يمتاز الفنان "عنايت عطار" بأنه ابن البيئات التي يعيش فيها، ففي مدينة "الرقة" جعلته يحسم اختياره باتجاه التشكيل، وفي "حلب" برز اهتمامه بالعمارة وتشكيلاتها الشرقية، عدا أنه من الفنانين الملتزمين بقضايا المرأة فكراً وفناً.

هو ابن مدينة "عفرين" وقد انطلق بمسيرته الفنية من "الرقة" واستقر حالياً في "فرنسا".

ولد الفنان التشكيلي "عنايت عطار"، عام /1948/ في إحدى قرى منطقة "عفرين" التابعة لمحافظة "حلب"، وفي عام /1970/، انتقل إلى مدينة "الرقة"، وهناك ساهم مع زملائه من الفنانين التشكيليين، بتأسيس تجمع فناني "الرقة"، وقد قدم "العطار" أول معرض فردي له في مدينة "الرقة"، وذلك في صالة المركز الثقافي، عام /1981/، أمضى أكثر من ثلاث عشرة سنة في مدينة "الرقة"، قدم خلالها الكثير من الأعمال الفنية، التي ساهمت برفد الحركة التشكيلية الرقية، وفي منتصف الثمانينيات سافر إلى فرنسا حيث حقق هناك شهرة عالمية

مدونة وطن eSyria التقت بتاريخ 22/11/2008 الفنان التشكيلي "جورج شمعون" الذي تحدث عنه بالقول: «ولد الفنان التشكيلي "عنايت عطار"، عام /1948/ في إحدى قرى منطقة "عفرين" التابعة لمحافظة "حلب"، وفي عام /1970/، انتقل إلى مدينة "الرقة"، وهناك ساهم مع زملائه من الفنانين التشكيليين، بتأسيس تجمع فناني "الرقة"، وقد قدم "العطار" أول معرض فردي له في مدينة "الرقة"، وذلك في صالة المركز الثقافي، عام /1981/، أمضى أكثر من ثلاث عشرة سنة في مدينة "الرقة"، قدم خلالها الكثير من الأعمال الفنية، التي ساهمت برفد الحركة التشكيلية الرقية، وفي منتصف الثمانينيات سافر إلى فرنسا حيث حقق هناك شهرة عالمية».

من أعمال الفنان عنايت

وأضاف: «ما انفك "عنايت" يغسل لوحاته بماء الأنثى، مهتدياً ببصيرة الموسيقا والظل والضوء والحركة، مرناً في تعامله مع الآخرين، نظرته إنسانية، فهو يرى أن الناس كلهم سواسية، وقد كان يجالس الجميع ويصادق الكثيرين، كان يقول: "أتماشى مع الجميع، فالكبير أستفيد من خبرته وعلمه، والصغير أعطيه ليتعلم".

كان "عنايت" يهاجم النزعة الفلسفية التي تمجد العلم الذي يدعي السيطرة على كل شيء بشكل مطلق، فقد كان يرى أن الفكر ليس له أن ينتظر شيئاً من العلم، وكان يستشهد دائماً بقول الباحث "كويريه" الذي كان يرى بأن القول العلمي عند "أرسطو"، غيره عند "جاليليو"، والمعرفة الرياضية القديمة، تختلف عن المعرفة الفيزيائية الرياضية الحديثة، التي وصل إليها العلم الحديث، لكن الفن هو الخروج عن المحدودية القاعدية، التي هي أساس العلم، كما كان يرفض منطق الفرنسي "دوليه" الذي يقول: "لا شيء يتغير"، لأن المستقبل ليس إمكان الممكن، بل هو امتداد سلسلة من الأمور المحتملة، وكان "عنايت" يردد دائماً مقولة لأحد المفكرين: "إن الإنسان بوصفه روحاً، هو المعاصر للعلو الذي يخترقه"».

