للزائرين مكان واحد لابد من رؤية محتوياته الفريدة، فهو وعلى طول أبعاده المترامية في حضن حديقة تسر الناظرين تنبثق فيها أشجار الصفصاف العالية الارتفاع وذات الظلال الواسعة، فالمكان لا بد أن يكون بيت كنوز الأوغاريتين بكل تأكيد، ألا وهو متحف "اللاذقية" الوطني الوعاء الحي الباقي لوعي وحضارة الوطن.

يقع متحف "اللاذقية" في بناء تراثي جميل يتوسط الجهة الغربية من المدينة بالقرب من الميناء التجاري مجاوراً لشاطئ البحر الذي تفصله عنه حديقة "البطرلي" الشهيرة، تبلغ مساحته الإجمالية 2750 متر مربع ويحاط بهكتار من الأشجار التي تشكل حديقته الجميلة التي تبدو كمتحف في الهواء الطلق لما فيها من آثار حجرية ورخامية منتشرة على أرض الحديقة.

يعود تاريخ البناء التراثي الذي يضم المتحف الوطني إلى نهاية القرن السابع عشر الميلادي حسما يرد لدى المؤرخ اللاذقي "الياس صالح" في مخطوطه (آثار الحقب في لاذقية العرب)، وكان المتحف بناء لخان ساهم في ازدهار التجارة حينها في "اللاذقية" هو وأكثر من عشرة خانات في "اللاذقية" منها باق حتى الآن، وكان أصل المتحف الوطني عبارة عن خان للدخان ساهمت حقيقة قربه من المرفأ في الازدهار التجاري في البلد

موقع elatakia زار متحف "اللاذقية" والتقى المسؤول العام عنه ومدير دائرة آثار "اللاذقية" الأستاذ الباحث الأثري "جمال حيدر" حيث حدثنا ملياً عن المتحف وأصل بنائه وتاريخه العريق حيث قال:

بناء المتحف

«يعود تاريخ البناء التراثي الذي يضم المتحف الوطني إلى نهاية القرن السابع عشر الميلادي حسما يرد لدى المؤرخ اللاذقي "الياس صالح" في مخطوطه (آثار الحقب في لاذقية العرب)، وكان المتحف بناء لخان ساهم في ازدهار التجارة حينها في "اللاذقية" هو وأكثر من عشرة خانات في "اللاذقية" منها باق حتى الآن، وكان أصل المتحف الوطني عبارة عن خان للدخان ساهمت حقيقة قربه من المرفأ في الازدهار التجاري في البلد».

وعن تكوين ومحتويات المتحف يقول "حيدر":

«البناء يتميز بضخامته ومتانته وحسن هندسته وتناسب عناصره المعمارية وتوزع أجنحته المختلفة وموقعه الجغرافي الهام، وهو عبارة عن طابقين، أرضي وهو بناء الخان وطابق آخر هو الأول، فالطابق الأول يتوسطه فناء مكشوف تطل عليه وتحيط به من كل الجهات أروقة محمولة على دعائم حجرية، أما الطابق العلوي فقد شيد عام 1904 فوق الزاوية الجنوبية الغربية من سطح الطايق الأرضي ويتألف من بهو أو صالة تتوزع حولها الغرف والقاعات الكبيرة ذات السقوف الخشبية والتزينات الجميلة، أما وجهات الطابق الأول فيتوسطها من الأعلى نوافذ نصف دائرية تعلوها جبهة مثلثية ذات سطح قرميدي أحمر وتتوزع على اليمين واليسار شرفات ذات أعمدة رخامية جميلة وأقواس دائرية مسننة».

يتابع مدير آثار اللاذقية حديثه ليقول: «في الطابق الأرضي يتصدر الرواق الجنوبي منه على نسق واحد ستة قاعات واسعة خصصت لتضم الآثار في مواقع "اللاذقية" وقد وزعت الآثار فيها من الأقدم وحتى الأحدث اكتشافاً، حيث تضم الأولى آثار الشرق القديم والثانية لآثار موقع أبن هانئ والثالثة للآثار الكلاسيكية اليونانية منها والرومانية والبيزنطية، والرابعة احتوت على الآثار الإسلامية فيما حوت القاعة الخامسة أعمال الفن الحديث التشكيلية من نحت ولوحات، أما السادسة خصصت لتكون مستودعاً لحفظ وأرشفة الآثار المكتشفة في "اللاذقية"، وبدورها حديقة المتحف تحتوي على طول مساحتها آثاراً حجرية ورخامية تعود للعصر الكلاسيكي والإسلامي وهي عبارة عن تماثيل حجرية لأشخاص وشواهد ونصب تذكارية ونذرية تعلوها كتابات بلغات قديمة، وهناك أيضاً مجموعة من التيجان والقواعد والاطناف التي تشكل أجزاء من النسيج العمراني القديم للمدينة».

أ.جمال حيدر.

وأخيراً يختم "حيدر" بحديثه عن الوظائف التي شغلها متحف اللاذقية الوطني فقال: «تغيرت وظائف البناء عبر تاريخه الطويل حيث كان في الأصل خان أو فندق ثم استخدم كمستودعات لتخزين التبوغ الذي تشتهر به اللاذقية من حيث الزراعة والإنتاج، وفي القرن التاسع عشر اشترى البناء "ابراهيم نصري" وهو أحد وجهاء "اللاذقية" وقام "نصري" حينها ببناء عام 1904 وفي الزواية الجنوبية الغربية منه منزلاً أنيقاً لسكنه الشخصي ومن ثم استخدمته السلطات التركية مقراً للحاكم والتركي، واثر الاحتلال الفرنسي لسورية عام 1919 اشترى الفرنسيون المنزل وجعلوه مقراً لإقامة الحاكم الفرنسي لدولة اللاذقية المستقلة، وفي عام 1978 اشترت البلدية البناء وحولته إلى متحف عام 1981 حيث افتتح في عام 1986».

المكان يعني لأبناء المنطقة الكثير، فلابد من أن نفتخر بامتدادنا الحضاري والتاريخي وبوجود أدلة على عمقنا التاريخي الموجودة بين كنوز هذا البناء الرائع.