من يعود إلى الوراء قليلاً ويبحث في سجل انجازات الدراجات السورية في المحافل العربية، والدولية لابد أن يجد اسم البطل "سربست سعيد" في المقدمة، لكونه أحد صانعي هذه الانجازات التي تخطت النطاق المحلي، وقد رفع علم القطر عالياً في كثير من البطولات أثناء مشاركته مع منتخب سورية الوطني، ورغم اعتزاله وابتعاده عن رياضة الدراجات بسبب هجرته إلى السويد، وارتباطه بعمل خاص إلا أن روح التحدي، والعزيمة، والإصرار على تحقيق انجاز جديد ظل يراوده في بلاد الغربة، لذلك درس الأمر جيداً من كافة جوانبه، واستعد له بشكل مناسب بعد أن وضع برنامجاً تدريبياً على مدار عام كامل، وعندما أصبح جاهزاً لخوض هذه التجربة انطلق من البلدة التي يسكنها، ونجح بتجاوز كل الصعاب التي واجهته بفضل إيمانه بأهمية تحقيق هذا الانجاز الذي سيضاف إلى سجله الناصع بالبطولات، وبعد انتهاء البطل "سربست سعيد" من جولته على دراجته، ووصوله إلى "الرقة" قادماً من السويد كان لمدونة وطن eSyria هذا اللقاء الذي جرى يوم السبت 14/9/2008:

  • في البداية عرفنا عن نفسك وبطولاتك في مجال رياضة الدراجات السورية؟
  • إننا نشعر بالسعادة في كل مرة يتم الحديث فيها عن هذا البطل، وكثيرا ما نتذكره في سهراتنا حين نجتمع مع أقربائه أو أهله، وكنا نتمنى أن يكون يعيش بيننا، لكن الغربة كانت الأقوى. نحن جميعاً نتمنى له النجاح في مسيرة حياته، وعمله، ونفخر أن يكون واحداً منا

    ** "سربست سعيد" من مواليد محافظة "الرقة" عام /1967/، أحببت الرياضة منذ صغري، ومارست كرة القدم في نادي الشباب، وخلال تلك الفترة كان عدد من لاعبي كرة القدم يشاركون في بطولات المحافظة للدراجات، وقد استهوتني هذه الرياضة، وبدأت بممارستها والمشاركة في البطولات، وأحرزت عدة مراكز متقدمة، وتم اختياري لتمثيل المحافظة في البطولات المركزية، وكنا دائماً نحتل المراكز الأولى، ونتيجة لذلك عهد إلى منتخب "الرقة" لتمثيل المنتخب الوطني في البطولة العربية للناشئين التي جرت في المغرب عام /1984/، وهناك حققنا مفاجأة كبيرة، حيث تصدرنا البطولة متقدمين على ثلاث عشرة دولة عربية، وقد ترك هذا الإنجاز صدى طيباً بالقطر ومحافظة "الرقة"، وأصبحت اللعبة تحظى باهتمام، ودعم كبير من القائمين على إدارة شؤون الرياضة في المحافظة، وخلال فترة قصيرة قدَّمت "الرقة" عدداً كبيراً من الأبطال الذين رفدوا المنتخب الوطني، وبعدها شاركت مع المنتخب في كافة البطولات العربية، والسباقات الدولية، وأحرزت مراكز متقدمة في سباقات جرت في تركيا، واليونان، وبلغاريا، وسباق السلام الدولي الذي كان يشارك فيه عدد كبير من أبطال أوروبا من فرنسا، وايطاليا، وفي دورة المتوسط العاشرة عام /1987/ التي جرت في "اللاذقية" كنت في مقدمة السباق حتى الأمتار الأخيرة عندما خانني الحظ، وتأخرت قليلاً، حيث جئت بالمركز الخامس بعد أبطال فرنسا، واسبانيا، وايطاليا، وكنت العربي الوحيد الذي نافسهم في هذه البطولة.

  • متى هاجرت إلى السويد، وماذا عملت هناك؟
  • ** كان ذلك في عام /1990/ وتابعت هناك المشاركة في البطولات، وخاصة في سباقات الرجل الحديدي لكن لم استمر بسبب ظروف عملي، وابتعدت بعض الوقت عن ممارسة الرياضة بسبب انشغالي بعملي الخاص بإدارة أحد المطاعم، لكن بعد زيادة وزني عدت للتدريب وراودتني فكرة القيام بجولة على الدراجة من البلد الذي أقيم فيه بالسويد إلى سورية، ووضعت من أجل ذلك برنامجاً مكثفاً للتدريب استمر لمدة عام كامل حتى أصبحت قادراً على القيام بهذه المهمة على أكمل وجه.

