الأغنية الشعبية الجولانية قصيدة غنائية مجهولة النشأة، ظهرت في المجتمع قديماً، من دون معرفة تاريخها الحقيقي، حيث رددها الجميع حتى ترسخت في وجدانهم وأصبحت جزءاً من تراثهم، وتميزت لغتها بالشعبية البسيطة التي تعتمد الأساليب اللفظية والاستعارات السائدة في أوساط البسطاء.

الحديث عن الأغاني الجولانية بحث طويل؛ كثير المفردات والألوان، وذلك لتعدد شرائح المجتمع، والغوص في مفردات الغناء الشعبي له شجون خاصة يحتاج منّا إلى الكثير من البحث والتقصي، وفي هذا الصدد التقت مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 10 تشرين الثاني 2018، الباحث في التراث "محمد الفياض"، فقال: «التراث الشعبي هو هوية الشعوب؛ وشعب بلا هوية مصيره الضياع والتشتت، ومنذ زمن بعيد كانت الأغنية الشعبية تؤدي دوراً أساسياً في تنامي المشاعر والأحاسيس الكامنة في الوجدان الإنساني، وهذه الأحاسيس وحدها التي تحدد طبيعة الانتماء، وهذا الانتماء يزهر ربيعاً في الوجدان، الذي بدوره يوّلد لحن الولاء، لأن الولاء يكون للوطن والأهل، للحبيبة والديار، للزمان والمكان، للطفولة ومرتع الخلان، للحقل والزرع والطير وحديث السمار، لرائحة القهوة ولحن الربابة وصوت الناي والمزمار، لكل صور الحياة وأشكالها. وإن تلك الأهازيج الشعبية التي يرددها أبناء المجتمع الجولاني أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هويته، وهي نتاج الثقافة المجتمعية المتجذرة في الوجدان، وهذا اللون من الغناء كان له الدور الأكبر في تعزيز المشاعر المشتركة والأحاسيس المتقاربة التي تجعل أبناء المجتمع الواحد المتعدد الأطياف سنبلة قمح شامخة يانعة لا تنحني لعاتيات الزمان».

التراث الشعبي هو هوية الشعوب؛ وشعب بلا هوية مصيره الضياع والتشتت، ومنذ زمن بعيد كانت الأغنية الشعبية تؤدي دوراً أساسياً في تنامي المشاعر والأحاسيس الكامنة في الوجدان الإنساني، وهذه الأحاسيس وحدها التي تحدد طبيعة الانتماء، وهذا الانتماء يزهر ربيعاً في الوجدان، الذي بدوره يوّلد لحن الولاء، لأن الولاء يكون للوطن والأهل، للحبيبة والديار، للزمان والمكان، للطفولة ومرتع الخلان، للحقل والزرع والطير وحديث السمار، لرائحة القهوة ولحن الربابة وصوت الناي والمزمار، لكل صور الحياة وأشكالها. وإن تلك الأهازيج الشعبية التي يرددها أبناء المجتمع الجولاني أصبحت جزءاً لا يتجزأ من هويته، وهي نتاج الثقافة المجتمعية المتجذرة في الوجدان، وهذا اللون من الغناء كان له الدور الأكبر في تعزيز المشاعر المشتركة والأحاسيس المتقاربة التي تجعل أبناء المجتمع الواحد المتعدد الأطياف سنبلة قمح شامخة يانعة لا تنحني لعاتيات الزمان

وعن أنواع الأغنية الجولانية، يضيف: «تمتاز هذه الأغاني منذ القدم بأنها جزء من التراث الشعبي الغني بمفرداته وألوانه، إذ تعدّ في كلماتها وألحانها ينبوعاً ثرّاً لا يمكن أن ينضب، ومن هذه الأغاني، أغاني القطاف والحصاد والحراثة والعمل، و"العتابا والموليا"، والرعاة، والأغاني الدينية، وأغاني الأطفال "الهدهدة". ولهذه الأغنيات صفات وخصائص وجذور، إذ نقول في أصول تسميات الغناء الشعبي الجولاني (أغاني التراويد، ووداع العروس، وأغاني الجلوة أو رقصة العريس، وأغاني الشروقي والعتابا، أو أغاني الحزن التي ترافقها آلة "الربابة"، وأغاني الهجيني، والقصيد، والمهاهاة، والحداء، والجفرا)، ومن هنا كان الغناء الجولاني تارةً يصدح بحب الوطن بسبب معاناة أهله وشوقهم وحنينهم إلى أرضهم بعد احتلاله من قبل العدو الإسرائيلي، كـ:

