انتقل الشركس إلى "سورية" بعد التهجير الإلزامي للدولة العثمانية في بدايات الستينات من القرن التاسع عشر، وعلى الرغم من اندماجهم في المجتمع السوري، إلا أنهم حافظوا على هويتهم وتراثهم القبلي، ومنه تجهيز الخيول الشركسية الأصيلة.

في حديثه لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 25 أيلول 2017، قال الباحث "عدنان محمد مصطفى قبرطاي" عن هذه الخيول: «لقد عُرف الشركس باقتنائهم الخيول، حيث كان سعر الحصان الشركسي الأصيل يساوي أضعاف مثيله، وهذا يؤكد ما كتبه الرحالة والتاجر "جان باتيست" 1613-1643م: "إن ثروة الشراكسة ناتجة من تربية المواشي بوجه أساسي، وتربية الخيول الأصيلة والجميلة التي تشبه الخيول الإسبانية". وتُعدّ الخيول الشركسية من أغلى الخيول في العالم قاطبة، لامتيازها بالسرعة والقوة والجمال، وهذه السلالة كانت منتشرة بوجه خاص في "كاردينا" الشركسية شمال "القفقاس"، حيث كان نبلاؤها وأمراؤها يمتلكون مزارع للخيول، ولكل مزرعة وسم خاص يتم وسم الخيول بها، فالطبيعة التي تعيش فيها هذه الخيول جبلية، ساعدها ذلك في تميزها عن باقي الخيول العربية والإنجليزية».

لم يستخدم شراكسة "الجولان" المهاميز، بل كانوا يستعينون بسوط قصير خاص بركوب الخيل للتحكم بالجواد، وهذا السوط ذو شكل ممّيز، مُجدّل من الأوتار، مغلف بشريط حريري مطرز ملفوف عليه لولبياً، كما أن له قلنسوتين على طرفيه، تنتهي إحداهما بجديلة من الجلد في طرفها قطعة من الجوخ المطرز بخيوط فضية، كانت تساهم النساء عادةً في تطريزه وتغليفه

ويضيف عن حرفة تجهيز الخيول بالقول: «تعدّ صناعة تجهيزات الخيول واحدة من أهم الحرف عند الشركس (الأديغة) في "الجولان"، وهناك ثمة أشياء كثيرة ذات صلة بعدة الخيل وتجهيزاتها في ذلك الوقت، حيث كان للمرأة الشركسية قصب السبق من حيث الصناعات التكميلية من تزيين وخياطة الجلود والأقمشة، والعمل على صنع الأغماد و(التذهيب والتفضيض)، والإبداع في الرسوم على لوازم الخيول ومتمماتها من خلال تزيينها بأنواع من خيوط الذهب والفضة بشكل إبداعي».

السرج الشركسي وجميع لوازمه

وعن مراحل التجهيز، يضيف: «كانت صناعة السروج والتجهيزات الأخرى لحصان الركوب تؤلف مادة مهمة عند الحرفيين الشراكسة، وكان لا بد من اشتراك أربعة حرفيين لصناعة السرج الشركسي المتميز، وفي بدايتهم النجار الذي يصنع هيكل السرج، إذ يتميز الصانع بالدقة والحذق، ويقوم بصنع الهيكل الخشبي المتين للسرج ويلبّسه بالجلد الأسود أو الأحمر مع مخدات محشوة بالريش، كما يقوم بتزيين المقدمة والمؤخرة بصفائح كبيرة فضية مثبّتة جيداً، ومنقوشة برسوم لبعض البتلات النباتية التي كانت تنبت في "القفقاس"، أو النقوش الحيوانية المحفورة بالمينا المصنوع من خلائط الفضة، وتُسمى هذه النقوش بالشركسية "الساوت"، أمّا من يتولّى المهمة الثانية، فهو "السّراج"، حيث يقوم بتلبيس الهيكل الخشبي بالجلد الممتاز الذي يدعى "موروكو"، كما يصنع جميع السيور والأحزمة والحشوة التي ترتفع وتنخفض وفق وضعية الفارس أثناء الجري، وهذا الارتفاع والانخفاض يسبب خروج بخات من الهواء من داخل السرج إلى الأعلى عبر ثقوب صغيرة لجلد السرج، الذي يعمل على تهوية مقعد الفارس ويمنع تعرّقه.

ثالث الحرفيين المشاركين في هذه الحرفة، "الحدّاد" الذي يقوم بتجهيز كافة الأجزاء الحديدية الأخرى مع "المفاصل" و"الركاب" الفولاذية التي تُطلى عادةً باللون الأسود أو الأحمر، و"اللجام" الذي يُصنع من السيور الجلدية ويُزين بالأقراص الفضية المحفورة المزرقّة أو المذهبة، إذ جرت العادة عند الشركس أن يكون شعار العائلة موضوع النقش. وآخر الحرفيين يضع لمساته ويقوم بتزيين كل ذلك بالفضة المزخرفة بالمينا التي اشتهر بها الشراكسة منذ القدم هو "صائغ الفضة" الذي ينفّذ الديكورات الفضية اللازمة».

نماذج للسوط "الكرباج" الشركسي

وعن تتمة هذه الحرفة التي اندثرت في "الجولان" لعدة أسباب أهمها الاحتلال والتهجير القصري، يضيف: «لم يستخدم شراكسة "الجولان" المهاميز، بل كانوا يستعينون بسوط قصير خاص بركوب الخيل للتحكم بالجواد، وهذا السوط ذو شكل ممّيز، مُجدّل من الأوتار، مغلف بشريط حريري مطرز ملفوف عليه لولبياً، كما أن له قلنسوتين على طرفيه، تنتهي إحداهما بجديلة من الجلد في طرفها قطعة من الجوخ المطرز بخيوط فضية، كانت تساهم النساء عادةً في تطريزه وتغليفه».

السوط "الكرباج" الشركسي المتميز