في الماضي كان أجدادنا يتنقلون على الأقدام أو على الدواب، من مناطقهم وقراهم في الساحل السوري إلى محافظات الداخل وعلى رأسها "حماة"، عبر طرق شقوها بأنفسهم، كانت تسمى طريق "رجل" يمر منها المارة والدواب التي كانت ترافقهم محملةً بالأمتعة أو بأصحابها أحياناً.

وفي مطلع عام /1986/، بدأ هذا الواقع يتغير عندما أنهت مؤسسات الدولة شق طريق "جبلة"- "الغاب"، المعروف بأوتستراد "بيت ياشوط" الذي قدم خدمات جمة لأهالي القرى المحيطة به، وسهل تنقل المواطنين بين الساحل والداخل، حسب رأي السيدة "أمينة صبوح" (خياطة من بيت ياشوط)، حيث قالت في حديثها مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ /5/9/2013: «في الماضي كنت أتنقل وعائلتي من القرية إلى قرى "سلحب" و"مصياف" ومدينة "حماة"، سيراً على الأقدام لزيارة أقاربنا، أو لقضاء بعض الحاجات، منها الحاجات التجارية، كعملية بيع التبغ "الدخان الياشوطي" لأهالي تلك المنطقة».

في الماضي كنت أتنقل وعائلتي من القرية إلى قرى "سلحب" و"مصياف" ومدينة "حماة"، سيراً على الأقدام لزيارة أقاربنا، أو لقضاء بعض الحاجات، منها الحاجات التجارية، كعملية بيع التبغ "الدخان الياشوطي" لأهالي تلك المنطقة

وأضافت "صبوح": «لم نكن وحدنا من يسلك هذا الطريق على الأقدام، فقد كان يسلكه أهالي القرى في ريف الساحل السوري ومدينة "جبلة"، وفي مطلع الثمانينيات شرعت الدولة بشق هذا الطريق، وانتشرت الجرافات وآليات التعبيد على طول المسافة من مفرق "بيت ياشوط" عند قرية "رأس العين"، وصولاً إلى "سهل الغاب" في ريف "حماة". إنه مشهد لا يمحى من الذاكرة، ليبدأ بذلك عصر جديد للنقل بالنسبة لنا، هو عصر التنقل بواسطة الآليات، فطريق "بيت ياشوط" يعتبر من الطرق الحيوية التي لم تقتصر فائدتها على جانب النقل، بل تعدتها بكثير».

ازدحام الأوتستراد

كما قالت السيدة "سعاد حيدر"، وهي واحدة من أقدم المعلمات في قرية "بيت ياشوط": «إنه عمل حضاري وصل الساحل بالداخل، وقدم خدمات جليلة لعائلات المنطقة، خصوصاً تلك العائلات الفقيرة التي لديها بساتين على جانبي الأوتستراد، فقد تحولت تلك العائلات في يوم وليلة من حال إلى حال.

كما أنه فرض ثقافة جديدة وخلق نوعاً من التواصل بين المناطق الساحلية والداخلية، فتعلمنا منهم وتعلموا منا، إلا أنه قسم قرية "بيت ياشوط" إلى قسمين: شرقي وغربي، وقد دخل حيز العمل فعلياً عام 1986، وهو تاريخ لا يمكن لأهالي القرية أن ينسوه».

الأوتستراد بحسب خارطة غوغل

وما لبث هذا الأوتستراد أن تحول إلى مقصد للسياح وعشاق الطبيعة، نظراً لموقعه الاستراتيجي ومناظره الطبيعية الخلابة، على حد قول الدكتور "جلال حسن" قائد مجموعات استكشاف مناطق طبيعية: «تنتشر على جانبي الأوتستراد، بعد قرية "بيت ياشوط" غابات حراجية عذرية، فيها مجموعة من الأشجار والنباتات البرية النادرة، وهي من أجمل بيئات سورية الطبيعية الغنية بالطابق النباتي العلوي، الذي يتميز بأشجار "البلوط" و"العزر"، وفيه رطوبة تمنحه نباتات مميزة، من أهم الأنواع الموجودة في الغابة "زهرة الغوانيا" المهددة بالانقراض، وقد اكتشفناها خلال إحدى الرحلات في تلك الغابة من الجهة الشمالية للأوتستراد، إضافة إلى "زهرة الربيع" (البربهان)، وبعض الأزهار قليلة الانتشار في المنطقة مثل: "التوليب" و"البنفسج"، وأشجار "الصلع" متدلية الأزهار».

