بتفاؤل وإصرار قررت "علا سليمان" أن تسلك طريق العلا، وتتحدى الإصابة التي أفقدتها قدرتها على المشي؛ فقد استطاعت أن تتفوق في الثانوية العامة بعد انقطاع دام أربعة أعوام وتنتسب إلى كلية الحقوق، كما تمكّنت من الإبداع في فنّ "الأوريغامي".

مدوّنة وطن "eSyria" تواصلت مع "علا هيثم سليمان" بتاريخ 23 نيسان 2019، فتحدثت عن نفسها بعد الإصابة وبداية حياة جديدة ملأى بالألم والإصرار معاً قائلة: «أُصبت بشظية عام 2013 أثناء سقوط قذائف هاون على كراج "العباسيين" سبّبت لي شللاً نصفياً، وأُصيب أبي وأخي بجروح بسيطة، وحين عودتي إلى قريتي "العسالية" التابعة لمدينة "جبلة" كان وضعي الصحي حرجاً جداً، والألم الداخلي والخارجي يحاصراني؛ وهو ما زاد من تعبي النفسي والجسدي واضطرني للانقطاع عن المدرسة لمدة أربعة أعوام متتالية، فقد كنت في الصف الأول الثانوي حينئذٍ، فكنت أقوم بملء أوقات فراغي بالأعمال اليدوية والأشغال الورقية الملونة التي كنت أميل إليها منذ طفولتي، فقد كانت أشغالاً بسيطة جسدت فيها هوايتي».

كانت الدعوة للمشاركة بعشرين عملاً في مهرجان "صدى" إحدى المحطات المهمة التي أعطتني الأمل والدعم للمثابرة وتحدي الصعوبات، وشجعتني هذه التجربة الجميلة على تطوير ذاتي في هذا الفنّ، والتفاعل الإيجابي من قبل زوّار المعرض عزّز ثقتي بنفسي، وفتح لي الباب لتدريب الطلاب على هذا الفنّ بالمركز الثقافي في "جبلة" صيفاً

رغبة جامحة في متابعة التعليم أخذت تشتدّ لدى "علا"، ولقيت تشجيعاً من المحيط، وهنا تقول: «أخبرت والدتي برغبتي في متابعة دراستي، وبدأت التحضير للثانوية العامة بفرعها الأدبي معتمدة على جهودي الذاتية مع كثير من التحفيز من عائلتي والطبيب "أيمن الشيخ" المشرف على علاجي، الذي قام بتعريفي بالجندي المصاب "محمد صالح" الذي يعاني ذات الإصابة محاولة منه لنقل تجربته في التحدي وتذليل العقبات؛ وهو ما دعمني معنوياً وزاد الرغبة في داخلي بالنجاح والتفوق، كنت مثابرة ومتابعة لدراستي وتفوقت في الثانوية العامة عام 2018 بعلامات عالية، فقد حصلت على 244 درجة مكنتني من الانتساب إلى كلية الحقوق بجامعة "تشرين" في "اللاذقية"؛ وهو الفرع الذي كنت أطمح إليه، وتقدمت لامتحانات الفصل الأول هذا العام ونجحت بالمواد كافة بمعدل 70 و80%».

بعض أعمالها

لم تدخر "علا سليمان" فرصة في تحدي إصابتها وتحقيق ما تصبو إليه، فكانت بداية أخرى مع الفنّ وعلم "الأوريغامي" بطريقة منظمة وحرفية، حيث قالت: «لم أكن أعرف شيئاً عن فنّ "الأوريغامي" (طيّ الورق)، واقتصرت أشغالي الورقية على الطريقة البدائية البسيطة، لكن بعد زيارة "ميادة حسن" مديرة المركز الثقافي بـ"عين الشرقية"، والفنان التشكيلي "بسام عيسى"، كانت البداية في هذا الفنّ، وكانت الخطوات الأولى مع الفنان "بسام عيسى"، الذي علمني مبادئ الفنّ، ثم بدأت العمل بمفردي وأشكّل القطعة أكثر من مرة لأعطيها الشكل الدقيق المتقن، وبتُّ أقضي سبع ساعات كل يوم في فنّ "طيّ الورق" وتشكيله».

كما أن إتقانها لفنّ "الأوريغامي" منحها فرصة المشاركة بمهرجان "صدى عين الشرقية" الخامس، وتقول: «كانت الدعوة للمشاركة بعشرين عملاً في مهرجان "صدى" إحدى المحطات المهمة التي أعطتني الأمل والدعم للمثابرة وتحدي الصعوبات، وشجعتني هذه التجربة الجميلة على تطوير ذاتي في هذا الفنّ، والتفاعل الإيجابي من قبل زوّار المعرض عزّز ثقتي بنفسي، وفتح لي الباب لتدريب الطلاب على هذا الفنّ بالمركز الثقافي في "جبلة" صيفاً».

ميادة حسن مع علا سليمان

وتتحدث "ميادة حسن" مديرة المركز الثقافي بـ"عين الشرقية" عن معرفتها ودعوتها لـ "علا سليمان" للمشاركة بالمهرجان قائلة: «عرفتها مصادفة وقمت بزيارتها، خاصة أنها تتمتع بإرادة لا تعرف الانكسار، ولديها موهبة فنية لا بدّ من تدعيمها بمهارات مدرب مشرف؛ وهذا ما تمّ العمل عليه مع الفنان "بسام عيسى" لصقل موهبتها ومهاراتها الفنية، ومشاركتها بالمهرجان فرصة لدعمها معنوياً وتسليط الضوء على موهبتها الممزوجة بالتصميم، والتركيز على فكرة أن الإعاقة الحقيقية هي إعاقة الفكر وليس الجسد، و"علا" وأمثالها جزء من هذا المجتمع؛ وعلينا إلقاء الضوء عليهم».

الفنان التشكيلي "بسام عيسى" مدرّب تنمية بشرية يتحدث عن تجربته مع "علا" قائلاً: «جاء تدريبي لـ"علا" ضمن مبادرة قمت بها بالمركز الثقافي بـ"عين الشرقية" مع فريق الثقافة لبناء مهارات الحياة، وكان عنوان المبادرة: "بداية رجل شجاع"، والهدف منها أن نتوجّه إلى عدة فئات؛ كأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أو الإعاقات أو إصابات الحرب، فعملت مع "علا" التي تمتلك ذائقة فنية، فقد عرفتها منذ سبعة أشهر، وعلّمتها المبادئ وتدرجت معها من البسيط إلى المعقد لكون هذا العلم منطقياً هندسياً ويحتاج إلى مهارات معينة، وأمنت لها كل المواد اللازمة للعمل والتشكيل، وأقوم بمتابعتها باستمرار، حيث وصلت إلى مرحلة متقدمة في هذا الفنّ، واستيعابها جيد ولا تحتاج إلى تكرار الفكرة، وبذلك استطاعت أن تملأ أوقات فراغها وتتقن هذا الفن وتقوم بنشره، إضافة إلى المردود المادي البسيط لهذه التحف، الذي يسهم في الاعتماد على الذات».

بسام عيسى أثناء تدريبها

يُذكر، أن "علا سليمان" من مواليد قرية "العسالية" التابعة لمدينة "جبلة" عام 1997، ويرافقها الإيمان بالشفاء والتعافي من الإصابة في كل تفاصيل حياتها.