قرية جبلية تحتفظ بالكثير من عادات وتقاليد ماضيها، التعاون ميزة أهلها والهوى الشرقي ميزة طبيعتها والقضاء نادراً ما يسمع بمشاكلها.

يقول الشاعر الزجلي "جميل موسى" في وصف كرم أهل "حرف المسيترة" وتعاونهم: «"حرف المسيترة" ضيعة قديمة\ إلها قدر ومعزة وقيمة\ بيندم من دخلها وعاد راحل\ بيستفقد أهاليها الكريمة\ كانت بالمضى محط الرواحل\ مثل أم القرى والناس ميمي\ أهلها دايرة ربوا مناحل\ وعالعسلات مابدك عزيمة\ سبقوا بالكرم حاتم مراحل\ بتدخل دار سلِّم والوليمة\ مافيك تشوف فيها دماغ فاصل\ ولا فيها مسبة ولا شتيمة\ شفت رضوان ومن الخلد زاحل\ قلتلو وين قلي الحرف قاصد\ تأنصب في تلال الحرف خيمة\».

تحكم سكان القرية علاقات اجتماعية رائعة ومتينة لدرجةٍ أنهم يحلون كافة نزاعاتهم ضمن القرية، وفي حال رفع أحد أبناء القرية دعوى ضد أي واحد من سكان القرية فإن المدعي يصبح منبوذاً من قبل الجميع

موقع eLatakia زار قرية "حرف المسيترة" في ريف مدينة "القرداحة" في 9/8/2011 والتقى الشاعر الزجلي "جميل موسى" المعروف "أبو نزار" ليحدثنا عن قريته وتاريخها حيث يقال: «حرف المسيترة قرية قديمة جداً وهي مكان مأهول منذ آلاف السنين والأدلة والبراهين كثيرة على ذلك (النواغيص، القبور، البيوت الحجرية، الطواحين) وغيرها من الدلائل الموجودة بالقرب من عين ماء "كفردلبي"، إلا أن سكانها الحاليين هم سكان جدد مضى على وجودهم فيها أكثر من \300\ عام.

الشاعر "جميل موسى".

أهل القرية ينحدرون من جدٍّ واحد هو "عبد الله الساتر" الذي أتى إلى المنطقة قادماً من "سنجار" في العراق، حيث أقام هنا وتزوج ورزق \7\ أطفال عندما كبروا هاجر ابنه "علي" إلى لبنان وتزوج وأقام في "جبل عامل" وأصبح له عائلة تعرف باسم عائلة "عبد الساتر" وهي معروفة في "لبنان"».

أول تجمع سكاني في قرية "حرف المسيترة" كان عبارةً عن \9\ منازل بحسب ما روى لنا السيد "جميل موسى" وقال: «لقد عاش والدي "إبراهيم موسى" \105\ أعوام ولو أنه حي اليوم لتجاوز عمره \150\ عاماً وقد حدثني أن القرية في الماضي كانت مؤلفة من \9\ منازل وأول منزل بني فيها كان لجد القرية "عبد الله الساتر" وموقعه في منطقة كانت ولا تزال تسمى "سنبالو" (حي من أحياء القرية حالياً)، وقد كان هذا المنزل عبارة عن قسمين يفصل بينهما طريق للمارة، كل من يجتاز هذه الطريق عليه أن يجلس ويستريح ويتناول طعامه في بيت جدنا "عبد الله".

المختار "أسعد خصروف"

مع تزايد سكان القرية أخذت منازل القرية تتوسع لكنها حافظت على تلاصقها حتى مرحلة معينة بعدها بدأ ينفصل بعضها عن بعض، وأذكر عندما كنا أطفالاً قبل حوالي \60\ عاماً كنا نقيم في بيت جدرانه الداخلية والخارجية وسقفه من "الطين"، وكان يقسم إلى عدة أقسام قسم للدواب وآخر للعلف وكان يسمى "التبن" وقسم للجلوس والنوم تنصب داخل هذا القسم خيمة من عيدان القصب وتطين وينام فيها الأطفال، قسم الجلوس والنوم كانت أرضيته تفرش بما يسمى "اللباد" (اللباد كان يستخدم كالحصر حالياً، وهو يصنع من الصوف والصابون)».

سكان "حرف المسيترة" كغيرهم من سكان ريف الساحل السوري كانوا يعتمدون على الزراعة وخصوصاً زراعة (الشعير، العدس، الحمص، الثوم، البصل، الدخان، البطاطا، وغيرها من الخضراوات والزراعات البعلية التي تصلح زراعتها في المنطقة)، إلا أن أكثر الزراعات رواجاً كانت زراعة "القمح" بحسب السيد "سليم أحمد أحمد" الذي حدثنا أن نصف أراضي القرية كانت تزرع "قمحاً" لما له من أهمية، وقد كان سكان القرية يطحنون "القمح" من أجل صناعة الخبز بواسطة الطاحون المائية، أما طحنه من أجل "البرغل" فكان يتم بعد سلقه ويطحن بواسطة "الرحى".

كما أنهم كانوا ينشطون بتربية المواشي وينظمون عملية رعيها بطريقة الدور الذي يشمل كل القرية كنوع من أنواع التعاون الاجتماعي.

