من المدن المهمة في العصور الكلاسيكية في الجولان مدينة "سوسيا" أو "هيبوس" كما ترد في الوثائق اليونانية والرومانية والبيزنطية، وهذه المدينة التي كانت ضمن تحالف المدن العشر (الديكابوليس) كشف عمليات التنقيب عنها في السنوات الأخيرة، ولم يعد موقع هذه المدينة لغزاً يحير العلماء.

تقع مدينة "سوسيا" (هيبوس) شمال "كفر حارب" بحوالي 1 كم، وجنوب "شكوم" بحوالي 2 كم، وشرق بحيرة "طبريا" بحوالي 1.5 كم، وغرب "فيق" بحوالي 3.5 كم. وهي مدينة "حصينة"، بنيت على أرض، لها شكل مثلث متساوي الساقين تقريباً، قاعدته في الشرق، تتصل مع سهول "الزوية"، ورأسه في الغرب، يشرف على بحيرة "طبريا"، وامتداد سهل "البطيحة" جنوباً، وساقه الشمالية تطل على السفح الأيسر لوادي "النقيب"، الذي يفصل المدينة عن "تل عكار" في الشرق، و"تل قرين" "جراده" في الغرب، وساقه الجنوبية تشرف على السفح الأيمن لوادي "الجاموس"، الذي يفصل المدينة عن "تل أسود"».

إن هذه المدينة شيدت في موقع استراتيجي، تتوافر فيه شروط ومقومات الأمن والازدهار، فالموقع محصن طبيعياً، بجروف شديدة الانحدار، في الشمال والغرب والجنوب، ويطل على بحيرة "طبريا"، التي تتميز بثروتها السمكية، ويتصل شرقاً بسهول "الزوية"، المعروفة تاريخياً، بثرواتها النباتية والحيوانية، ويتحكم بعدة طرق تربط مختلف أقاليم بلاد الشام، ويتمتع بمناخ معتدل، ماطر نسبياً

يقول الباحث "عز الدين سطاس" لموقع eQunatyra: «إن هذه المدينة شيدت في موقع استراتيجي، تتوافر فيه شروط ومقومات الأمن والازدهار، فالموقع محصن طبيعياً، بجروف شديدة الانحدار، في الشمال والغرب والجنوب، ويطل على بحيرة "طبريا"، التي تتميز بثروتها السمكية، ويتصل شرقاً بسهول "الزوية"، المعروفة تاريخياً، بثرواتها النباتية والحيوانية، ويتحكم بعدة طرق تربط مختلف أقاليم بلاد الشام، ويتمتع بمناخ معتدل، ماطر نسبياً».

حلي ذهبية

ويؤكد الباحث بتاريخ الجولان الأستاذ "تيسير خلف" أن اسم المدينة الآرامي "سوسيا"، يعني الأحصنة، وهو الاسم الذي ترجمه الإغريق عندما استولوا على المنطقة في العهد السلوقي البطلمي إلى كلمة "هيبوس"، وهي كلمة إغريقية، تعني أيضاً الحصان، وقد أطلق على عموم المنطقة اسم "هيبينة"، أما الآن فيسميها العامة قلعة الحصن (جمع حصان). ويعتقد أن هذا المعنى الواحد للتسميات المختلفة، يعود إلى ظاهرة جغرافية في المكان، إذ يبدأ الموقع من الزاوية اليمنى كرأس حصان وعنقه، ويلاحظ في الجانب الشرقي للموقع، وجود جرف جبلي، مقوس على شكل سرج الحصان، ويعرف باسم (سرج سوسيا)، ويشكل حلقة الوصل مع محيطه الشرقي».

ويضيف الباحث "خلف" إن "سوسيا" شيدت في القرن الثاني قبل الميلاد، أي في العصر الهيلنستي، وتطورت لاحقاً، حتى أصبحت إحدى مدن الديكابولس، (المدن العشرة)، ذات الطبيعة الثقافية الإغريقية، واستمرت في الازدهار، خلال العصرين الروماني والبيزنطي، حيث تحددت هويتها المسيحية ببناء أربع كنائس مميزة، ويرجح أن المدينة اكتسبت قدسيتها بسبب اعتقاد الكثير من المؤمنين بأنها كانت آخر محطة للسيد المسيح في جولته على مدن الديكابوليس، حيث قام بمعجزة إطعام خمسة آلاف إنسان».

الباحث "تيسير خلف"

ويشير "خلف" إلى أن "سوسيا" كانت أبرشية أرثوذكسية تابعة لولاية فلسطين الثانية حسب التقسيمات الإدارية الرومانية، وكانت تتبع لأبرشية "سوسيا" مجموعة من الكنائس والأديرة الواقعة في جنوب الجولان».

وعن تاريخها في العصور الإسلامية يقول الباحث "خلف": «إن المؤرخ "البلاذري" ذكرها باسم "سوسيا" في فتوح البلدان، حيث حدد موقعها في جند الأردن، وبالتالي كانت ضمن المدن والحصون التي فتحها "شرحبيل بن حسنة" صلحاً وأمن أهلها على أنفسهم وأموالهم وأولادهم وكنائسهم ومنازلهم، أما "ابن خرداذبة" أحد أهم جغرافيي مطلع العصر العباسي، فيؤكد أنها كورة، أي إقليم بالمعنى المعاصر، وهي إشارة واضحة إلى أن "سوسيا" كانت مركزاً لإقليم يأخذ اسمه منها».

