ولد الشيخ محمد الفرج السلامة عام 1889 م، وهو شيخ عشائر الولدة التي تعتبر من كبرى عشائر وادي الفرات المتحدرة من البوشعبان اليمنية.

انتخب السلامة نائباً في البرلمان السوري عام 1936 عن قضاء الرقة إبان الاحتلال الفرنسي، وفي 4 تموز عام 1941 أعلن غفان التركان «من أعيان الرقة» تمرده على الاحتلال الفرنسي، وأقام حكومة الرقة «الدولة الغفانية» ليوم واحد، وتسمى هذه السنة سنة الفلتة، حيث أقدم غفان مع رجاله على إحراق النفوس والوثائق في السرايا القديمة، ثم تابع لاقتحام الثكنة، فتصدت له الدفاعات الفرنسية، وأبعدته عن الرقة، فعبر الفرات باتجاه قرى الكسرات، فأقدمت القوات الفرنسية على ضرب القرى المواجهة لمدينة الرقة، فقبض الفرنسيون على خمس عشرة امرأة من نساء المنطقة، وأودعن في سجن السرايا للضغط على غفان ورجاله، فاقتحم السلامة السجن وأفرج عنهن متحدياً قوات الاحتلال الفرنسي، فنذرت امرأة منهن تدعى حميسة بقص شعرها على الشيخ عند وفاته «من عادات أهل المنطقة» وأبى ذلك تحريماً، وحينما كان في النزع الأخير، استدعى حميسة ورجاها أن تهذب شعرها فقط، وأن تقول عليه شعراً، فقالت عليه شعراً أبكاه وأبكى الحاضرين، ووفاءً لنذرها هذ ّبت أطراف شعرها.

وفي 6 تموز من عام 1941 رفض تزويد جيوش المستعمر الفرنسي «الديغوليين» والإنكليز، الذين جاؤوا من العراق لتحرير سورية من «الفيشيين» بالقمح «الميرة» ثم شارك في تحريك الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في دير الزور، وقد تعرّض لإطلاق النار من قبل الجنود الفرنسيين، وهو جالس بجوار القائمقام، واستشهد رجل من دير الزور كان يجلس بالقرب منه، فرّد أهالي دير الزور على إطلاق النار، فسقط أحد الضباط الفرنسيين قتيلاً.

في عام 1942 فُرضت عليه الإقامة الجبرية في بيروت، أكثر من شهر حتى سُمح له بدخول سورية، فسجن بدمشق لمدة شهر، ثم نقل إلى سجن اللد في فلسطين لمدة ثلاثة أشهر، ونقل إلى مصر، ثم بحراً إلى جزيرة قمران في مدخل البحر الأحمر قبالة سواحل اليمن، حيث بقي منفياً هناك لمدة ثلاث سنوات.

ومن أهم الأسباب التي أدت إلى نفيه، رفضه محاولة فرنسا تسليح عشائر الولدة بألف قطعة سلاح أثناء الحرب العالمية الثانية، للدفاع عن فرنسا الحرة، قائلاً: إنكم محتلون لأرضنا، ونحن لا ندافع عن محتلين، ومنعهم أخذ «الميرة» من أفراد عشيرته، فاتهم بالخيانة وحوكم بالنفي.

قيل في الشيخ محمد الفرج السلامة الكثير من القصائد الشعرية، وعُرف بالتقوى والعدل، وكان بموجب موقعه، كشيخ لكبرى عشائر المنطقة يحل مشاكل المتخاصمين بالعدل حتى مع خصومه.

ونقبس بعض الأبيات التي قيلت فيه أثناء حرب البوشعبان مع البدو، التي اشتعلت في أربعينيات القرن الماضي:

وصاحت الولدة عليهم يا حمايـل

حـرب بـدوان عمّ الشــعبنية

محمد الفرج ما باعها بصوت نايل

ولا ارتضى بالذل وخلاّها سبيـة

وأيضاً في تحديه للفرنسيين:

محمد الفرج الداس تيجان الكباتين

ووصل جزر ديغول وذيج المعازل

وعيّا الاستعمـار يبصـم بالاثنين

هذا فخـر لديـار زور المناهـل

وأيضاً في مدح كرمه:

وكف أخو دنيا يا فتى الجود نيسان

راعي الدلال اللي على النار يزهن

توفي محمد الفرج السلامة في 2 آب عام 1972 عن عمر ناهز الثالثة والثمانين، ضارباً المثل بالجود والكرم والشهامة والرجولة والنبل، وظل قدوة تحتذى بتحدي الاحتلال والمقاومة الحرّة.