ولوحة أخرى تمثل المرأة

الفنان والناقد "طاهر البني" أضاف: «نستطيع أن نلمح ماهية التشخيص المبسّط من خلال التركيز على الجسد بمظهره العام وتجاهل التفاصيل والجزئيات فيه، حيث يبرز الوجه في الوقت الذي تغيب فيه العيون والأنف والشفاه، كما تبرز الأطراف في حركة انسيابية تختفي فيها تفاصيل الأرداف والأصابع، وهذا التركيز على الكتلة الكلية، يفسح المجال أمام اللعب باللون وتدرجاته، كما يحفّز المتلقي على التأمل، واستحضار علاقات الغياب في اللوحة، عبر علاقات الحضور المجسّدة أمامه، وتبدو الألوان سيدة التكوين، حيث تذوب فيها الأجساد والمساحات مشكّلة قصيدة بصرية في تناغمها ودلالاتها»، وقد كان "عنايت" يكتب الشعر، وكان للمرأة نصيب كبير في قصائده، فهو يقول في إحداها: الأزرق للسماء، والأخضر للجبال، والأصفر للسنابل، والأحمر للمرأة، لا..لا، أيها الصديق، لقد أخطأت الترتيب، والنسبة والدلالة..! بل الأزرق والأصفر والأخضر والأحمر لها وحدها، للمرأة التي أحب وأعشق، وللمرأة التي أرسم وأتخيّل..! لا مسافات، ولا حدود، لا تقل لي إن المرأة رمز للوطن، أو للبحر، أو للكرامة، أو للحب..! لا أبداً أيها الصديق..! فالمرأة عندي هي البحر والوطن والأفق والكرامة والحب والغيرة، والحزن والجنون أيضاً..! وقد امتزجت في سيمفونية لونية واحدة متكاملـــة ومتناغمة».

وقد تحدث الكاتب والفنان التشكيلي "أيمن ناصر"، عن ذكرياته مع الفنان "عنايت عطار" بقوله: «مازلت أحتفظ برسم بقلم الرصاص يمثلني، فهو يعتبر أحد الرموز التي تفتخر بهم مدينة "الرقة" في تاريخها الفني المعاصر، و"عنايت" من الفنانين الملتزمين قضايا المرأة فكراً وفناً، فطالما كانت لوحاته تتحدث عن انعتاق المرأة، من التقاليد البالية وقيودها الاجتماعية المتخلفة، التي تجعلها بعيدة عن عجلة الحضارة، غير فاعلة في الحياة العملية، ولم يتردد يوماً في كتابة آرائه شعراً، يلقيه على منابر الثقافة أو في جلسات الأصدقاء، ولالتزامه هذا، تجاه فنه وفكره ضريبة يدفعها عادة الفنان في بعض التنازلات الشكلانية من أجل البقاء، حفاظاً على وجود كيانه سليماً معافى في طبيعة عمله أو طريقة معاشه اليومي، "فعنايت" كان يعمل في نجارة الديكور الداخلي، وكتابة الإعلان، ولكن بطريقته وأسلوبه الخاص، وهذا ما ترك أثراً كبيراً في نفوس من عملوا عنده أو معه، متأثرين بأسلوبه في كتابة الإعلان أو أسلوب اللون، والعبثية التي تسيطر عليه خلال الرسم، وحتى في أسلوب حياته اليومية، التي كانت تسودها أحياناً فوضى المواعيد، وتغلب عليها المصادفات، فهو حين يخرج ليأتي بربطة خبز لأسرته، يلتقي بصديق يعرض عليه السفر خارج المدينة بذات اللحظة فلا يتردد "عنايت" ناسياً الخبز وأهله».

