيا"، جئت إلى "سورية" عام 2015 لمعالجة الإصابات الحربية لمرضى الشلل التشنجي في مستشفيات "دمشق" و"طرطوس" و"اللاذقية"، وقمت بإجراء اختبارات لخمسة وعشرين مريضاً ووضعتهم على قائمة العمل الجراحي، وفي السنة التالية أحضرت الأجهزة اللازمة والأدوية لإجراء العمليات، وأجريت الجراحة لثلاثة مرضى فقط في مستشفى "القدموس" الوطني بالتعاون والتسهيلات من قبل مدير المستشفى "بسيم المحمد"، ومنهم من كانت نسبة عجزه 80% وحصلنا على نتائج ممتازة، ووزعت 12 جهازاً لمعالجة الألم على المرضى في كل من "حماة" و"حمص" و"اللاذقية" و"طرطوس" أتيت بها من "فرنسا"، واشتريتُ واستعرتُ بعض الأجهزة الضرورية لهذه العمليات، لكن مرة أخرى صادفتني المعوقات؛ وهو ما اضطرني إلى توقيف المبادرة، وقمت هذا العام بإجراء عمليتين نوعيتين لمرضى بمستشفى "العثمان" في "اللاذقية"، كانت آخرها للمريض "أمجد منصورة"، وحصلتُ على نتائج أفضل مما كنت أنتظر، وتعدّ هاتان العمليتان خارج مبادراتي السابقة».

أمجد منصورة مع د.عفيف عفيف

ويضيف عن أهم العمليات التي أجراها قائلاً: «في نهاية عام 2016 قمت بإجراء عملية جراحية لمريض تم الاعتداء عليه بالضرب بمدينة "ليون"، حيث وصل إلى المستشفى بحالة الموت الدماغي "غلاسكو3" مع توسع بالحدقتين؛ في هذه الحالة عادةً لا تُجرى الجراحة، إضافة إلى عملية أخرى مشابهة لمريض في عام 2017، وحصلنا في كلتا العمليتين على نتائج ممتازة، وستنشر نتائج العمليتين في مجلة علمية أميركية قريباً، وستغير من طرائق التعامل مع الحالات المشابهة في العالم».

الدكتور "بسيم إسماعيل المحمد" مدير مستشفى "القدموس" الوطني، يتحدث عنه قائلاً: «لا شك أن د."عفيف عفيف" أثبت كفاءة طبية عالية في الجراحة العصبية الوظيفية والمجهرية من خلال النتائج التي حققتها العمليات الجراحية العصبية التي أجراها لمرضى يعانون حالات عصبية متقدمة، وهو يعمل في هذا الاختصاص منذ 12 عاماً، ويملك المؤهلات العلمية والشهادات العليا، وبالنسبة لمبادرته تمّ التنسيق بين مكتب الجرحى في وزارة الداخلية ومكتب الجرحى في مديرية صحة "طرطوس" لإجراء عمليات لمصابي وزارة الداخلية، فقد أحضر المواد معه لإجراء الاختبارات للمرضى قبل العمليات، وتكلفتها عالية، حيث أجرى الاختبارات لخمسة وعشرين مريضاً في مستشفى "القدموس" على مرحلتين، كما أحضر مجهر الجراحة العصبية معه من "فرنسا" لعدم وجوده في "سورية"، إضافة إلى أجهزة ومواد أخرى، وأجرى ثلاث عمليات ناجحة في المستشفى عامي 2015-2016، كما أجد أن بلدنا بحاجة إلى هذا النوع من العمليات خاصة بعد كثرة الإصابات العصبية بسبب الحرب، والمشروع الذي قدمه د."عفيف" يجب أن يبصر النور من أجل من ضحوا وأصبحت لديهم إعاقات عصبية، وللاستفادة من الكفاءات الطبية السورية وعدم تهجيرها إلى الخارج أو استقطاب المشافي الخاصة لها، وعليه لن يستطيع المصاب دفع التكاليف الباهظة للعملية».

كما تواصلت مدوّنة وطن مع مصاب الحرب "أمجد منصورة"، فتحدث قائلاً: «أُصبت عام 2012 بطلق ناري، وأدت الإصابة إلى عجز بنسبة 80%، ولم يكن هناك أمل بإجراء عملية أو الشفاء، ثم علمت فيما بعد عن د."عفيف عفيف" والعمليات النوعية التي يجريها للإصابات العصبية، وتواصلت معه أثناء وجوده في "سورية" وأجرى لي اختباراً في مستشفى "القدموس" الوطني عام 2016، ثم أجرى لي العملية عام 2018، وكانت يدي اليمنى عاجزة عن الحركة وأعاني شللاً تشنجياً وتيبساً فيها، ولم تكن تستجيب للعلاج الفيزيائي، وهذا العام تمّ إجراء العملية فاختفى التشنج كلياً، وأصبحتْ تستجيب للعلاج وعادت الحركة إليها، وأصبحت أمسك كأس الماء بها، وسيكمل لي في المرحلة القادمة د."عفيف" العمليات المتبقية، ولا بدّ أن أشير إلى أنه عاملني بإنسانية؛ فهو يتصف بإيجابية كبيرة ويعطيها للآخرين».

يُذكر أن الدكتور "عفيف محمد عفيف" من مواليد قرية "الشامية"، عام 1966.