ترد في وثائق الكنيسة أخبار عن أبرشية "بانياس" باعتبارها جزءاً من ولاية "فينيقيا" الرومانية، وقد حضر أساقفتها جميع المجامع الكنسية العالمية التي أسست للديانة المسيحية. فما قصة هذه الأبرشية؟ وما أبرز محطاتها؟ وما موقعها في تاريخ الديانة المسيحية؟؟.

يؤكد الباحث بتاريخ الجولان الأستاذ "تيسير خلف": «إن أبرشية "بانياس" أقيمت في بداية تأسيس النظام الكنسي أي في القرن الرابع الميلادي، وتحديداً في زمن الإمبراطور قسطنطين. حيث حضر أسقفها "فيلوكالوس" مجمع "نيقية" المسكوني الأول الذي حضره الإمبراطور قسطنطين ووضع فيه أول قانون للإيمان المسيحي. وهو ما يؤكد أن المسيحية كانت منتشرة في الجولان خلال ذلك الزمن المبكر، وأنها واحدة من أمهات الكنيسة».

إن أبرشية "بانياس" أقيمت في بداية تأسيس النظام الكنسي أي في القرن الرابع الميلادي، وتحديداً في زمن الإمبراطور قسطنطين. حيث حضر أسقفها "فيلوكالوس" مجمع "نيقية" المسكوني الأول الذي حضره الإمبراطور قسطنطين ووضع فيه أول قانون للإيمان المسيحي. وهو ما يؤكد أن المسيحية كانت منتشرة في الجولان خلال ذلك الزمن المبكر، وأنها واحدة من أمهات الكنيسة

وكلمة "أبرشية" كما يقول الباحث "خلف" «هي أصغر وحده في النظام الكنسي. وهي جزء من أجزاء المركز. ويرأس الأُسقف الكنيسة الخاصة بالأبرشية، سميت هذه الأبرشية باسم "بانياس"، لأن كرسيها كان في هذه المدينة، التي كانت تلقب بـ"المدينة العظيمة" و"مدينة الله" ويرجح أن تاريخ تأسيس هذه الأبرشية، وقيام أسقف عليها، يرتقيان إلى عهد الرسل.

الباحث تيسير خلف

كانت "بانياس" كرسياً أسقفياً لأبرشية في القرن الرابع، ودخلت ضمن تبعية فينيقية الأولى (البحرية) وقاعدتها مدينة ومتروبوليتية صور، الخاضعة لبطريركية إنطاكية، في نهاية القرن الرابع، ومطلع القرن الخامس، واحتلت المرتبة الثانية عشرة، في سلم الأسقفيات التابعة لصور، وتميزت عن هذه الأسقفيات الاثنتي عشرة بأنها كانت الوحيدة، التي لا تقع على البحر، وتظهر العودة إلى سجل إعادة تنظيم إدارة الأبرشيات، في البطريركية الإنطاكية، وفي صلاحيات هذه البطريركية في القرن العاشر (910 ـ 968) أن "بانياس" كانت أيضاً تابعة لميتروبوليتية صور الكبرى، والتي بلغ عدد أسقفياتها ثلاث عشرة أسقفية.

احتلت "بانياس" المرتبة العاشرة في قائمة هذه الأسقفيات وخضع أسقف بانياس لرئيس أساقفة صور اللاتيني، التابع لبطريركية إنطاكية اللاتينية، خلال حملة الفرنجة، ونشوء المملكة اللاتينية (ق11 ـ 13)، وقد انتشرت النزعة الآريوسية بين بعض أبناء المنطقة، حتى أن "نرقيس" أسقف بانياس، اتهم بها في العقد الرابع من القرن الرابع، وتأثرت الأبرشية بعض الشيء بالمونوفيسية* في القرنين الخامس والسادس، لوقوعها تحت حكم الغساسنة، وذلك رغم أن الأسقفيات الجنوبية (الفينيقية الأولى) كانت خلقيدونية، بعكس الأسقفيات الشمالية (من بيروت إلى الشمال)، التي انضمت إلى المونوفيسية، عنوة أو اختياراً، ومع هذا بقيت بانياس مركز مقاومة ضد المونوفيسية، التي تزعمها ساويروس بطريرك أنطاكية (512 ـ 518)».

إعادة بناء تخيلية لكاتدرئية بانياس

ويرى الباحث "تيسير خلف": «إن الفتح الإسلامي "لبانياس" تم بعد معركة اليرموك مباشرة، حيث سلمت الأبرشية التي كانت تتبع للروم الملكيين إلى الكنيسة السريانية التي تظهر وثائقها أنها عينت أسقفا سريانياً فيها ودخلت ضمن نظام الكنيسة السريانية باسم أسقف الجولان، غير أن تبعية هذه الأبرشية عادت للملكيين الروم بعد ذلك بدليل الوثائق الكنسية للروم الأرثوذكس التي بقيت تتناول هذه الأبرشية في سجلاتها إلى مرحلة ما قبل الحروب الصليبية، وهو ما يدل على أن الصليبيين قضوا على هذه الأبرشية التي عاشت في ظل الدولة العربية الإسلامية لخمسة عقود بسلام».

