«يذكر أنجيل "متى" الرسول 16/13_19 أن السيد "المسيح" توجه في إحدى جولاته مع تلاميذه إلى "قيصرية فيلبي" وهي مدينة "بانياس" في أقصى شمال الجولان، حيث وقف أمام كهف "بان" العظيم الذي يخرج منه نبع الأردن، حيث سلم "يسوع" رسوله "بطرس" مقاليد السلطة في الكنيسة، هذا الحدث المفصلي في تاريخ المسيحية حدث على أرض الجولان ومن هنا تعد أرض الجولان أرضاً مقدسة ومقصداً للحجاج المسيحيين السائرين على خطا السيد "المسيح"».

وفي تصريح للباحث "تيسير خلف" لموقع eQnuatyra عن هذا الكهف قائلاً: «لقد تحول إلى مركز مهم من مراكز استقطاب الحجاج المسيحيين منذ العصور الوسطى، فقد زاره معظم الحجاج الذين زاروا الشرق قبل الحروب الصليبية، كما أنه حظي باهتمام خاص في القرن التاسع عشر مع ظهور علم الآثار الكتابي، الذي نشأ على يد أساقفة مسيحيين كانوا يسعون لتحديد المواقع التي زارها السيد المسيح في المنطقة لتقرير أماكن الحج والزيارة».

لقد تحول إلى مركز مهم من مراكز استقطاب الحجاج المسيحيين منذ العصور الوسطى، فقد زاره معظم الحجاج الذين زاروا الشرق قبل الحروب الصليبية، كما أنه حظي باهتمام خاص في القرن التاسع عشر مع ظهور علم الآثار الكتابي، الذي نشأ على يد أساقفة مسيحيين كانوا يسعون لتحديد المواقع التي زارها السيد المسيح في المنطقة لتقرير أماكن الحج والزيارة

ويشير الباحث "خلف" إلى أن هذا الموقع يحظى أيضاً باهتمام خاص لمتصفحي شبكة الانترنت، إذ قدر عدد المواقع التي تتحدث عن كهف بانياس بحوالي ربع مليون موقع. وأكد "خلف" أن الاحتلال الصهيوني للجولان ينتهك القوانين الدولية في هذا الموقع ويقوم بعمليات تنقيب واستغلال سياحي إذ يزيد عدد زوار هذا الموقع من الحجاج المسيحيين على مئة ألف حاج سنوياً».

أثار أمام الكهف

ويذكر كتاب (المسيح في الجولان.. تاريخ وآثار) للباحثين "تيسير خلف" و"عزالدين سطاس" صفحة (26-34): «بأن "بانياس" استمدت اسمها من الإله الوثني "بان" وهو إله (الرعاة والغابات والحيوانات البرية والجبال عند الإغريق) لقد كانت "بانياس" مدينة ذات شأن في العهد السلوقي، وازداد شأنها في العهدين الروماني والبيزنطي، حيث قامت فيها حركة عمرانية واسعة وحركة تجارية وزراعية متطورة، وارتبطت بالمدن الكبرى في المنطقة، عبر طرق رئيسة منها طرق: (بانياس ودمشق وبانياس)ـ أذرعات (البثنية- باتانيا) و(بانياس وطبرية وبانياس وصور)، وحظيت بالأمن والاستقرار ولاسيما في العهد البيزنطي، وتوسعت حتى امتدت غربي النهر وفي العصور الوسطى، بلغت مساحة المدينة القديمة نحو (75 ـ 100) دونماً، وهناك من يعتقد أنها كانت إحدى المدن العشرة، المعروفة "بالديكابولس"، وهي حلقة من المدن ارتبطت معاً ضماناً للازدهار التجاري والدفاع المشترك».

أما عن تاريخها الديني فيذكر الكتاب: «تشير بعض الدراسات إلى أن موقع "بانياس" كان مقدساً منذ فترة عبادة "البعول"، وهناك من يعتقد أنها هي نفسها موقع معبد "بعل جاد" أو "بعل حرمون" ولكن الشائع أن السلوقيين هم أول من عزا إلى "بانياس" قوى ميتافيزيقية، بعد أن ذكرتهم مناظرها الطبيعية بموطنهم، لقد نقل هؤلاء أساطيرهم المتعلقة بالإله "بان"، إله (الرعاة والصيد والغابات والحيوانات البرية، والجبال المشهورة أيضاً بمزماره) ووفق الأسطورة يعود فضل انتصار السلوقيين على البطالمة إلى هذا الإله، فقد جعل "بان" فيلة الأعداء تصاب بالذعر، خلال معركة (بانيون) التي دارت بين الطرفين، من أجل السيطرة على المنطقة، ويعتقد أنهم أطلقوا على الموقع اسم "بانياس"، بعد هذه المعركة تكريماً وتخليداً له».

وتصف الأسطورة هذا الإله الوثني وتقول: «إن نصفه على شكل إنسان في حين نصفه الآخر على هيئة تيس، وتتباين الآراء حوله فهو يسكن في المغاور والكهوف، وهو طائش ومرح ويعزف بمزماره القصبي أو مزمار الرعاة ويسلي حوريات الماء والحيوانات ويعشق النساء وتعشقه الفتيات والحسناوات، ويقيم حفلات صاخبة ماجنة طوال الليل، ترقص فيها الحوريات على أنغامه، وهو في الوقت ذاته كائن قبيح إلى درجة مخيفة.

