في الجهة الجنوبية الشرقية من "الرافقة"، وضمن أسوارها يقع هذا الصرح الأثري، المعروف عند أهل "الرقة" باسم "قصر البنات"، أو القصر العباسي، الذي يعود بناؤه إلى الفترة العباسية المبكرة.

موقع eRaqqa التقى السيد "محمد السرحان الأحمد" مدير آثار ومتاحف "الرقة"، فحدثنا عن هذا القصر قائلاً: «يقع المَعْلَم المعروف لدى أهل "الرقة" باسم قصر البنات، على بعد /400/م شمال باب "بغداد"، إلى الغرب من سورها، وهو ككل الأوابد الأثرية العباسية في منطقة الفرات مبني من مادة الآجر، ويعود السبب بذلك لطبيعة المنطقة ومناخها، حيث استطاع المعماريون القدامى إدراك حقيقة أن حجر الآجر يعيش فترة طويلة بهذه المنطقة، ونعتقد بشكل جازم أن تسميته بقصر البنات تسمية محلية، ليس لها أي أساس تاريخي، اعتماداً على كافة المصادر التاريخية، حيث لا نجد فيها أي إشارة إلى قصر بهذا الاسم في مدينة "الرافقة"، ولكن أغلب المصادر تشير إلى وجود "بيمارستان" و"خانقاه" ومدرستين للتعليم أيام "نور الدين الزنكي"، وذلك دون الإشارة إلى مكانهما، ويعتقد علماء الآثار الذين زاروا المنطقة بأنه ربما كان بناء قصر البنات هو "البيمارستان"».

مرَّ بثلاث مراحل أولاها في العصر الأيوبي، وتعرض لحريق قد يكون "المغول" وراءه، ثم سكنته عائلات فقيرة فابتنت جدراناً هزيلة، دلت على وجودهم، ثم سُكن بعد خرابه في القرن /19/، حيث عثر على بقايا "تنّور"، وهذه المرحلة هي الأفقر

ويتابع "الأحمد" وصف "البيمارستان" قائلاً: «أثبتت أعمال الحفر الأثري المنهجي على أن أساسات هذا البيمارستان تعود إلى نفس الفترة التاريخية التي بني فيها سور المدينة عام /772/م، ويشكل المبنى مربعاً كبيراً ينقسم إلى أربع مستطيلات باتجاه شمال جنوب، ويفصله عن جامع "المنصور" المعروف بالجامع العتيق، قصر الخلافة الذي أزيل مع التوسع العمراني للمدينة، ونحدده حالياً بتقاطع شارعي "سيف الدولة" و/23/ شباط، والبيمارستان مبني من الآجر المشوي بأكمله، يوجد في وسطه نافورة ماء، وفتحة لتصريف المياه إلى خارج القصر، وتشير أشكال الآجر الموجودة على جدران هذه المنشأة فوق الأساسات بارتفاعات مختلفة، أنه قد جدد في العهد الأيوبي، وحوِّل لاحقاً إلى "بيمارستان" أو خانقاه».

صورة نادرة لقصر البنات تعود لهرتزفلد /1907/

وعن تاريخه حدثنا الآثاري "محمد العزو" فقال: «يرجع الفضل في تدوين الملاحظات حول هذه الأطلال إلى العالم الألماني الكبير "هرتزفلد"، ففي عام /1907/م مرَّ عليها خلال رحلته في المنطقة، وقام بتصويرها، وأعد المخططات الأولية لما كان ظاهراً منها، وحاول أن يؤرخ لهذا القصر قبل البدء بالتنقيب فيه، من خلال الشواهد الظاهرة، والزخارف والعناصر المعمارية، ونسبه إلى القرن الثاني عشر الميلادي، وبشكل خاص إلى أسرة العقيليين، الذين تحالفوا مع السلاجقة، ثم مع ملك شاه فيما بعد، واستقروا لاحقاً في "جعبر"».

