"أرضنا هويتنا وعروبتنا"، كان وما زال هذا شعار الأسير المحرر "مدحت صالح" وجميع الأسرى الموجودين خلف قضبان السجون، هذا النضال البطولي أحد أساليب مقاومة العدو، إضافة إلى الإضراب الذي كان يتصاعد حتى تحقيق الحقوق المتجسدة بالحرية والكرامة الإنسانية والنصر على الرغم من كل المحاولات لقمعها.

على الرغم من أنه يجيد التحدث بالعبرية، إلا أنه صمّم على التحدث باللغة العربية في آخر جلسة لمحاكمته، وعندما سأله القاضي ما إذا كانت له كلمة أخيرة أو طلب استرحام قبل صدور الحكم، وقف الأسير السوري الجولاني قائلاً للقاضي بالعربية: (أنا مواطن عربي سوري، والعمل الذي قمت به مقتنع به وغير نادم عليه، وبعد خروجي من السجن بعد إمضاء محاكمتي مهما كانت مدتها سأعود لأقوم بالعمل نفسه)، وهنا صدر الحكم بحقه 12 عاماً. الأسير المحرر "مدحت صالح" التقته مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 15 نيسان 2018، فبدأ الحديث عن حياته قائلاً: «في قرية "مجدل الشمس" المحتلة تربيت في كنف عائلة بسيطة، وأنهيت دراستي في مدارس القرية، واعتقلتني سلطات الاحتلال أول مرة عام 1983 في السابعة عشرة من عمري، أثناء اجتيازي لخط وقف إطلاق النار بين "سورية" و "الكيان الصهيوني" برفقة الشاب "وجدي عفيف محمود"، وعاودت اعتقالي عام 1985 بتهمة الانضمام إلى خلية من خلايا حركة المقاومة السرية في "الجولان"؛ إذ وجهت إليّ تهمة إرباك عمل أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلي، وزرع ألغام أرضية على الطرق العسكرية، والتخطيط لخطف جندي إسرائيلي، وأصدرت المحكمة المركزية في مدينة "الناصرة" حكمها الجائر بحقي بالسجن مدة 12 عاماً؛ أمضيتها في سجون "الجلمة، وعسقلان، والرملة، ووشطة، والتلموند"».

في قرية "مجدل الشمس" المحتلة تربيت في كنف عائلة بسيطة، وأنهيت دراستي في مدارس القرية، واعتقلتني سلطات الاحتلال أول مرة عام 1983 في السابعة عشرة من عمري، أثناء اجتيازي لخط وقف إطلاق النار بين "سورية" و "الكيان الصهيوني" برفقة الشاب "وجدي عفيف محمود"، وعاودت اعتقالي عام 1985 بتهمة الانضمام إلى خلية من خلايا حركة المقاومة السرية في "الجولان"؛ إذ وجهت إليّ تهمة إرباك عمل أجهزة الأمن والجيش الإسرائيلي، وزرع ألغام أرضية على الطرق العسكرية، والتخطيط لخطف جندي إسرائيلي، وأصدرت المحكمة المركزية في مدينة "الناصرة" حكمها الجائر بحقي بالسجن مدة 12 عاماً؛ أمضيتها في سجون "الجلمة، وعسقلان، والرملة، ووشطة، والتلموند"

وعن وصفه المشهد القاسي إثر اعتقاله، قال: «لحظات الاعتقال من أصعب اللحظات، وأكثرها ألماً، وخاصةً أنني مررت بها بعمر مبكر، قوة كبيرة من الجيش والمخابرات داهمت فجأة منزل أهلي في "مجدل شمس" وطرقت الأبواب بالبنادق بعنف شديد، ووعيت على البنادق وهي فوق رأسي.

يوم تحريره من المعتقل في قرية "مجدل شمس" المحتلة عام 1997

شعوري الأول الذي لن أنساه كان الأصعب، وأول ما فكرت به هو التساؤل بيني وبين نفسي عن سبب مجيئهم وإن كنت أعرف، لكن سيطر على تفكيري الداخلي أنني ذاهب إلى المجهول، فهؤلاء جنود احتلال، ولم يتوانوا عن ارتكاب المجازر بحق شعبنا الفلسطيني وفي "الجولان" و"لبنان"، ولن يتوانوا عن فعل أي شيء بي، وحانت اللحظة الأقسى عندما نظرت إلى أهلي وبيتي وأنا أخرج منه مكبّل اليدين والقدمين، وبعدها غطوا رأسي بكيس أسود، وكانت تلك اللحظة الأخيرة التي أراهم فيها».