لكن واقع القرية الزراعي لم يعد كالماضي فأهل القرية اتجهوا نحو العلم والوظائف وبعضهم أصبح يسكن في المدينة، ويقول مختار القرية "أسعد خصروف": «القرية حالياً لم تعد تنتج أي محصول زراعي بسبب قلة الموارد المائية وقلة الأراضي الزراعية التي تحولت بأغلبها إلى بيوت سكنية، وأصبح الناس يقتصرون على زراعة بعض الأشجار المثمرة بجوار منازلهم على مبدأ الاكتفاء الذاتي، علماً أن قريتنا كانت تشتهر بأشجار الكرز وآخر بستان كرز في القرية قُلِع قبل حوالي \5\ سنوات.

إلا أن تراجع القرية الزراعي رافقه تقدم علمي بفضل حب أهل القرية للعلم وتوافر الوسائل المساعدة وفي مقدمتها المدرسة الابتدائية التي يعود تاريخ بنائها إلى حوالي \70\ عاماً وقد بناها الأهالي على حسابهم بعد أن تم تقسيم كلفتها عليهم جميعاً.

والقرية اليوم تمتلك جيلاً ثقافياً واعياً وهي في كل عام تكون من القرى المتقدمة علمياً على مستوى المحافظة وفي هذا العام على سبيل المثال كان في القرية \26\ طالب ثانوي نجح منهم \23\ بعلامات عالية».

عدد سكان "حرف المسيترة" تجاوز حائط \7000\ نسمة وهم يتوزعون في أحياء (شنبرتي، السنيبلة \سنبالو\، سنقالين، بزرمو، الشقوق) وتسميات هذه الأحياء مجهولة المعنى بالنسبة لأهالي القرية الذين يعزون سبب تسمية قريتهم "حرف المسيترة" لجدهم "عبد الساتر" ويقولون إن اسمها كان "حرف المساترة" نسبة له، وقد لقب بالساتر بعد أن لجأت له امرأة تريد ثأر ابنها فأجارها وقتل قاتله زعيم قرية "قرن حلية" الزعيم الجائر والمستبد ورفع رأس أسرته فلقبه عمه "الساتر"، وفيما بعد حُرِّف الاسم بفعل لكنة أهل المنطقة وأصبح "حرف المسيترة".

دائرة آثار "جبلة" وضمن سلسلة عمليات توثيقها لأسماء القرى الريفية حللت معنى اسم قرية "حرف المسيترة"، ويقول المهندس "إبراهيم خيربك" مدير دائرة آثار "جبلة": «حرف المسيترة، كلمة "حرف" تعني طرف الشيء أو حدّهُ، ويسمى الحرف في لغة القرية "الريف"، والمسيترة آتية من الستر "ستر ستراً" وستر الشيء غطاه، والستار من الستر، ويقال مد الليل ستاره أي انتشر ظلامه».

تحليل دائرة الآثار قريب جداً من تحليل أهل القرية فالقرية تأخذ شكل الحرف بموقعها فوق تلةٍ وعلى جانبيها واديين، وبذلك يكون سبب تسمية "الحرف" عائدة إلى شكل القرية و"المسيترة" نسبةً إلى جد القرية والرواية التي ذكرناها سابقاً عنه.

تتميز "حرف المسيترة" من وجهة نظر السيد "نسيم أحمد" (من سكان القرية) بالحالة الاجتماعية السائدة بين سكانها، ويقول "نسيم": «تحكم سكان القرية علاقات اجتماعية رائعة ومتينة لدرجةٍ أنهم يحلون كافة نزاعاتهم ضمن القرية، وفي حال رفع أحد أبناء القرية دعوى ضد أي واحد من سكان القرية فإن المدعي يصبح منبوذاً من قبل الجميع».

يضيف "نسيم": «رغم إقامتي مع أسرتي خارج القرية إلا أنني مرتبط بها وبسكانها ارتباطا وثيقاً وأزورها أسبوعياً مرتين أو ثلاثة مرات، في القرية أشعر بالراحة بكل أشكالها وأجد طيبةً ومحبةً من الأهالي لم تعد موجودة إلا في الحكايات والقصص.

طبيعتها جميلة جداً وقاسية ومع ذلك فإن قسوتها فيها الكثير من الحب والحنان، حتى هواها الشرقي الذي تميل معه الأشجار شتاءً يجلب معه مزيداً من تعاون أهل القرية وتعاضدهم ومساعدتهم لبعضهم بعضاً فتجدهم في الأحزان جميعاً جنباً إلى جنب وكذلك تجدهم في الأفراح وإذا زرت منزلاً كأنك زرت القرية بكاملها».

الجدير بالذكر أن قرية "حرف المسيترة" محاطة بمجموعة من القرى في الشرق تطل علينا "القرندح" فيما تطل القرية على "المرداسية" و"شمبوطين" من ناحية الغرب، أما من الجنوب فيحدها قرى "العامود" و"فرشات" ومن الجنوب "عروس الجبل" و"العرقوب"، وهي تبعد عن مدينة "القرداحة" \16\ كم وعن مدينة "جبلة" \24\ كم.