ولدى سؤالنا "الأحمد" كيف ومتى بدأت عمليات التنقيب فيه أجاب: «في عام /1977/م بدأت مديرية الآثار والمتاحف العامة التنقيب في "قصر البنات"، حيث عادوا إلى الدراسات والصور التي نشرها "هرتزفلد"، لهذا القصر والتي بينت أن ارتفاع أطلاله كان يتجاوز /10/ أمتار تقريباً، بأربع طبقات من النوافذ، وثبتت الأطلال على ارتفاعها الحالي بعد عمليات التهديم والانهيارات، واقتلاع آجره لبناء مباني "الرقة" الحديثة، والتي حدثت بدءاً من ثلاثينيات القرن الماضي، وبعد أن رفعت بعثة التنقيب ما يقارب من أربعة إلى خمسة أمتار وصلوا إلى الأرضية المبلطة».

وسط القصر حيث تظهر النافورة

وينقل لنا "الأحمد" وصف الأستاذ "قاسم طوير" المشرف على التنقيب آنذاك عمل البعثة وما عثرت عليه بقوله: «يتألف القصر من باحة مركزية مربعة الشكل تقريباً، تقع في الوسط، وتطل عليها من الجهات الأربع مجموعة من الغرف، وفي الشمال نرى الإيوان، وهو الصالة المفتوحة كلياً في جانب واحد، وأعلى ارتفاع له /6,5/م، معزز بغرفة أو حجيرة خلفية وبحجريتين جانبيتين، وإضافة إلى ذلك فهو يطل على باحة ورواقين خاصين به، ويتمتع الإيوان الشمالي بواجهة خاصة به، وفي الجنوب يوجد مدخل يشير إلى توجه البناء من الجنوب نحو الشمال، ونشاهد واجهة خاصة مع ثلاثة مداخل، مدخل أوسط ومدخلين جانبيين، والإيوان في الوسط مناظر للإيوان الشمالي، وغرف جانبية، أما في الشرق والغرب، فهناك إيوانان بسيطان يطلان على الباحة، وما نلاحظه أن هناك تركيزاً على محوري الشمال والجنوب في هذه المنشأة، ونواجه أنموذجاً معروفاً لدينا، باحة مركزية تطل عليها أربعة إيوانات من الجهات الرئيسية الأربع، ضمن مخطط متصالب، ونلاحظ أيضاً وجود غرف وصالات كبرى في الزوايا بشكل متناظر، وأبعاد كل غرفة /8×6/م، أما بقية الغرف فتتوزع بشكل غير متناظر، وهذه ملاحظة هامة، ولحسن الحظ أن ما تهدم من القصر قد بقي على الأرض فساعد على تصور شكل الأجزاء العلوية من البناء».

ويتابع "الأحمد" عرض أعمال التنقيب ووصف البناء كما وردت على لسان الأستاذ "قاسم طوير" فيقول: «في القصر بقايا جصيَّة حول النوافذ، وبفضل هذه القطع المتناثرة استطاع الفريق بالدراسة الهندسية، أن يعرف ويتصور شكل النافذة، فهي عبارة عن شريط من الجص يحيط بالنافذة من الخارج، وهو مؤلف من زخارف وأشكال نباتية متكررة تحيط بالنوافذ من الخارج، وقد تعرض القصر لأعمال نهب بحثاً عن الخزف الرقّي الذي تعج به المتاحف العالمية، وعلى مدار خمس سنوات من عمليات التنقيب لم نعثر إلا على إناء خزفي كامل، وكسر كثيرة متناثرة هنا وهناك، وهي تدل على روعة الخزف الرقّي».

مدير الآثار والمتاحف "محمد السرحان الأحمد"

ولدى سؤال الآثاري "محمد العزو" عن المراحل التي مرَّ بها هذا القصر أجاب: «مرَّ بثلاث مراحل أولاها في العصر الأيوبي، وتعرض لحريق قد يكون "المغول" وراءه، ثم سكنته عائلات فقيرة فابتنت جدراناً هزيلة، دلت على وجودهم، ثم سُكن بعد خرابه في القرن /19/، حيث عثر على بقايا "تنّور"، وهذه المرحلة هي الأفقر».

وعن مقترحاته لتطوير الموقع والحفاظ عليه، يقول مدير آثار ومتاحف "الرقة": «يجب إكمال عمليات التنقيب في قصر البنات والاستمرار في ترميمه، والعمل على سقف الإيوانات والأروقة بالكامل، وهذا الأمر من ضمن خططنا، كما نسعى لإنارة هذا القصر وإمداده بالطاقة الكهربائية، ونحاول القيام بحملة توعية بأهمية المحافظة على كل الأوابد الأثرية في محافظة "الرقة"».