ارتبطت حرفة صناعة "المهباش" بالبيئة البدوية في "الجولان" بوجه خاص، والبيئة الريفية بوجه عام، التي تشتهر بتقديم القهوة العربية في المناسبات؛ الشراب المفضّل والأساسي في المجتمع القروي.

لم يغبْ عن البال إمتاع الأذن بأصوات وألحان دقات "المهباش"؛ إذ لا يمكن أن تدخل بيت جولاني إلا وتسمع صوته، وتشمّ رائحة القهوة العذبة تعمّ أرجاء المكان، وعن هذا الإرث تحدث "خالد محمد الموسى الميساوي" من قرية "مويسة" في "الجولان" المحتل لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 1 حزيران 2019، وقال: «لهذه الأداة الخشبية البسيطة مكانة مهمة عند أهل "الجولان"؛ إذ تُعّد أحد أهم مقتنيات البيت الجولاني، وهي الأداة التي تُستخدم لطحن حبوب البُنّ بعد تحميصها. لا يمكن لنا تحديد تاريخ معين لـ"المهباش"، لأنه بدأ بقطعة خشبية مثقوبة في الوسط، وقطعة خشبية طويلة بعض الشيء لدقّ القهوة وطحنها في داخل القطعة المجوفة، وقد تطوّرت هذه الأداة بسبب كثرة دقّ القهوة بداخلها، نظراً إلى الصلابة التي تحدث بفعل دقّ القهوة المتواصل وإغلاق جزيئات الخشب. و"المهباش" عبارة عن كتلة خشبيّة أسطوانيّة الشّكل في ثلاثة أرباعها السفليّة، قطرها 30سم، ومخروطيّة الشّكل في ربعها العلويّ الذي ينتهي بفتحة قطرها ما بين 8-10سم، وتمتد هذه الفتحة في عمقها إلى داخل الكتلة الخشبيّة بما يساوي ثلثي ارتفاعها الذي يكون بمجمله نحو 35سم، وله يدٌ خشبيّة على شكل أسطوانة رفيعة قطرها أقل من قطر فوهة "المهباش"؛ بما يسمح لها بالدخول إلى عمقه، وطولها 80سم، ويُطلق على "المهباش" تسميات عدّة، منها: الجرن، والنجر، والمدق».

جميع تسميات "المهباش" الأخرى تفضي إلى معنى واحد؛ وهو طحن وتفتيت الحبوب التي توضع بداخله لهذه الغاية، لكن تسمية "مهباش" هي لفظة تعني في اللغة النحوية "جَمَعَ"، وعليه فإنه الوسيلة التي يُجمَع بها الناس، وتتم دعوتهم من خلالها لأمرٍ ما، كما أن الرواية الشفوية تقول إن شيخ إحدى العشائر كان لديه خادم اسمه "مهباش"، كلما أراد أن يجمع أفراد عشيرته أرسل "مهباشاً" لينادي لهم، وبعد موته استعان الشيخُ بأخيه، فلم يكن يجيدُ ما كان يقوم به أخوه، فأشار إليه الناس للضرب بالجُرن والاستعانة به كوسيلة للفت انتباه الناس إلى بيت الشيخ ودعوتهم إليه، وحصل أن سُمّي الجرن آنذاك "المهباش"، تكريماً وتخليداً لمرسال الشيخ

ويضيف "الميساوي": «جميع تسميات "المهباش" الأخرى تفضي إلى معنى واحد؛ وهو طحن وتفتيت الحبوب التي توضع بداخله لهذه الغاية، لكن تسمية "مهباش" هي لفظة تعني في اللغة النحوية "جَمَعَ"، وعليه فإنه الوسيلة التي يُجمَع بها الناس، وتتم دعوتهم من خلالها لأمرٍ ما، كما أن الرواية الشفوية تقول إن شيخ إحدى العشائر كان لديه خادم اسمه "مهباش"، كلما أراد أن يجمع أفراد عشيرته أرسل "مهباشاً" لينادي لهم، وبعد موته استعان الشيخُ بأخيه، فلم يكن يجيدُ ما كان يقوم به أخوه، فأشار إليه الناس للضرب بالجُرن والاستعانة به كوسيلة للفت انتباه الناس إلى بيت الشيخ ودعوتهم إليه، وحصل أن سُمّي الجرن آنذاك "المهباش"، تكريماً وتخليداً لمرسال الشيخ».