شيد الإغريق معبداً لهذا الإله في هذا الموقع الرائع وقرب المغارة الكبيرة، التي تشكل أحد مكونات المشهد العام الأساس، وربما كان هذا المعبد أصلاً (لبعل حرمون)، وأصبح لاحقاً للإله "بان"، وهو معبد جمع بين المنظر الطبيعي الساحر بجماله وهيبته، وبين فنون الهندسة المعمارية والنحت، وبشكل يتناسب مع الطبيعة الخاصة لهذا الإله، هي طبيعة محببة ومخيفة في آن واحد وأقام "هيرودوس" الكبير في "بانياس" هيكلاً، تكريماً لأغسطس قيصر، وكله من الرخام الأبيض ولعله بنى له أيضاً قصراً، لقد احتفظ معبد "بان" بأسراره حتى الوقت الراهن فكل ما عثر عليه حتى الآن هو بقايا عبادة هذا الإله، من أهمها مجموعة تجاويف (كوى جدارية)، تزينها كتابات إغريقية، منحوتة في الصخر، ويبدو أن تماثيل الإله "بان" كانت توضع في هذه الكوى، التي تمتد على يمين المغارة الكبيرة».

الباحث تيسير خلف

ويصف الكتاب: «بأن منطقة الجولان كانت معقلاً وثنياً وكانت بانياس أحد أهم المراكز الوثنية، إن لم نقل المركز الرئيس، وقد أولى السيد المسيح اهتماماً خاصاً بهذه المنطقة، عبر عن نفسه في الزيارات المتكررة، التي قام بها، للعديد من المواقع في الجولان (كبانياس وبيت صيدا والكرسي وفيق وسوسيا) على سبيل المثال، فحظيت هذه المنطقة بشرف الاهتمام، والزيارة والانتقال من الوثنية إلى المسيحية ودعم السيد المسيح، والمساهمة في نشر المسيحية، والحصول على حيز كبير في جغرافية سيرته الخالدة.

ويشير هنا بأن السيد "المسيح" قام بزيارة خاصة لبانياس بالغة الأهمية، حيث سلم "يسوع" رسوله "بطرس" مقاليد السلطة في الكنيسة، فقد اتخذ السيد "المسيح" من معبد "بان" الوثني في "بانياس" مثلاً محسوساً فاختار "بطرس" أمام هذا الهيكل الجبار، ليقيمه راعي رعاة الكنيسة وأساساً لها، وقد ورد في أنجيل "متى" 16/13 ـ 19 ما يلي:

ولما انتهى "يسوع" إلى ضواحي قيصرية "فيليبي" سأل تلاميذه قائلاً: «من ترى ابن البشر في نظر الناس؟

قالوا: بعضهم يقول إنه "يوحنا" المعمدان، وغيرهم: انه "إيليا"، وغيرهم انه "إرميا"، أو واحد من الأنبياء.

ـ فقال لهم: وفي نظركم، أنتم، من أنا؟

أجاب "سمعان بطرس"، وقال: أنت المسيح، ابن الله الحي.

ـ أجاب يسوع، وقال له: طوبى لك يا سمعان باريونا، فإنه ليس اللحم والدم أعلنا لك هذا، بل أبي الذي في السماوات، وأنا أقول لك: أنت صخر، وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، وسأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السماوات».

وقد انتشرت المسيحية ببطء في بادئ الأمر في (بانياس والجولان)، بسبب المقاومة الوثنية واضطهادات الأباطرة وولاتهم والحكام المحليين، وبدأت المسيحية تلقى تجاوباً متنامياً، منذ بدايات السلام الروماني، الذي بزغ فجره في عهد الإمبراطور "قسطنطين" الكبير، بعد أن أطلق الحرية للدين المسيحي وشجعه في عام 313، فتحولت منطقة الجولان برمتها، من الوثنية إلى المسيحية، وتولى أمراء الغساسنة النصارى أمر الحفاظ عليها وانتشارها وازدهارها فشيدت الكنائس والأديرة في ربوع الجولان، وحظيت مدينة "بانياس" بكرسي أسقفي لمنطقة الجولان».

وجدير بالذكر: «أن مدينة "بانياس" الجولانية المحتلة تقع عند الأقدام الجنوبية الغربية لجبل حرمون (الشيخ)، وفي زاوية ملتقى واديي خشبة في الشمال، وسعار في الجنوب، مع نهر بانياس، وعلى بعد (18) كم شمال غرب مدينة القنيطرة، حاضرة الجولان، و(15) كم جنوب شرق مرجعيون في لبنان، و(37) كم شمال بيت صيدا، و(6.5) كم غرب بحيرة مسعدة (رام، فيالا)، وعلى ارتفاع (320) متراً فقط، فوق سطح البحر».

ملاحظة: صور الكهف من ملحق الصور لكتاب (المسيح في الجولان) تاريخ وآثار للباحثين "تيسير خلف" و"عزالدين سطاس".