هذا الطريق الذي يشق الجبال ويمر في عدة قرى، ساهم في دعم الزراعة إلى حدٍ كبير، بحسب مدير مدرسة "المكسحة"، الواقعة على الأوتستراد "محسن ديب"، حيث قال: «كل من لديه قطعة أرض على جانبي الأوتستراد استفاد، وحصل على فرصة عمل جديدة، والبعيد استفاد من فائدة غيره، حيث تطور الواقع الزراعي، وأصبحت عمليات تسويق المحاصيل أسهل، خصوصاً في موسم الزيتون الذي تنتشر أشجاره على مساحات واسعة من جانبي الأوتستراد».

هواة الطبيعة يستكشفون غابة شمالي الاوتستراد (منطقة الشعرة)

كما أنه خلق فرص عمل جديدة، كالمطاعم والاستراحات الموجودة في منطقة "الشعرة"، يقول السيد "محمد محفوض" صاحب استراحة "الشعرة": «لقد جعل الأوتستراد من هذه المنطقة مقصداً للأشخاص الراغبين في الترفيه عن أنفسهم، ومتنزهاً جديداً لهم، من خلال المطاعم والاستراحات الواقعة على جانبيه في منطقة "جبل الشعرة" الشهيرة، التي تؤمن راحة للمسافرين، وفسحة للزائرين، وتخلق عشرات فرص العمل، وتؤمن دخلاً لا يستهان به لأصحابها ولمئات العائلات التي تقتات من عمل أبنائها في هذه الاستراحات، وفي مخابز التنور المنتشرة بكثافة.

حركة النقل على الأوتستراد نشطة جداً، وقد تحول إلى شريان مغذٍّ للساحل والداخل، واستمراريته أدت إلى نشاط حركة أسواق الهال في المنطقتين، ولولا قدرته على تحقيق التوازن بين العرض والطلب، لتوقفت الحركة الشرائية في المنطقتين، كما أن اتساعه وعرضه الذي يتجاوز /16/ متراً، أدى لاستخدامه في حركة مرور "الترانزيت" لعبور أو نقل النفط من منطقة لأخرى ضمن سورية».

ويقول "محمود عباس" الذي وجد في الأوتستراد مكاناً لممارسة هوايته في التصوير، وجعلها مهنةً له: «لقد أحسن أهل المنطقة استثمار الحركة النشطة على الأوتستراد، من خلال تنشيط المحال التجارية، وورش العمل الخاصة فأصبح مقصداً لكل من يبحث عن فرصة عمل خاصة من أهل المنطقة، إن كان في ورش صغيرة أو في محلات أو منشآت صناعية».

ويضيف "عباس": «بالنسبة لي استفدت بمهنتي من الأوتستراد، فالشهرة التي حققها لي نتيجة العدد الهائل من الزوار والمارة، الأمر الذي ساهم في تعريف الزبائن علي، واعتمادهم علي في الحصول على صور للمنطقة وللأوتستراد، إلى جانب تصوير المناسبات وتوثيق الذكريات الخاصة بهم».

الجدير بالذكر: إن عرض الأوتستراد /16/ متراً، يمتد على مسافة /30/ كم من مفرق "رأس العين" حتى قرية "فقرو" في ريف "حماة"، لكنه يضيق بعدها ويتحول إلى طريق عادي واسع بعض الشيء، تتفرع منه عدة طرقات باتجاه "طاحونة الحلاوة، السقيلبية، مصياف"، كما يستمر نحو مدينة "حماة".

ويمر الأوتستراد في منطقة "جبلة" بقرى: "رأس العين، ضهر أبو قرمة، المحوشة، ضهر بركات، المكسحة، قصابين، الفتيح، عين الشرقية، بيت ياشوط، بتمازة، وجبل الشعرة".