سلسلة محكمة الربط لنتاج أدبي قلَّ وجوده في بيئة "الجولان" الثقافية، جسدها الأديب الراحل "سالم شاكر جبارة"، إذ قدم عبر مسيرة عابقة بالعطاء كوكبة من الأعمال الأدبية النادرة تميزت بأسلوبها الرقيق، ولغتها الوجدانية المتينة في سبكها، العميقة في مفرداتها.

مدوّنةُ وطن "eSyrie" التقت "إلياس جبارة" بتاريخ 3 تشرين الأول 2020 ليتحدث عن والده بالقول: «أبصر والدي النور عام 1920 في قرية "جباتا الزيت" المحتلة التابعة لمحافظة "القنيطرة"، والتي تتربع على مقربة من السفوح الغربية لجبل "الشيخ"، وقد أمضى طفولته المبكرة في رحاب هذه القرية الجميلة التي صقلت موهبته بعشق الأدب والفن والجمال.

هناك على الطريق / بين تضاريس الجبال حيث ترعى الظباء / وتستقر النسور كانت سناء ذات يوم / من أيام الربيع تقود سيارتها الصغيرة الزرقاء ## تنهب الأرض وتسابق الريح يظللها عجاج متلألئ من الغبار

بدأ مسيرته مع العلم منذ نعومة أظفاره، ثم التحق بالكلية الصلاحية الداخلية في مدينة "القدس"، حيث تلقى تعليمه في المدينة المقدسة، وقد أنهى المرحلة الثانوية ودرس العلوم الفلسفية، بالإضافة إلى اللغات الأجنبية الأخرى الفرنسية، اليونانية واللاتينية، وقد تمكن بعد تخرجه من العمل في حقل التعليم، حيث زرع في نفوس طلابه حب العلم، وغرس في قلوبهم الإيثار وعشق الوطن والدفاع عنه، ثم أوكل إليه في العام 1940 وظيفة جديدة، حيث أصبح سكرتيراً مترجماً في قيادة الدرك السوري، وكانت لديه رغبة عارمة في متابعة تحصيله العلمي، إذ كان مغرماً بدراسة الاقتصاد السياسي، وفِي مطلع الخمسينيات سجل في كلية الحقوق الفرنسية في "بيروت" مختصاً بهذا العلم، إلا أن الظروف الصعبة حالت دون تحقيق الطموح، وفِي العام 1961 توجه إلى العمل في مؤسسة التبغ والتنباك في "دمشق" إلا أنه اضطر بعد مدة إلى ترك هذا العمل والعودة إلى مزاولة مهنة التعليم تلك المهنة التي أحبها لأنها كانت قريبة من فكرهِ الأدبي والعلمي، حيث بقي ما يزيد على ست عشرة سنة كان أكثرها في مدرسة "اللاييك" بـ"دمشق"، ثم أحيل بعد ذلك إلى التقاعد، وعاد يطرق باب الأدب والشعر ويغوص في فلك العلم والمعرفة».

الأديب الراحل " سالم شاكر جبارة"

"عبد الكريم العمر" باحث في شؤون "الجولان" وتاريخه قال: «لا شك بأن الأديب والشاعر والمترجم "سالم شاكر جبارة" كان أيقونة فريدة تعبق بالعلم والمعرفة، له العديد من المؤلفات في حقل الشعر والأدب والترجمة وشغل مناصب عدة، وكان لفترة اتصفت بالذهبية رئيساً لفرع اتحاد الكتاب العرب في محافظة "القنيطرة"، وله بصمات في تطوير آفاق هذا الاتحاد من خلال أسلوبه الفريد في ربط الثقافة بالقضايا الاجتماعية والتربوية والسياسية، جعلت من اتحاد الكتاب العرب في المحافظة بعد تأسيسه عام 1985 يتصدر الفروع الأخرى في إصدار العديد من المؤلفات المهمة الفريدة، وقد استطاع عبر مسيرته الطويلة من الكتابة والتأليف والترجمة من طباعة العديد من هذه المخطوطات النادرة التي سجلت باسمه وقامت وزارة الثقافة بطباعة العديد من مؤلفاته لأهميتها، ومنها على سبيل المثال لا الحصر في الشعر: "ملحمة سناء- قبلة الشاعر- الجرح عميق- العرس المنتظر"، أما في مجال القصة القصيرة: "البلبل المجنون - الرياح الأربع"، ومجموعة قصص للأطفال بعنوان "عرس زفير الطائر الذهبي"، ورواية طويلة بعنوان "ساعي البريد"، وأخرى بعنوان "الشحرور الأبيض"، ولديه دراسات عديدة عن الأدباء والشعراء منهم "تشيكوف- هيجو- الكونت دي ليل"، وغير ذلك كثير، أما فيما يتعلق بالترجمات وهي كثيرة فكان أهمها: "كريستين المتوحشة - آليس في بلد العجائب - اليتيمة وأولاد عمها السبعة"، بالإضافة إلى ترجمة ديوان الشاعر "بول جيرالدي" بعنوان "أنت وأنا"، و"رحلة حول غرفتي" للكاتب "كزافيه دي مستر"».

وأضاف "العمر": «الحقيقة التي لا بد من ذكرها بأن الأديب والشاعر "سالم جبارة" لم يكن شخصية استثنائية نادرة فحسب؛ بل كان قامة ثقافية تركت لنا إرثاً ثقافياً يعج بالثراء والنضج، ولا يمكن لنا أن ننصفه بسطور قليلة، إنه قامة أدبية غنية عن الوصف».

"إلياس سالم جبارة"

نذكر بعض أبيات شعر من قصيدته "كليوباترا":

«كانت الملكة على شرفة البرج / ترقب الأفق المخصب وأمواج الخضم

"عبد الكريم العمر"

وتتنشق البخور المضطرب / المتصاعد من هيكل الاهة الحب، وتحلم

تتأمل مواكب النجوم وشرود القمر / وتتنشق أنفاس النسيم

وتنصب إلى همس الشجر، وتنتظر

وكانت عقودها الذهبية، تعلو فوق ثدييها / شلالاً يغمر منكبيها

وأثوابها كالضباب حواليها وفجأة / برق في الأفق بارق، فوقفت».

وأبيات شعرية من قصيدة "سناء" مهداة إلى روح شهيدة الجنوب اللبناني "سناء محيدلي":

«هناك على الطريق / بين تضاريس الجبال

حيث ترعى الظباء / وتستقر النسور

كانت سناء ذات يوم / من أيام الربيع

تقود سيارتها الصغيرة الزرقاء

تنهب الأرض وتسابق الريح

يظللها عجاج متلألئ من الغبار».

جدير بالذكر أنّ الأديب "سالم شاكر جبارة" توفي في العام 2003.