تستمر بعض الطرق بالحياة ولو مضى على عمرها آلاف السنين، فهي شرايين حيوية تعبر متوغلة بانسيابية وأريحية في مناطق ذات أهمية اقتصادية وسكانية مهمة، من هذه الطرق المعمّرة طريق "بانياس- جبلة" القديم.

سمي هذا الطريق بالقديم، وقد أطلق عليه الأهالي هذا اللقب، ليس فقط لقدمه، بل لأن الأوتوستراد الدولي الذي تم شقه أوائل الثمانينيات، ويبعد عن هذا الطريق حوالي 2كم، قد حل محله تقريباً في الخدمة بين محافظتي "طرطوس" و"اللاذقية"، في حين بقي الطريق القديم للاستعمال المحلي، ولم يفقد أهميته التجارية والسياحية والاقتصادية.

إن ما يحتاجه الطريق هو التوسيع في بعض المفارق؛ وذلك لضيقه وازدحام الطريق خاصة صيفاً مع التوجه إلى المناطق السياحية في الجبل، مثل: "الدالية، ودوير بعبده، وبيت ياشوط"، وغيرها، حيث يتم التوجه من مفرق "محمد نصر"، وقد سمي المفرق باسم صاحب دكان كان على هذا المفرق منذ أكثر من سبعين عاماً

بقي هذا الطريق ترابياً حتى فترة الانتداب الفرنسي، حيث تم تعبيده نهاية العشرينيات، ويذكر السيد "علي حبيب" (70 عاماً) من قرية "حريصون"، في حديث مع مدونة وطن “eSyria” بتاريخ 8 نيسان 2014 قوله: «تم شق الطريق في وقت غير معلوم، إلا أن أبي أخبرني أن الأهالي قاموا بإعادة شقه مطلع القرن الماضي، وعبده الفرنسيون لحاجتهم إلى نقل وتسهيل مرور سياراتهم وآلياتهم الحربية، من شمال الساحل إلى جنوبه وبالعكس؛ لمحاربة الثوار في المنطقة، ففي ذلك الوقت لم يكن هناك أي وسيلة نقل لدينا سوى الخيول والبغال، والطرق الترابية كافية لنا، وكان هذا "الطريق القديم" كما يسمى حالياً، صلة الوصل الأساسية بين من يريد عبور شريط الساحل السوري إلى أي منطقة شمالاً أو جنوباً».

الطريق على جوجل إيرث

لا يبعد الطريق عن البحر كثيراً، فقد استخدمه الأوغاريتيون في الوصول إلى حدود مملكتهم، وكانت حدود نهر "السن"، وقد ذكر "النهر" في حوليات "تل العمارنة" وبعض وثائق "أوغاريت". وقد استخدم الطريق الرومان من بعدهم، كما عبرت عليه جيوش "الإسكندر الكبير" في طريقها إلى "صور" وغيرها من مدن الساحل السوري (سورية الساحلية كما كانت تسمى وقتها)، وقد وجدت بعض الحجارة المنحوتة على امتداد هذا الطريق، وهذه من أساليب الرومان في رصف الطرقات وقتها، إضافةً إلى وجود بعض الخانات التي لم يتبق منها أثر يذكر.

يمكن أن نحدد بداية الطريق من قلب مدينة "بانياس"، مروراً بجسري "المصفاة" و"حريصون"، وهما جسران بنيا في عهد الانتداب الفرنسي، وما زالا مستخدمين إلى الآن، إلى أن نصل إلى منطقة بحيرة "السن"، قرب قرية "حريصون"، حيث يتابع الطريق مروراً بعدد من القرى والمزارع والمفارق المهمة، فمن مفرق "قرفيص" إلى مفرق "محمد نصر"، مروراً بقرية "البرجان"، ثم "الحويز"، إلى مفرق "عين الشرقية" وطريق "بيت ياشوط ـ الغاب"، ليتابع الطريق مروراً بمفرق "حرف المسيترة"، ليصل بالقرب من "سيانو"، إحدى أقدم مدن الاستيطان في الساحل السوري، وقد كانت تابعة في فترة الألف الثالثة قبل الميلاد إلى مملكة "أوغاريت"، يتابع الطريق بعد "سيانو" باتجاه مدينة "جبلة"، بعد أن يكون قد قطع إجمالي مسافته البالغة "25كم".

الطريق في مدخل جبلة الشرقي

يعدّ هذا الطريق الشريان الحيوي الأوحد لجميع المناطق التي تقع في الجبال الساحلية، وتقع على امتداد الطريق، فمن هذا الطريق تتفرع عشرات المفارق إلى هذه القرى، يتحدث عنه المهندس "محمد درويش"، من قرية "القطيلبية" قائلاً: «آخر توسعة للطريق كانت أواخر سبعينيات القرن الماضي، مع أنه مازال مستخدماً بالاتجاهين رغم ضيقه في بعض الأماكن، ويمر على عدد من الجسور القديمة، كما يقع عليه العديد من المنشآت الصناعية الكبيرة والصغيرة، وبعض المولات التجارية، مثل شركات تعبئة العصائر، ومحلات صيانة السيارات، والألمنيوم، والدهانات، وبيع الخضراوات، إضافة إلى محطات وقود، وبازار "الخضرة"، وقبل دخوله إلى المدينة، يمر بعدة شركات صناعية مثل الغزل القديم والجديد، وصوامع الحبوب».

الحالة الفنية للطريق على العموم جيدة، وإن كان يحتاج إلى صيانة في بعض الأماكن، وتتواجد عليه شاخصات مرورية حديثة العهد، يقول السائق "علي سليمان" وهو من العاملين على خط "جبلة ـ بانياس" سائقاً لـ"سرفيس": «إن ما يحتاجه الطريق هو التوسيع في بعض المفارق؛ وذلك لضيقه وازدحام الطريق خاصة صيفاً مع التوجه إلى المناطق السياحية في الجبل، مثل: "الدالية، ودوير بعبده، وبيت ياشوط"، وغيرها، حيث يتم التوجه من مفرق "محمد نصر"، وقد سمي المفرق باسم صاحب دكان كان على هذا المفرق منذ أكثر من سبعين عاماً».

مفرق محمد نصر بعد حريصون

تؤمن حاجة قرى الجبل في منطقة "جبلة" بكاملها عبر هذا الطريق، إضافة إلى أن عمليات بيع الخضراوات تتم في البازار الرئيسي الواقع عليه؛ حيث يشهد الطريق كل صباح حركة كبيرة وازدحاماً شديداً في الاتجاهين، كذلك يتم تصدير جزءاً من هذا الإنتاج إلى المحافظات الداخلية عبر طريق "بيت ياشوط ـ الغاب" الموصل إلى مدينة "حماة".

يذكر أخيراً، أنه يمكن الوصول إلى الطريق من مدينة "جبلة" أيضاً من مدخلها الشرقي، أو من الأوتوستراد الدولي نفسه.