  • متى بدأت الرحلة وما الظروف التي رافقتها؟
  • ** كانت البداية من المدينة التي أقطن فيها بالسويد بتاريخ (4/8/2008) واستمرت الرحلة /28/ يوماً قطعت خلالها مسافة /4650/ كم بعد أن مررت بالدول التالية بولونيا، سلوفاكيا، هنغاريا، رومانيا، بلغاريا، تركيا، وختام الرحلة كان عند مدخل باب الهوى في محافظة "حلب"، وقد مررت بظروف متعددة، منها عندما وصلت إلى بولونيا، وقبل مسافة /40/ كم من مدينة كراكوف تعطلت دراجتي، وعندما بحثت عن محل لإصلاحها تعرفت على أحد اللاعبين الذي دلَّني على صاحب محل لإصلاح الدراجات، وبعد أن تبادلنا الحديث تعرفت عليه، وكان يعمل مدرباً لأحد الأندية، وقد تعرف على مدربي الروسي الذي كان يدرب المنتخب السوري في منتصف الثمانينيات، وفي رومانيا وصلت إلى إحدى المدن الصغيرة في وقت متأخر من الليل، ولم أجد مكاناً للمبيت في الفندق فاضطررت إلى متابعة المسير خارج البلدة حتى وصلت إلى إحدى محطات الوقود فاستضافني صاحبها حتى الصباح، كذلك وجدت صعوبة كبيرة في تركيا في تأمين المبيت، لكوني لم أكن أتوقف في المدن الكبيرة بسبب الازدحام، وأثناء مروري في أحد الأماكن تجمع الناس حولي للاستفسار عن هدفي من هذه الرحلة، وعن وجهتي، وقد استضافني أحدهم في منزله، وقام بكامل واجب الضيافة، وفي الصباح ودعني وحملني عصا كبيرة، وطلب مني استعمالها لأدافع عن نفسي أثناء مروري بالقرب من المراعي حيث تتواجد كلاب كبيرة، وشرسة ونصحني بأن أتوقف عن المسير عندما تحاول مهاجمتي، وفعلاً نفذت نصيحته، واستطعت أن أتخلص منها دون أن أتعرض للأذى، وفي "أنطاكيا" كان هناك منحدر كبير، وأثناء نزولي بسرعة كبيرة تعرض شريط الفرام للانقطاع فاضطررت لحمل الدراجة مسافة طويلة حتى وجدت محلاً لإصلاحها، كما واجهت صعوبات بالغة أثناء مروري في بلغاريا حيث كانت الطرقات وعرة، وفيها منحدرات عميقة، وتعذبت كثيراً حتى تجاوزتها، وتعرضت لإصابات كثيرة في يدي مازالت آثارها واضحة، وتحتاج لفترة من الوقت لشفائها.

  • ما الانطباعات التي حملتها معك ووجدتها أثناء مسيرتك؟
  • ** رغم التعب والإعياء الذي رافقني لكن تصميمي، ورغبتي بتحقيق هذه الرحلة كان أكبر من كل المعوقات، ومع ذلك كنت ألاقي التشجيع في كل الأماكن التي توقفت فيها، وكانوا دائماً يسألونني عن البلد الذي أنتمي له، وكانوا يقدمون لي الضيافة مجاناً في الاستراحات.

  • ما شعورك بعد انتهاء الرحلة ووصولك إلى محافظة "الرقة"؟
  • ** شعرت بغصة وفرحة، والغصة كانت نتيجة التجاهل، واللامبالاة التي وجدتها لدى اتحاد الدراجات السوري الذي كنت أتوقع منه أن يكون في مقدمة المستقبلين في نهاية الرحلة، علما أنني أبلغتهم بقيامي بهذه الرحلة قبل ستة أشهر، وكنت على اتصال بهم طوال مسار الرحلة وصدقاً تفاجأت كثيراً عندما لم أجد أحداً منهم حتى إنهم لم يبادروا بالاطمئنان عليّ بعد انتهاء الجولة، علما أنني بطل، وحققت الكثير من البطولات لبلدي ولهذا الاتحاد. والشعور الآخر الذي أفرحني وجعلني سعيداً جداً هو بعد عبوري باب الهوى، ووصولي إلى محافظة "حلب"، كان أول اتصال أجريته مع عائلتي، حيث اتصلت بزوجتي "كفاح" وأبنائي "آلان"، و"روني"، وبعد أن علموا بوصولي سالماً كانت فرحتهم كبيرة جداً، وأجمل كلمة سمعتها من ابني "روني" وعمره ست سنوات، الذي عبر عن فرحته بوصولي إلى سورية بكلمة برافو، وأعادها ثلاث مرات، كما لا أنسى أصدقائي، وأهلي في محافظة "الرقة"، وإدارة نادي الشباب الذي أنتمي إليه، حيث سارعت إدارته بالاحتفاء بهذه المناسبة، وأقامت لي حفل تكريم، وقد ترك ذلك أثراً طيباً في نفسي، وقد لمست فرحة الجميع بنجاح الجولة.

    * ماذا تحب أن تضيف؟

    ** أتقدم بالشكر الجزيل لكل من ساعدني، وساهم في إنجاح هذه الجولة، وقدم لي الدعم المعنوي، وخاصة مدير المطار في المدينة التي أقطن بها في السويد، وإلى صحيفة "بورلانك تدنيك" السويدية التي تابعت الرحلة منذ انطلاقتها، وكانت على اتصال دائم معي حتى نهاية الرحلة، وأخيراً أختم كلامي بأنه لدي أمنية أخرى أتمنى تحقيقها، وهي القيام برحلة حول العالم.

    السيد "خالد دعيس" كان يتحدث بفخر عن "سربست سعيد" فقال: «إننا نشعر بالسعادة في كل مرة يتم الحديث فيها عن هذا البطل، وكثيرا ما نتذكره في سهراتنا حين نجتمع مع أقربائه أو أهله، وكنا نتمنى أن يكون يعيش بيننا، لكن الغربة كانت الأقوى. نحن جميعاً نتمنى له النجاح في مسيرة حياته، وعمله، ونفخر أن يكون واحداً منا».

  • تم تحرير المادة بتاريخ الخميس .18/9/2008