يتابع "الصالح": «مرت سنوات الاعتقال برفقة مجموعة كبيرة من الأسرى والمعتقلين، وكان هناك رابط قوي ووثيق يمدنا بالقوة، هو "الجولان" الذي تجمعنا أرضه، إضافة إلى أننا نعرف بعضنا وتربطنا علاقات أسرية، ومع جميع الأساليب التي استخدمت بحقنا في المعتقل من حرماننا من أبسط حقوقنا ألا وهو التواصل مع أهلنا، وتلقي العلاج والطعام، إلا أننا بقينا صامدين مقاومين بقناعتنا وقضيتنا وحريتنا، ويداً بيد في كافة الخطوات النضالية ضد إدارة السجون العامة من أجل تحسين شروط حياة الأسرى والمعتقلين داخل المعتقلات الإسرائيلية؛ إذ كنت أحد المبادرين إلى تأسيس لجنة الدعم، وتعرضت جراء ذلك إلى العزل الانفرادي والعقوبات الجسدية والمالية، وفي عام 1997، تم الإفراج عني، وأصبحت ناشطاً اجتماعياً وسياسياً، وفي عام 1998، استطعت اجتياز خط وقف إطلاق النار بين "سورية" و"الجولان" المحتل والعبور إلى "دمشق"؛ إذ نجوت بأعجوبة من الموت بعد أن أمطرت القوات الإسرائيلية المنطقة بالرصاص، وبعد شهر من وجودي في منزل شقيقي، أعلنت وصولي إلى "دمشق"، واستطعت تحريك ملف الأسرى والمعتقلين، وتكريس الاهتمام الإعلامي والشعبي والنقابي في أنحاء الوطن العربي، كما عملت على تأسيس لجنة لدعم الأسرى والمعتقلين في مدينة "دمشق" مرادفة للجنة دعم الأسرى داخل الأرض المحتلة في "الجولان" ، وفي عام 2000، فزت بعضوية مجلس الشعب السوري ممثلاً عن "الجولان"، كما اجتمعت بسيد الوطن الرئيس الدكتور "بشار الأسد" أكثر من مرة، والآن أشغل منصب مدير مكتب شؤون "الجولان" المحتل في رئاسة مجلس الوزراء».

من لقائه بالرئيس "بشار الأسد"

"علي جمعة محمد" أسير محرر من "الجولان" المحتل، قال: «جمعتني علاقة بصديقي "مدحت" منذ أن كنا داخل المعتقلات الصهيونية في أواخر ثمانينات القرن الماضي، ولأننا ننتمي إلى الوطن السوري عامة، و"الجولان" خاصة تكونت بيننا علاقات أخوية عميقة إلى جانب العديد من الأسرى المناضلين.

وبعد سنوات داخل المعتقلات، وما جمعنا من حياة نضالية ومحطات مشتركة في مواجهة السجان المحتل، كان لقاؤنا على أرض الوطن مرة أخرى بعد تحريرنا، فكان أول ما فكرنا فيه هو أن نكون أوفياء للتجربة العظيمة وسنوات السجن والحرمان والقيد وكل ممارسات السلطات الإسرائيلية لنا كانت حافزاً للتحرك من أجل إثارة وطرح هذا الموضوع، إضافة إلى ما يجمعنا نحن أبناء "الجولان" وعشقنا لترابه الطاهر، فكانت لجنة دعم الأسرى السوريين إطاراً للقيام بالعديد من الأنشطة والفعاليات في "دمشق" والعديد من المحافظات السورية، ولا نزال نعمل على إحياء الذاكرة الجولانية من خلال المعارض والندوات والاعتصامات التضامنية التي نقيمها، وغير ذلك من نشاطات».

الأسيران المحرران والصديقان "مدحت الصالح" و"علي جمعة محمد"

الجدير بالذكر، أن الأسير المحرر "مدحت الصالح" من مواليد قرية "مجدل شمس" في "الجولان المحتل"، عام 1967.