أما الكاتب والناقد "نذير جعفر" فقال: «"عنايت" محسوب تشكيلياً على جيل السبعينيات، وهذا ما يقرّ ويعترف به، لكنه غير محسوب على هذا الجيل من حيث علاقته بالحياة، فهو بقبّعته الرصاصية وقميصه الترابي، وحذائه المخملي، وفوضويته، وتجواله الدائم ما بين "الرقّة" و"حلب" و"دمشق" و"باريس" و"برلين" و"اسطنبول"، عاشق أبدي ومغامر لا يتوقف عن ارتياد الآفاق المجهولة، واكتساب علاقات وصداقات جديدة، وترميم الانكسارات القاسية في حياته، كفنان وأب وعاشق، وكتابة القصائد، وتصميم الديكور والإعلان، في هذه المرحلة بدأت تتنامى نزعة التجريب عند "عنايت"، كما بدأت أعماله تتحرّر من الصيغ والقوالب المعهودة والاتجاهات السائدة، واضعاً نصب عينيه تأسيس خطابه الفني الخاص به، بعدما امتلك أدواته وتمثل أو لنقل هضم معظم التجارب السورية التي سبقته، وقد كان معرضه الأخير في "حلب" الذي أقامه في صالة "الجوشن" ("الخانجي" حالياً) في العام /1991/ تعبيراً عن هذا النزوع إلى التجريب، وتجاوز تجربته السابقة التي عبّر عنها من خلال معارضه الفردية في "الرقة" /1981/ والحسكة/ 1983/ و"دمشق" /1986/، حيث بدأ يميل أكثر فأكثر، نحو التجريد دون أن يتخلّى كلياً عن واقعيته التعبيرية الصرفة في بعض الأعمال».

ويضيف "الجعفر" قائلاً: «إن البيئات المتعددة التي عاش فيها "عنايت" وتنقّل فيما بينها تركت أثرها في موضوعاته وأدواته وتقنياته، فالفترة الطويلة التي عاشها في "الرقة" المتاخمة للفرات من جهة، وللصحراء من جهة ثانية، جعلته يحسم اختياره باتجاه التشكيل، بعدما اهتم في البدايات بالنحت، كما دفعته إلى الخروج عن إطار الفضاءات المغلقة، إلى الفضاء الواسع، مستلهماً موضوعاته من الطبيعة وتحولاتها، ما بين الجدب والخصب، والمرأة وتشكّلاتها الواقعية التعبيرية، عبر علاقتـها بالطبيعة وبالرجل والوسط المحيط، بضربات لونية حادة حيناً ورقيقة شفّافة حيناً آخر، أما في "حلب" فقد برز اهتمامه بالعمارة وتشكيلاتها الشرقية، محاولاً إعادة إنتاجها فنياً، وفق رؤية تجمع بين التجريد والتشخيص، بعيداً عن الطابع الفوتوغرافي أو التسجيلي، الذي انشغل فيه عدد كبير من فناني المدينة، استجابة لمتطلبات السوق والذائقة التقليدية، التي تبحث عما تزيّن به صالوناتها المخملية، أكثر من بحثها عن القيمة الفنية للّوحة، وظل "عنايت" يقاوم حمىّ الاستهلاك والنظر إلى اللوحة بوصفها سلعة، فقد كان إخلاصه لحساسيته ورؤيته الفنية، أهم بكثير عنده من تسويق لوحاته تحت أي ضغط أو ثمن كان».

الجدير ذكره أن الفنان التشكيلي "عنايت عطار"، هو عضو نقابة الفنون الجميلة في سورية، وعضو جمعية الفنون البصرية في فرنسا spadem وعضو جمعية أصدقاء الفن في "نانت"، وعضو نقابة الفنانين الفرنسيين، وعضو منظمة اليونسكو للفنانين العالميين.

ومن أهم المعارض الفردية التي أقامها في سورية، حسب ترتيبها الزمني، هي: المركز الثقافي "الرقة" /1981/، المركز الثقافي "الحسكة"/1983/، والمركز الثقافي الروسي في "دمشق" /1986/، والمتحف الوطني "حلب" /1986/، ونادي العمل الثقافي "اللاذقية" /1987/، وصالة الفنون الجميلة "حمص" /1988/، وصالة "الجوشن" في "حلب"/1991/، كما عمل الفنان "عنايت" في الديكور المسرحي، ونشر رسوماً (غرافيكية) في الصحافة العربية، وكتب الشعر والنقد الفني، وهو مقيم في مدينة "انجيخ" الفرنسية، ومتفرغ للعمل الفني.

  • تم تحرير المادة عام 2008.