اختبرت "هيام أسعد علي" نفسها بتجارب حياتية كثيرة، واقتنعت بأنه لا شيء يأتي عبثاً، وعرفت أن خلاصة كل عمل رسالة نبيلة لا بدّ من إيصالها، فكانت الأم والمربية من غير أن تلد، والناشطة في العمل المجتمعي بجوانبه المتعددة.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 18 آذار 2018، "هيام أسعد علي"، فتحدثت عن مسيرة حياتها قائلة: «تربيت في عائلة كثيرة العدد؛ خمس بنات، وخمسة شباب، تعلّمنا جميعاً وتخرجنا في الجامعات والمعاهد المتوسطة، حيث كان اهتمام أهلي منصباً على دراستنا، ونجاحنا من أولوياتهم، فقد درست الابتدائية والإعدادية في مدرسة "قسمين"، ثم الثانوية في مدينة "اللاذقية"، وبعد نجاحي في البكالوريا، سجلت في كلية الاقتصاد عام 1988، وفي السنة الرابعة مرّ على العائلة وضعاً اجتماعياً سيئاً حين توفت أختي الكبيرة وتركت ابنة لم يتجاوز عمرها خمسين يوماً، فأحضرتها وقمت بتربيتها، وكنت الأم التي تربي ولم تلدْ؛ فهي مسؤولية اخترتها بدافع العاطفة وصلة الرحم».

ذلك الأمر جعل تخرجي يتأخر ثلاث دورات، وتوظفت مباشرة بعد حصولي على إجازة في الاقتصاد؛ وهو ما ساعدني على تبنّي ابنة أختي مادياً ومعنوياً؛ فكنت المربية والأم والرفيقة لها، فقد أخذت اهتمامي ورعايتي وأؤمن لها كل ما يمكن أن تقدمه الأم لابنتها، وهي حالياً طالبة جامعية في كلية الآداب

وتضيف: «ذلك الأمر جعل تخرجي يتأخر ثلاث دورات، وتوظفت مباشرة بعد حصولي على إجازة في الاقتصاد؛ وهو ما ساعدني على تبنّي ابنة أختي مادياً ومعنوياً؛ فكنت المربية والأم والرفيقة لها، فقد أخذت اهتمامي ورعايتي وأؤمن لها كل ما يمكن أن تقدمه الأم لابنتها، وهي حالياً طالبة جامعية في كلية الآداب».

هيام علي في أحد الأنشطة

الواقع يفرض على "هيام" في كل مرحلة من مراحل حياتها عملاً تؤمن به وتعطيه، فتقول عن عملها الإنساني التطوعي: «شعرت في عام 2011 مع بداية الأزمة المريرة على بلدنا بأن وجودي في الوظيفة ليس كافياً، ويجب ألا أقفَ على هامش ما يجري، فقررت أن أكون رديفة للجهة التي تنشط في الميدان، الجهة التي توفر السلام والأمان لهذه الأرض؛ الجيش العربي السوري المقدس، فقمت بتأسيس مجموعة "كلنا واحد"؛ هدفي منها دعم الجرحى وذوي الشهداء والجيش في جبهات القتال، وعملت مع مجموعتي التي تضمّ كل الطوائف والأعمار حسب ما تقتضيه الحاجة والأفراد، نقدم لهم المواد العينية والمبالغ المادية والدعم المعنوي والنفسي بإشراف مختصين، وبعد استشهاد أخي "الباسل"، وبسبب ثقل الفراق، اتجهت إلى العمل بالشأن الثقافي التطوعي».

وعن مبادرتها بإنشاء محطة مكتبية في قريتها "قسمين"، تقول: «حين أزور الجرحى والمصابين في المستشفيات، كانوا يطلبون مني الكتب لملء أوقاتهم بالقراءة بسبب إقامتهم الطويلة وإصاباتهم التي تمنعهم من الحركة، فصار الكتاب خير جليس لهم، فاستعرت لهم بواسطة بطاقتي من المركز الثقافي، وبعدها خطرت في بالي فكرة إنشاء محطة مكتبية يستفيد منها الجميع.

شفيقة ديب في المحطة المكتبية

وفي عام 2016، عرضت الفكرة على "أمل طوبال" مديرة فريق الثقافة لبناء مهارات الحياة، فشجعتني، وبذلك نستطيع أن نمحو بعض الآثار السلبية في نفوس أطفالنا واليافعين التي تركتها الحرب بالأنشطة الثقافية والتوعوية، وحصلت على موافقة المحطة المكتبية في قريتي، وجدت الفكرة ترحيباً وانتقاداً في الوقت نفسه، واتخذت قراري لتنفيذها، واستطعت تحويل صالات العزاء في القرية إلى صالات للثقافة والكتاب، وجعلت "مبرّة" القرية مقراً لعملي، كما حرصت على تفعيل أنشطتنا المنوعة (رسم، وموسيقا، وسرد القصص) في أيام العطل التي تركت في الأطفال واليافعين أثراً إيجابياً».

وتتابع قولها عن المكتبة وآلية العمل: «قدم لنا المركز الثقافي مجموعة من الكتب لرفد المحطة، وفتحت باب التبرع بكتاب لأصدقائي لإثراء المكتبة بالكتب الكثيرة والمنوعة، فحركة الاستعارة متداولة باستمرار، والآن أحصد النتائج والأطفال تعلقوا بالمكتبة، حيث أحضر قصص الأطفال المتنوعة ومجموعات علمية، وأعمل على إنشاء ملتقى لليافعين، يجب نقل وتعميم هذه التجربة في كل المناطق الريفية، فقد استطعت أن أنشر ثقافة الكتاب والقراءة بينهم، كما أنشأت ضمن المحطة المكتبية نادي قراءة، ونقوم بندوات ثقافية ولقاءات مع كتّاب ومناقشة كتاب ودراسة تحليلية وأدبية للكتاب».

خنساء الأزكي

أما المعلّمة "شفيقة ديب"، فقالت عن "هيام علي": «هي عنوان المحبة والوطنية والصدق، ورفيقة درب طويل خُلق مع الأزمة ومآسيها، فقد اشتركتْ بجمعيات عدة تُعنى بالعمل الإنساني في المستشفيات والبيوت، وأذكر الدور الرائد لها في تكوين جمعية "كلنا واحد" لتخفيف العبء حسب قدرتها وفريقها، ومساعدة المهجرين، ودعم أبناء الجيش العربي السوري، واهتمت بالشأن الثقافي، وجعلت من "مبرّة" القرية نواة لمكتبة ونشر ثقافة الكتاب والقراءة».

فيما تتحدث عن مبادرتها "خنساء الأزكي" مديرة ثانوية مدرسة "قسمين"، قائلة: «تعدّ المحطة المكتبية خطوة جريئة منها؛ فهي جديدة في الفكرة والمحتوى، أخذت منها الوقت والتعب في التحضير وإيصال فكرتها إلى أهل القرية، حيث أرادت بالمحطة مخاطبة عقول اليافعين وشدّ أنظارهم إلى ثقافة الكتاب، وعرّفتهم بما يخدم تحقيق طموحاتهم بالطريقة اللائقة، وعملت على تفعيل وإغناء طلابنا في المدارس من خلال أنشطة عدة».

الجدير بالذكر، أن "هيام أسعد علي" من مواليد "رويسة قسمين" عام 1970، ومنسقة في فريق الثقافة لبناء مهارات الحياة في "اللاذقية".