على وزن البحر البسيط اختار الفراتيون أن ينظموا شعرهم الشعبي، لأن البساطة هي السمة الأبرز له، هو شعر تحفظ قديمه وتبتكر جديده النساء أكثر من الرجال، يفيض بالعذوبة والرقة، يطرح مواضيعه عن العشق والشوق والألم عن طريق (رسائل شفهية) تحول الكثير منها إلى أغان و"مواويل".

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 8 أيلول 2014، السيدة "سلوى المحمد" المهتمة بالتراث الفراتي، التي قالت: «تتميز الأغنية الشعبية الفراتية بمجموعة من الخصائص: كالصدق، والبساطة، وسهولة الكلمات، والأوزان الخفيفة، والإيجاز في التعبير، والتنويع. والأغنية الفراتية تطورت عبر آلاف السنين إلى أن أصبحت ذات بنيان متكامل تقوم على الوزن والنغم والألفاظ المختارة المنسجمة وفنها، حتى اختصت بعض ألوان الغناء الفراتي بالنساء، ومنه "مالوم"،

يعد نظم البنات من أكثر الألوان الشعرية شيوعاً وأحبها إلى القلوب؛ لرقة أبياته وخفتها وعفويتها وعذوبة نغمها، ويختلف اسمه باختلاف المناطق فيدعى بالدارمي والغناء والتوشيح والنثر الشعبي، ودعي بنظم البنات لأن النساء يكثرن النظم فيه

وضربت المثل ببعض الأبيات منه:

"عديت نجوم الليل... آه نجمة على نجمة

قلب الخلي يـــنام... آه قلبي شي ينيمه

عبد الفتاح قلعجي

هلهل عليجي البين... يلــــهلهلييتـــــي

وآنـــي بحـــلاة الـــنوم... عقلـــي خذيتي"».

وتضيف: «تزخر الأغنية الشعبية الفراتية بالمعاني التي كوّنها الفراتيون خلال تاريخهم، إنها صدى أنفسهم ونفثات أرواحهم وما تعانيه وتتطلع إليه، إنها نشيد الحب والألم ونشيد العمل والأمل والنفوس إذا طربت أو تألمت غنت وقالت:

"يا حباب لا ترحلوا ظلّوا حواليَّه

من هون لعندنا، ومن هون لعنَّا

بتسوى من خيل العرب، ومن فواكي الجنَّا

إيمتا بعود الزمان، وبتيجي لعنَّا

لفرش فراش الهنا، وغطيك بايديَّه"».

ويبين الباحث "عبد الفتاح قلعي جي" بالقول: «يعد نظم البنات من أكثر الألوان الشعرية شيوعاً وأحبها إلى القلوب؛ لرقة أبياته وخفتها وعفويتها وعذوبة نغمها، ويختلف اسمه باختلاف المناطق فيدعى بالدارمي والغناء والتوشيح والنثر الشعبي، ودعي بنظم البنات لأن النساء يكثرن النظم فيه».

ويضيف: «تتألف المنظومة الغنائية من أبيات من مجزوء البسيط، كل بيتين ينتهيان بقافية موحدة، وفيه يتناول الشعراء قضايا الحب والوقائع والحوادث اليومية المهمة وموضوعات شتى، وهو مادة للحوار، فيه يتسامر ويتحاور ويتناقد الساهرون، ويتميز نظمه وغناؤه ببساطة التعبير وصدق المشاعر وسهولة الأداء وخفة الموسيقا والرقة العاطفية، ويصبح أكثر تشويقاً عندما يأخذ طابعَ الحوار الغنائي؛ حيث تمتد السهرة حتى ساعة متأخرة من الليل:

"لا يا حكيم الجاي... لا تلمس لايدي

ماش نبضي ينبيك... روحي بوريدي".

وأيضا يقولون:

خليتني بهواي.... للنجم راعي

عينك تبوكل نوم... لو متلي واعي

وأيضايا الخدت روحي ويّاك... ردّ روحي ليَّه

خوفي من النمّام... يشمَّت بيَّه"».

ويشير الشاعر "خالد الحسين" بالقول: «هناك لون غنائي محبب ينظم على بحر الهزج يتألف من شطرين بحرف روي وأحدهما المطلع، ثم تليه الرباعيات، الأشطر الثلاثة الأولى من كل رباعية متحدة القافية، والشطر الرابع على قافية المطلع، وقد سمي هذا الغناء بـ"التجليبة" لورود كلمة لأجلبنك في المطالع والرباعيات، وهي لغة من جلب المرءَ: جاء به، أو من الجلاَّب: العسل والسكر المعقود بماء الورد، كأنه يعسل محبوبته بالشعر والغناء:

"لاجلبنك يا ليلى ألف تجليبة... تنام أهل الهوى وتقول ما درى به

لاجلبنك يا ليلى وأصبح آني أنداس... وذل خشمي عقب ما كنت عالي الراس

كل يوم الدهر وياي يلعب ساس"».

ويشير الباحث الدكتور "محمود النجرس" والمهتم بالتراث الغنائي بالقول: «يعد الغناء أعلى أشكال التعبير عن الروح، وهو شعور إنساني نبيل يعبر عن همسات النفس ويفصح عن خوالج القلوب، لم يكن الغناء بدعة أو ملء فراغ أو هرباً من حياة صعبة الانقياد، وإنما كان الغناء الشعبي لوحات رسمت بدقة متناهية بريشة الشعب، وبمداد من معتقداته وإيمانه لتصور مختلف أوجه الحياة، لقد كانت الأغنية رفيقة الإنسان في بيته وحقله ومرعاه:

"من هون لعندنا، ومن هون لعنَّا

بتسوى من خيل العرب، ومن فواكي الجنَّا

إيمتا بعود الزمان، وبتيجي لعنَّا

لفرش فراش الهنا، وغطيك بايديَّه

يا رب يطوف النهر، ويغرِّق الوادي

لاعمل زنودي جسر وقطعك ليَّه"».