اعتاد قدماء الشراكسة كبقية الشعوب القديمة إحياء المواسم المتعلقة بالزراعة باحتفالات طقسية، تقدم فيها الأضاحي وتقام فيها حفلات الغناء والرقص؛ وهي بمنزلة أعياد تأخذ طابعاً دينياً.

مدونة وطن "eSyria" التقت الباحث "عدنان قبرطاي" بتاريخ 17 كانون الثاني 2019، وهو من مواليد حيّ "القبرطاي" في مدينة "القنيطرة"، حيث قال: «من أهم الأعياد الزراعية التي كان يحتفل بها الشراكسة القدماء بوجه عام وفي "الجولان" بوجه خاص عيد "الحراثة" أو الفلاحة الذي يصادف توقيته بدايات خروج الفلاحين إلى الحقول لحراثتها وبذر البذور فيها، وقد تميز هذا العيد عن الأعياد الأخرى بقلة الاحتفالات بسبب عاملين؛ الأول طبيعة العمل، حيث يبذل الفلاح جهداً كبيراً في هذه الأيام ويقوم بعمل شاق ولا يجد فرصة للراحة والترفيه عن النفس. والثاني عبادة الآلهة يومي الثلاثاء والأربعاء، فقد كان قدماء الشراكسة ينشغلون في هذين اليومين بالعبادة ولا يمارسون أي نشاط آخر، حتى إنهم كانوا يمتنعون عن السفر والتعزية في هذين اليومين.

يستمر العمل طوال النهار وأحياناً طوال الليل، ولا سيما في الليالي المقمرة من أجل الإسراع في إنجاز العمل، وتسود روح التعاون والإخاء، حيث لا ينحصر عمل الرجال فقط في حراثة حقولهم، بل كانوا يحرثون حقول العاجزين عن حراثتها كالعجائز والأرامل والأيتام ومن دون أي مقابل أو منة، وكان كبار الملاكين يتبرعون بقطع من أراضيهم للمحرومين من الأرض حتى لو كانوا غرباء؛ وذلك دعماً وعوناً لهم، عيد الحراثة قال فيه المثل الشركسي: "يوم ربيعي واحد يطعم الشتاء كله"

كانت أعمال الحراثة تبدأ نهاية شهر نيسان؛ وهو وقت متأخر جداً في مفاهيم عصرنا، ويعود سبب هذا التأخير إلى أنهم كانوا يفضلون إعطاء ماشيتهم ما أمكن من الوقت كي ترعى أعشاب الربيع؛ وهو ما يوضح أهمية تربية الماشية لديهم ودورها في حياتهم».

الباحث "عدنان قبرطاي"

وأضاف: «عادة تقام في هذا العيد طقوس خاصة؛ أهمها توجه أهل القرية مع الفلاحين إلى تخوم الغابة وتجمعهم عند إحدى الأشجار، يحملون طعاماً خاصاً بهذه المناسبة؛ وهو لحم القرابين المطهو بشراب "الباخسمة" (مشروب من الذرة يقدم ويصبح جاهزاً للشرب بعد التخمير)، إضافة إلى خبز خاص يعرف بخبز الفلاحين، وقد أفاد كبار السن أن هذا الخبز بالغ اللذة، ويتم إعداد مائدة عامرة يتصدرها كبير الحارثين ويجلس حول هذه المائدة جميع الرجال والشباب الذين خرجوا إلى الحقول، ترفع الأنخاب ويرفع الدعاء لإله النبات والغلة الوفيرة والصحة المعروف باسم "تح ع ل د ج"، والقيام باستحمام الثيران ودهنها بما بقي من شراب "الباخسمة" في أقداح كبار السن، وتقوم الفتيات بعقد شرائط حمراء على قرون الثيران، وأخيراً انقسام الحضور إلى مجموعات تتجمع كل مجموعة حول عربة؛ تتشابك الأيدي ويبدأ الجميع الغناء والرقص، ويرددون أغنية خاصة تقول:

"إلهنا المبارك تح غ ل د ج / ها نحن نجر سكة المحراث

"نديم ميرزا"

نضعها في محلها / ويرا

نودع الفلاحين / ويرا

فليرافقهم الحظ السعيد / ويرا

ليكن الحفل خالياً من الحشرات الضارة / ويرا

ليكن الزرع جميلاً كما كم القميص / ويرا

وثقيلاً مثل الدرع / ويرا

يتماثل الفرح فيه / ويرا

ليكن مظهرها كالغافي في نومه / ويرا

لتمتلئ تسعة مخازن / ويرا

والأوسط منها يكفي لعرس / ويرا

أعطنا.. أعطنا / ويرا"

حيث ينطلق الجميع إلى الحقول بعد ترديد هذه الأغنية وكأنها جرس الإيذان بالعمل».

"نديم ميرزا" ابن بلدة "الخشنية" في "الجولان" المحتل يقول: «عيد الحراثة مناسبة عامة يشارك فيها الجميع كل بقدر إمكاناته؛ فكان الشبان الذين لم ينالوا شرف المساهمة في العمل في الحقول يقومون مع فتيات القرية بزيارة الفلاحين ويحملون لهم الأطعمة من الخبز الطازج والجبن الشركسي اللذيذ والأدوات الموسيقية ليرفهوا عن الفلاحين بإحياء سهرات غناء ورقص وألعاب شتى لا يزال بعضها باقياً حتى يومنا هذا.

كما تراعى العادات والتقاليد خلال مدة الوجود في الحقول، حيث يبني الرجال ما يشبه الكوخ لكل مجموعة عمل، واحداً بعد الآخر، ويكون كوخ كبيرهم في أقصى اليمين وفي اتجاه الشرق تحديداً، يعين كبير الحراثين نائبين له يتوليان المسؤولية في حال غيابه، وقاضياً لينظر في أي خلاف قد يحدث، وكذلك يعين معاونين له وراعياً للثيران وطبيباً، ويختار مهرجاً بمشورة الجميع ليرفّه القوم».

ويضيف "ميرزا": «يستمر العمل طوال النهار وأحياناً طوال الليل، ولا سيما في الليالي المقمرة من أجل الإسراع في إنجاز العمل، وتسود روح التعاون والإخاء، حيث لا ينحصر عمل الرجال فقط في حراثة حقولهم، بل كانوا يحرثون حقول العاجزين عن حراثتها كالعجائز والأرامل والأيتام ومن دون أي مقابل أو منة، وكان كبار الملاكين يتبرعون بقطع من أراضيهم للمحرومين من الأرض حتى لو كانوا غرباء؛ وذلك دعماً وعوناً لهم، عيد الحراثة قال فيه المثل الشركسي: "يوم ربيعي واحد يطعم الشتاء كله"».