"خالد محمد الموسى الميساوي"

وعن صناعة "المهباش" وأجزائه يقول "الميساوي": «تُصنع المهابيش من الخشب الخام الذي يؤخذ من جذوع الأشجار الحراجيّة والمعمرة المنتشرة في "الجولان"، ولا سيما في كل من واديي "مسعود"، و"الزيتون"، ويأتي في مقدمته خشب البطم، ويليه خشب البلوط، وفي المرتبة الثانية خشب الزان والخروب والسّدر والسنديان. يتكون من قطعتين رئيستين؛ بدن المهباش (الجرن)، ويده، ويتألف البدن من القاع، وهي القاعدة ذات الشكل الدائري في أسفل البدن؛ التي توضع على الأرض، والطوق السفلي الذي هو الحلقة الدائريّة التي تعلو القاع، وصحن "المهباش"؛ أي التجويف الداخلي يُحفر في البدن من الجوانب، ولكل "مهباش" أربعة تجاويف لها أغراض جمالية إلى جانب أنها تسهم بالتخفيف من وزنه عند الحمل، وعمود "المهباش" يوجد في البدن، وله أربعة أعمدة تتباين في ارتفاعها بما يتناسب مع حجمه، وهناك الكرش الذي هو الجزء النافر من وسط البدن، ووظيفته أنه يُعطي لـ"المهباش" شكله الكمّثري، والخصر الذي يوجد أعلى الكرش، ويعطي للبدن شكلاً جميلاً، ويسهم بالتخفيف من وزنه، وهناك الطوق العلوي، والوجه الذي هو المساحة التي تفصل بين الطوق العلوي والفوهة أو الفتحة التي تدخل فيها العصا، و"الفوهة" أي فتحة "المهباش"، وصفرة "المهباش" عبارة عن إضافة رقائق الألمنيوم أو النحاس، أو الفضّة والذهب في بعض حالات الترف، تُحفر عليها الزخارف للزينة».

أما عن استخداماته، فيتحدث "زياد محمد عمران" أحد أبناء "الجولان": «لـ"المهباش" عدة استعمالات؛ نشأت وتطورت حسب الحاجة، وخضعت لتبدلات وتغيرات النمط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأهل "الجولان"، فكان الاستخدام الطبيعي لطحن حبيبات البنّ بعد تحميصها، لهذا اقتنى الأهالي "المهابيش" في بيوتهم، وكل ما يرتبط بإعداد القهوة العربية ومفرداتها.

بعض أدوات المهباش

وتاريخياً، فإن هذه المهمة كانت تعتمد على الرجال حصراً؛ لما فيها من مشقة نحو إشعال النار وطحن حبات البنّ وتحميصها قبل تحضيرها وتقديمها للضيوف، ويُدعى الشخص الذي يقوم بإعداد القهوة بالمصطلح الشعبي المعروف "الفداوي"، وهو بالضرورة يتفنن في دق "المهباش" بحرفية عالية، إلى جانب تمّيزه بإعداد القهوة المرّة؛ التي أطلق عليها الرحالة "نبيذ العرب"، وكان "الفداوي" الذي يتسبب بكسر "المهباش" خلال النجر؛ أي الدق المتواصل يحصل على مكافأة خاصة؛ وهي عبارة عن عباءة أو رداء يسمى (لباس الجرن)، وذلك لأن كسره دليل على كرم صاحب المضافة التي لا تنطفئ ناره ولا تهدأ "مهابيشه" عن طحن القهوة العربية، وتقديمها للضيوف.

وعن الاستخدام التشويقي أو الموسيقي، فهو فن طحن القهوة والإيقاعات الموسيقية التي يؤلفها "الفداوي" أو يرتجل من خلال ضربات "المهباش" المتواترة التي تبعث التشويق والإثارة وتدخل السرور إلى قلوب الضيوف».

"زياد محمد عمران"