«كان للجفاف تداعياته الكبيرة على محافظة "الرقة"، تفاوتت بوقائعها ونتائجها بين منطقة وأخرى، وكانت المناطق الأكثر تضرراً وفقاً لمعطيات الواقع، كلاً من مناطق "الجرنية"، تليها بادية "الرصافة"، ومن ثم بادية "الكرامة"، وانتهاءً بمنطقة "تل أبيض" والقرى الواقعة شرق بلدة "سلوك"، وتجلت آثار الجفاف في تدني معدلات الإنتاج، وعزوف الفلاحين عن تنفيذ خطة المحاصيل الشتوية، وهجرة عدد كبير من سكان هذه المناطق بحثاً عن فرص عمل بديلة.

لعل من يطلع على نماذج لقرى وتجمعات في هذه المناطق، لن يحتاج لكبير عناء، ليكتشف المنعكس السلبي للجفاف، وأثره على السكان والواقع الزراعي، فهذه الآثار لم تتوقف عند حدود تراجع مردودية الإنتاج، بل تجاوزتها إلى أبعد من ذلك، وامتدت إلى سكان هذه التجمعات، إذ هجرها معظم قاطنوها نحو المزارع الحكومية المستصلحة، والمحافظات الأخرى، أو حتى إلى دول أخرى مثل لبنان والأردن، بحثاً عن فرص عمل مناسبة، وسبل معيشة ميسّرة، ولم يتبقَ في بعض هذه التجمعات سوى المسنين من الرجال والنساء وهم قلة، وتكمن المشكلة فيما يحمله كل ذلك من تداعيات على مجمل الحياة الاجتماعية في المنطقة، وأثرها المستقبلي على ما تنشده من تنمية منتظرة».

منذ سنوات ومؤسسة استصلاح الأراضي تدرس مشروع "الجرنية"، وحتى الآن ينتظر الأهالي تحويل هذه الدراسات إلى واقع ملموس، والبدء باستثمار أراضيهم، وخاصة أن معظم أراضي "الجرنية" تقع في نطاق منطقة الاستقرار الرابعة، وهي مصنفة كمراعٍ طبيعية تُمنع فيها الفلاحة والزراعة، وفي سنوات الجفاف الأخيرة تدهور الغطاء النباتي في هذه المنطقة، ولم تعد تفي بحاجة قطعان الأغنام في توفير مراعٍ دائمة ومصادر علفية متجددة

ذكر ذلك السيد "حسن الإبراهيم"، من أهالي بادية "المنصورة"، وهو يتحدث لموقع eRaqqa ‏بتاريخ 6/1/2010، عن آثار الجفاف ومنعكساته على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في محافظة "الرقة".

قناة ري السلحبية

وتحدث المهندس "حسن السليمان"، مدير زراعة "الرقة"، قائلاً: «بالتوازي مع آثار الجفاف، وما خلفه من أضرار متفاوتة بين منطقة وأخرى، أفرزت هذه الآثار المجال للمقارنة بين مناطق المحافظة، وخاصة تلك التي كان ضررها أقل بكثير من الأخرى، وهو ما استتبع تحديد سبيل المعالجة الوحيد الذي يمكّن المناطق المتضررة من مواجهة حالة الجفاف السائدة، وإرساء أسس تنميتها، والذي يتجلى في إطلاق مشروعات الري الخاصة بهذه المناطق. ‏

ومن هذه النتيجة بالذات، وبالنظر لمواقع هذه المناطق، تبرز مفارقة غريبة، إذ إنها الأقرب من مصادر المياه، بدءاً من "الجرنية" التي تجاور بحيرة "الأسد" وتطل عليها مباشرة، وقسم كبير من قراها يعود نشوءها إلى فترة ما بعد الغمر، وهي أيضاً تحاذي ضفاف البحيرة، والشيء المستغرب أن مياه الري نقلت لمناطق بعيدة جداً، واستصلحت أراضيها، ومع ذلك لم تصل مشاريع الري إلى منطقة "الجرنية"، ونفس الأمر ينطبق على بادية "الرصافة"، التي تبعد بضعة كيلومترات جنوب نهر "الفرات"، وبادية "الكرامة" التي تجاور قراها المتضررة قناة "البليخ" الرئيسية، التي تروي أراضي القسم الثاني من "البليخ"، وانتهاءً بمناطق "تل أبيض" التي وصلت مياه "الفرات" إلى تخومها عبر مشروعات القسمين /5/ و/6/ "بليخ"، ناهيك عن إمكانية استثمار نهر "الجلاب" لأغراض الري، والذي تتشكل مياهه من نواتج أقنية الصرف الزراعي التركية، وتصل المساحات المرخصة عليه إلى /8350/ هكتاراً».

قناة ري فرعية بالرقة

ويقول السيد "عبد الله الدرويش"، مدير عام مؤسسة استصلاح الأراضي: «ما تزال هذه المناطق وإمكانية إروائها في طور الدراسات، وبالنسبة لمشروع "الرصافة" فتعود دراسته للعام /1997/، وهي جاهزة في قسمها الشرقي وعلى مساحة /3880/ هكتاراً، بينما القسم الغربي من المشروع، ومساحته ستة آلاف هكتار، فهي قيد الدراسة، وبالنسبة لمشروع استصلاح بادية "الكرامة"، فهو وارد ضمن المرحلة الثالثة لمشروع "بليخ شرق"، الممتد على مساحة ستة آلاف هكتار، ووصلت نسبة دراساته إلى حدود /96%/، وكذلك بالنسبة للقسم /4/ "بليخ".

هناك مشروع لجر مياه "الجلاب" إلى وادي "قره موخ"، كثُرت مطالبات أهالي المحافظة حوله، وتقوم المؤسسة حالياً بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، علماً أن تنفيذ مشاريع الري محكوم بتوفر الاعتماد المالي، ومرتبط بالموارد المائية المتاحة من نهر "الفرات"، ‏ونحن في المؤسسة نعمل على التقليل ما أمكن من استهلاك مياه الري، وعلى ضوء ما نستطيع الوصول إليه من خفض في الاستهلاك، خاصة بمساعدة الإخوة المنتجين، نستطيع المبادرة بإقامة مشروعات ري جديدة، والمؤسسة ماضية في دراساتها بالنسبة للمشاريع الأكثر أولوية، كي لا تبخس هذه المناطق حقها في حال توافر أية فرصة سانحة للتوسع الأفقي في هذه المشاريع».

وتحدث السيد "موسى الهلال"، من أهالي بادية "الجرنية"، قائلاً: «منذ سنوات ومؤسسة استصلاح الأراضي تدرس مشروع "الجرنية"، وحتى الآن ينتظر الأهالي تحويل هذه الدراسات إلى واقع ملموس، والبدء باستثمار أراضيهم، وخاصة أن معظم أراضي "الجرنية" تقع في نطاق منطقة الاستقرار الرابعة، وهي مصنفة كمراعٍ طبيعية تُمنع فيها الفلاحة والزراعة، وفي سنوات الجفاف الأخيرة تدهور الغطاء النباتي في هذه المنطقة، ولم تعد تفي بحاجة قطعان الأغنام في توفير مراعٍ دائمة ومصادر علفية متجددة».