سوسيا .. هيبوس..قلعة الحصن

ويؤكد "تيسير" أن "سوسيا" حافظت على مكانتها وطابعها المسيحي في العصر الأموي، إلى أن ضربها زلزال عام 749 ميلادي المدمر والذي أسفر عن تدميرها وخرابها، حيث يقدر بعضهم أن عدد سكانها بلغ في ذروة ازدهارها ما بين 10 إلى 20 ألف نسمة».

وقد كشفت عمليات التنقيب في الموقع عن آثار تؤكد مكانة المدينة، ومدى تطورها، وازدهارها، منها ساحة مركزية، مرصوفة بأحجار بازلتية، وتحيط بها أعمدة، نصبت على قواعد رخامية، وحملت تيجاناً رخامية، وفيها قاعدة، يبدو أنها مخصصة لحمل تمثال لشخصية مميزة، وتعد أول قاعدة من هذا النوع، يتم العثور عليها في الجولان، ويعتقد أن هذه القاعدة لها علاقة بالمسألة الثقافية، كما عثر على مجموعة كبيرة من النقود التي تعود لمختلف العصور الهيلينية والرومانية والبيزنطية والأموية، أقدم قطعة تم سكها عام 285 قبل الميلاد في صور، وأحدث قطعة مسكوكة في العهد الأموي في طبريا عام 734 ميلادية».

وتبدو في الموقع آثار شارع رئيسي (cardo)، تتفرع عنه كل شوارع المدينة، وهو ما يعبر عن مكانة "سوسيا" وتقدمها العمراني، وتم الكشف أيضاً عن البوابة الشرقية للمدينة، وهي بوابة من الصخور البازلتية المنحوتة، وهناك آثار هيكلين وثنيين، يحملان طابع الهندسة المعمارية الهيلنستية. الأول يوناني، يعود إلى القرن الثاني قبل الميلاد، والثاني روماني، يعود إلى القرن الأول الميلادي. وتمر في الموقع على بقايا أربع كنائس، بنيت في العصر البيزنطي، تقع إحداها في الجزء الشمالي الغربي من المدينة، والأخرى في الجانب الشمالي الشرقي».

ويؤكد الباحث "عز الدين سطاس" أن المدينة عانت في البداية من مشكلة نقص الماء، واعتمدت على أحواض تخزين، في توفير الماء اللازم، فقد عثر في الجزء الغربي من المدينة على بركة كبيرة، وأخرى صغيرة، مجصصة، ويعتقد بعضهم أن النافورة المعقدة التصميم، كانت في هذا المكان. وقد حلت المدينة مشكلة الماء لاحقاً، بتقنية تنم عن معرفة دقيقة بطبوغرافية الأرض، والقدرة على توظيف المواد المحلية، في نقل الماء، فقد جلب الماء إلى المدينة، من أعالي وادي العال، من نبع الجوخدار وعلى امتداد 25 كم، عن طريق نحت قناة في الصخور، في بعض الأجزاء، وتركيب حجارة بازلتية مجوفة، قابلة للوصل، في أجزاء أخرى، ورفعت الحجارة المجوفة على أعمدة، في بعض الأماكن المقعرة. وفتحت فتحات دائرة في القناة، من أجل التهوية، وتخفيف الضغط على الماء الجاري، وتسهيل عملية تنظيف القناة، ويلاحظ أن القناة كانت تمتد داخل المدينة، تحت الأرصفة المرصوفة، وتملأ أحواض التخزين».

ويضيف "سطاس" أن في الموقع بقايا خندق مائي وسور، تقع خارجه تلال تضم كهف دفن من العصر الروماني، ويشار إلى أن المدينة تطل غرباً على تل، نحتت الرياح والمياه فيه تشكيلات لافتة للنظر، وأوحت بتسميته بتل خلية النحل، وتل الدمى أو اللعب.

ويرى "خلف" أن «المدينة بنيت وفق مخطط هندسي جيد، ويؤكد استخدام الرخام والغرانيت المستوردين، أن المدينة شهدت ازدهاراً اقتصادياً، وعلاقات تجارية متشعبة مع المراكز الحضارية التي عاصرتها، كما تؤكد عملية نقل الماء من مسافات بعيدة تطوراً علمياً، ولاسيما في مجال الطبوغرافية والهندسة المائية، وكذلك تؤكد كثرة المعالم الروحية- الثقافية في الموقع المكانة الثقافية التي احتلتها هذه المدينة».

يشار إلى أن صحيفة (عمل همشمار) الإسرائيلية، نشرت يوم 6/11/1994 خبراً بقلم "بتسلئيل عميكام"، يقول: إن أعضاء من المنظمة اليهودية المتدينة (ك.ش.ت) انتزعت التيجان في قلعة الحصن، واقتلعت الأرضيات الفسيفسائية، وشوهت تماثيل الأسود*

  • من كتاب (المسيح في الجولان) تاريخ وآثار صفحة (56) للباحث "تيسير خلف" و"عز الدين سطاس" الطبعة الأولى 2006.
  • الصور من أرشيف الباحث "تيسير خلف".