الباحث "أحمد محمود الحسن"

"بالرُّوح ِنفْدي وَطًنّا... لو صَاح الْمنادي

بالرُّوحِ نفْدِي وَطنَّا... يوم الحَرِبْ وَالجِهَادِ

باحث التراث "محمد الفياض"

قْدُوِم للسّيفِ حِنّا..."

لوحة الفنان "عايش طحيمر" عن الأغنية في الجولان

وتارةً أخرى الحنين إلى الديار وفراق الأحباب، كما في هذا المقطع:

"والبَارحَةْ الفِكْر حَار... والدّمعْ منْ عيني طًارْ

عَلى فرْقِـــةْ وليـــفي... يا نَــــار قليبي يا نَارْ"».

الباحث "أحمد محمود الحسن" ذو الأبحاث العديدة في الأغاني الجولانية الشعبية، يقول: «هي التي تعبّر بعفوية مطلقة وصادقة عن الشحنة العاطفية المتفاعلة لابن "الجولان" في حلّه وترحاله، إذ ينظمها على البديهة، فملحنها وناظمها ومغنيها أغلب الأحيان واحد، وهي الصحيفة الشعبية التي يتداولها الجميع ويحفظونها ويرددونها، كما أنها سهلة الأداء واللحن والإيقاع، وتعبّر عن بيئة الفلاح والأرض ومدى ارتباطه بها، فالشاعر الشعبي فتنته طبيعة "الجولان" الرائعة وتناوب الفصول الأربعة، فصدحت حناجر الشعراء بالتغني بهذه المفاتن الطبيعية:

"يا ظرف الطول تنده يا كواكب... تشبه حتى الشمس نجوم وكواكب"

أما طقس الحصاد وفلاحة الأرض، فإننا نجد لوناً جديداً من ألوان الغناء الشعبي الذي شاع في منطقة "الزوية"، ومنه:

"قلبي على صويحب يا ضو القمر... والشمس ما تبدي عليه"

ويبذر الفلاح البذار في الأرض الطيبة المعطاءة، وحنجرته تصدح بهذا الغناء:

"الله يا مرزق الطير... في ظـــــلام الليل

يا الله يا مرزق الدود... من حجر الجلمود"».

ويضيف "الحسن": «لقد جاءت الأغنية الشعبية الجولانية كما هو الحال لدى البيئات الاجتماعية كلها لتكون ركناً أساسياً في التعبير عن المجتمع بما تتضمنه من قيم ودلالات ومعانٍ تدل على تشارك أفراد المجتمع المتكافل بالهموم والأفراح والتطلعات، ولما كان للمرأة الحضور الأكبر في الأغاني الشعبية، لهذا نجدها محور الغناء الشعبي في البيئات المتعددة، كما كانت في الحضارات القديمة آلهة للخصب والجمال والحب، ورمزاً من رموز الاستمرار، وأينما حلت منحت الخصب والحياة. وقد ورد في التراث الشعبي قولهم: (يدها خضرة ومقدمها سعد)، وتظهر إشارات التمسك بالقبيلة والتباهي بها، لكونها ما زالت تلقي بظلالها على المجتمع الجولاني:

"ليلتين وليلة حنا مشينا ليلتين وليلة... من كبار العيلة حنا خذينا من كبار العيلة

ليلتين ويوم حنا مشينا ليلتين ويوم... من كبار القوم حنا خذينا من كبار القوم"

وفي هذا الصدد قمت والباحث "محمد الفياض" بإنجاز كتاب بعنوان: "الدبكات والآلات الشعبية في الجولان"، وما يخص الأغنية الشعبية فيه، وهو قيد الطباعة».