تؤكّد النقوش الحجرية القديمة المنتشرة في بعض قرى المحافظة والمذيّل بعضها برسومات لعناقيد العنب، أنّ زراعة الكرمة شقت طريقها إلى السويداء منذ مئات السنين، إلا أن هذه الزراعة رغم قدمها وانتشار "دّياراتها" كما كان يُطلق عليها سابقاً من قبل الآباء والأجداد في معظم بساتين المحافظة باتت تشهد تراجعاً ملحوظاً.

شهدت زراعة العنب منذ ثلاثينيات القرن الماضي انتشاراً واضحاً في المحافظة، ولا سيّما في قرى قنوات، مفعلة، مياماس، سهوة الخضر، عرمان، سالة، نمرة شهبا، ظهر الجبل، وغيرها، وحسب ما يذكر المزارع ياسين أبو صلاح في حديثه لمدونّة وطن "eSyria" فقد باتت هذه الزراعة تحتل المرتبة الأولى بين زراعة الأشجار المثمرة، فمن يزر ريف المحافظة سيلحظ أن أشجار العنب كانت وما زالت الغرسة الوحيدة التي تلقي بظلالها على حدائق البيوت القديمة، والإقبال على زراعة الكرمة من قبل الفلاحين استمر حتى بداية سبعينيات القرن الماضي، خاصة بعد إحداث معمل تقطير العنب، الذي أصبح بمنزلة البوابة التسويقية الوحيدة لمنتج المزارعين من العنب، إلا أن هذه الزراعة وبعد ثمانينيات القرن الماضي بدأت بالتراجع، وذلك بعد ظهور حشرة الكرمة التي تدعى «الفيللوكسيرا» التي غزت أكثر من 3 آلاف دونم من البساتين المزروعة بالكرمة في السويداء حينها، ما أدى إلى تراجع هذه الزراعة، خاصة وأن هذه الحشرة تنتقل عن طريق نقل التربة ضمن الحقل الواحد أو بواسطة الحيوانات الزاحفة، فمثلاً بلغت المساحات المزروعة بالكرمة عام 2000 ووفق إحصائيات الوحدات الإرشادية بمديرية زراعة السويداء حوالي 14 ألف هكتار، بينما حالياً لا تتجاوز المساحات المزروعة بالعنب حوالي 9 آلاف هكتار، ويضيف: هذا التراجع مرده ايضاً إلى قيام المزارعين باستبدال أشجار الكرمة بأشجار التفاح لكون المردودية الإنتاجية للتفاح أفضل وأكبر. فيما يشير المزارع صايل كيوان في حديثه لمدوّنة وطن "eSyria" إلى أنه "من الأسباب الأخرى والتي كانت وراء تراجع زراعة العنب، انعدام المنافذ التسويقية الدائمة لمادة العنب والتوجه نحو المنفذ الوحيد ألا وهو معمل تقطير العنب، إلا أن هذا المنفذ خاصة بعد الظروف العاصفة بالبلد لم يعد يحقق طموحات ورغبات مزارعي العنب، لكون خطته الاستجرارية أصبحت محدودة وهي لا تتعدى ستة آلاف طن من العنب العصيري، علماً أن إنتاج المحافظة وسطياً من العنب يبلغ سنوياً حوالي40 ألف طن، وهو ما يدفع بالمزارعين لبيع بقية المنتج لسماسرة أسواق الفواكه بأبخس الأثمان، وخاصة أنّ مادة العنب من غير الممكن تخزينها في غرف التبريد كمادة التفاح، الأمر الذي أدى إلى إحجام معظم الفلاحين عن متابعة «كار» زراعة العنب والعمل على اقتلاع بعضٍ منه واستبداله بأشجار التفاح، إضافة لذلك فقد بدأ الفلاح يعاني من ارتفاع أجور وتكاليف الخدمات الزراعية لأشجار العنب كالحراثة والرش وغيرهما، عدا عن انخفاض إنتاجية هذه الأشجار، والنقطة المهمة هي انتشار العديد من الآفات الفطرية والحشرية واستفحال بعضها مثل "الفيللوكسيرا"، علماً أن هذه الحشرة تعد من أخطر الآفات المهددة لهذه الزراعة، وللإبقاء على هذه الزراعة بات من الضروري إحداث مكتب خاص للعنب على غرار مكتب الزيتون والحمضيات، والعمل على إيجاد آلية للتسويق الزراعي لمادة العنب واستبدال الأشجار المصابة بحشرة "الفيللوكسيرا" بأشجار مطعمة.

يشار إلى أنّ الكرمة حالياً تحتل زراعتها المرتبة الثانية بعد التفاح في محافظة السويداء، حيث تنتشر زراعتها على ارتفاعات مختلفة وهي من أقدم الزراعات على مساحة المحافظة.

المزارع ياسين أبو صالح
المزارع صايل كيوان