وتشير الوثائق الكنسية إلى عدد من الرموز الجولانية في التاريخ المسيحي بهذه الأبرشية ومنهم: الأسقف "فيلوكالوس البانياسي" حضر مجمع نيقية المسكوني الأول عام 325 م ممثلاً لأبرشية "بانياس". الأسقف "نرقيس" حضر مجمع إنطاكية سنة 324م كان من كبار الأساقفة في مجمع نيقية سنة 325م، واشترك في تكريس كنيسة إنطاكية المثمنة، وشارك في مجمع إنطاكية المحلي سنة (341)، من أعضاء الوفد الخماسي والذي أرسله مجمع إنطاكية سنة (342) إلى الإمبراطور قسطنطين من أجل نقل دستور إنطاكية الرابع إلى سرميوم، ثم شارك في مجمع سلفكية ايصورية، بقرب الساحل الكيليكي سنة 359م.

بقايا الكادتدرائية التي بنيت في بانياس ويبدو حوض التعميد

الأسقف "مرتيريوس" كان أسقفاً إبان الردة الوثنية ضد المسيحية، التي ترأسها الإمبراطور "يوليانوس الجاحد" [360-363م]، والذي حطم تمثالاً للسيد المسيح في بانياس، وأقام مكانه تمثالا لنفسه، كما أنه أحرق الأسقف مرتيريوس.

"باروخيوس" حضر مجمع القسطنطينية المسكوني الثاني عام (381م).

"أوليمبوس" حضر مجمع خلقيدونية المسكوني الرابع عام (451م). القديس "أراستس" من التلاميذ السبعين، قال عنه "بولس" الرسول إنه كان "خازن المدينة" [رو 16/23]، ربما مدينة "كورنثوس"، أو مدينة القدس، بحسب مصادر أخرى، وصار فيما بعد أسقفا على بانياس، تقيم له الكنيسة البيزنطية تذكاراً في العاشر من شهر تشرين الثاني.

القديس "بروكوبيوس البانياسي" المعترف قاوم بشدة "هرطقة لاون الايصوري"، في حرب الأيقونات، تعرض لأشد العذاب، وسجن في سبيل الإيمان، وخرج منه بعد أن مات ذاك الملك، وتذكاره في السنكسار البيزنطي في يوم السابع والعشرين من شباط.

القديس "غريغوريوس البانياسي الديكوبوليتي" ولد في بدايات النصف الثاني من القرن الثامن، في مدينة "بانياس" الجولانية على الأغلب، ولقب بالديكوبوليتي، نسبة للمدن العشرة [الديكابولس]، كان يتوق إلى حياة التنسك، والانفراد، والصوم، والصلاة، ورغب في الترهب، انتقل إلى أفسس في تراقيا، بعد عيش في البراري، ثم توجه إلى "سيراكوزا" في جزيرة صقلية، ثم إلى تسالونيكي، ومن هناك إلى كلابريا فروما، ثم إلى القسطنطينية، وكانت حياته موعظة حية للمؤمنين ومات في عام (842 م) بعد مرض. تقيم له الكنسيتان البيزنطية والرومانية تذكاراً في العشرين من شهر تشرين الثاني».

وعن آثار الأبرشية يقول"خلف": «عثر على آثار كنيسة الأبرشية إلى الشمال من نبع "بانياس"، حيث نجد ساحة رئيسة، مبنية على شكل أقواس، وتقوم على صخرة ملساء، وتتشابك في جدرانها أعمدة، ومداميك قديمة، إضافة إلى صخرة منحوتة ملساء، تقع إلى الغرب من الساحة، وترتفع عدة أمتار، وقد عثر بالقرب منها على مذبح صغير، وربما حوض تعميد، يعود إلى العهد البيزنطي ويبلغ ارتفاعه نحو 80 سم، ويلاحظ في وسطه حفرة مربعة، وهو جميل جداً، غني بالزينات المحيطة به، من كافة الجوانب، ويعتقد أن هذا الحوض وهذه المساحة هما من مكونات كنيسة بانياس».

ملاحظة: الصور من أرشيف الباحث

  • مذهب الطبيعة الواحدة. انتشر في القرون الأولى في الشرق المسيحي وهو يقول بأنّ في المسيح "طبيعة واحدة". ولقد اتّخذت المونوفيزيّة أشكالاً مختلفة جداً، فهي تنشأ، عند أبوليناريوس اللاذقيّ، عن عدم وجود ناسوت كامل في المسيح، في حين أنّها لا تفترض ذلك عند أوطيخا. أمّا بعد انعقاد مجمع خلقيدونية (451) الذي أدان المونوفيزية، فالمقصود عند ساويرس الأنطاكيّ مثلاً، هو مسألة صيغة، إذ إنّ اللاخلقيدونييّن يكتفون بعبارة "طبيعة" كما استعملها كيرلّس الإسكندريّ، ويرفضون الصيغة الخلقيدونيّة (طبيعتان).