يبحث النحات "لؤي الشعار" عن تجسيد معبّر في أعماله من بورتريهات ووجوه وجد فيها مشاعر عميقة حاكت الفرح والحزن والترقب، بطاقة تدفعه لمتابعة الرحلة في مسار يعدّه الأقرب إلى شخصيته.

مع إقراره بأن الصعوبة الأكبر التي تواجه الفنان ليست طريقة تجسيد رؤاه على الصلصال أو البازلت أو أي خامة أخرى، بل هي حالة الوصول إلى الفكرة ورحلة البحث عن الذات، وكيف يجد الفنان ما يرضي ذاته لمحاكاة الفكرة الفنية، وطبعها بمؤثراته الذاتية وفق ما جاء في حديثه مع مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 2 تشرين الثاني 2018، وقال: «الفن حالة من التماهي مع الذاتية وما تنتجه عزلة الفنان عن ضوضاء المجتمع ومعالجته البعيدة عن المشاعر الحقيقية، ليضع صدق مشاعره وصفاء روحه على ما هو بين يديه من مادة خام صلبة أو لينة، وبالنسبة لي ولأنني اخترت النحت، فقد كانت أي مادة قابلة للتشكيل تترك أثراً كبيراً في نفسي، وقد حاولت اختيار الكثير من المواد الخام، ولم أجد صعوبة في أي منها، لكن الصعوبة كانت في خلق المناخات المناسبة ليكون للفنان فضاء أوسع ويمارس فنه براحة وهدوء».

الفن حالة من التماهي مع الذاتية وما تنتجه عزلة الفنان عن ضوضاء المجتمع ومعالجته البعيدة عن المشاعر الحقيقية، ليضع صدق مشاعره وصفاء روحه على ما هو بين يديه من مادة خام صلبة أو لينة، وبالنسبة لي ولأنني اخترت النحت، فقد كانت أي مادة قابلة للتشكيل تترك أثراً كبيراً في نفسي، وقد حاولت اختيار الكثير من المواد الخام، ولم أجد صعوبة في أي منها، لكن الصعوبة كانت في خلق المناخات المناسبة ليكون للفنان فضاء أوسع ويمارس فنه براحة وهدوء

عن بدايته يحدثنا: «كانت كلية الفنون الجميلة الأقرب إلى ميولي وتجسيد حقيقي لحلم كبير، لكن هذا الحلم كان محكوماً بممرات واقعية ملزمة؛ أهمها أنني مضطر للعمل من أجل الحصول على دخل وإمكانية احتراف الفن كانت مستحيلة، مثلي مثل كثيرين من الفنانين من جيلي؛ ليكون العمل والبحث عن موارد الرزق والفكرة الفنية التي حرصت على استمرارها، لأبقى على قيد النحت، النحت لغاية النحت ومجاراة مراحل فنية حاولت اجتيازها والتبحر بها لأستثمر مراحل زمنية، إذ لا بدّ للفنان من عبورها بعمل فني عميق يتحدث عن رؤيتي وخياراتي الفنية، التي وثقت لتجارب متعددة كانت البداية فيها مع الصلصال الذي قدم لي فرصة كبيرة للاختبار مستثمراً ليونة المادة وقابلية التحكم بها، وأنتجت أعمالاً كانت توثيقاً لمرحلة تعمقت مع بحث تخصص بهذه المادة وجماليات العمل بها».

النحات لؤي الشعار

قصته مع البورتريه كانت محوراً لمعظم مراحل عمله الفني، وقال: «شغلتني الوجوه أكثر من غيرها من التفاصيل التشريحية للجسد؛ فالوجوه عالم غريب وجميل يحوي باقة من المتناقضات تكوينات وانعكاسات للحالة النفسية ومشاعر مختلفة، قد تختلف مع اختلاف اللحظة، وإذا كان للنحات فرصة تثبيت أحد هذه التحولات، فالعمل محفوف بالتعب، ولا بدّ من خطوة بداية تحدد طبيعة المشاعر التي ستكون قصة البورتريه وهدفه. محاولاً الاقتراب من الواقعية وتقديم حالات مختلفة، مستفيداً من تقنيات وتجارب سابقة جعلت النحت الأقدر والأقرب على إظهار هذه الحالات، وإذا كان التعامل مع البعد الثالث خلف اتجاهي إلى النحت واختياره كتخصص للدراسة والعمل، فقد يكون البورتريه سبباً إضافياً لهذا الخيار».

تابع التدريس والعمل في مجال الديكور وأعمال النُصب التي زينت ساحات بعض القرى، وقال: «التفرغ للعمل طاقة مطلوبة لاستمرار الفنان، وهذا التفرغ كان صعب التحقق بفعل الظروف المادية؛ ففي كل مرحلة أعمال مرافقة لمشروعي الفني، فإلى جانب التدريس والعمل التربوي وتقديم الرسم والنحت لطلابي كمادة غير اعتيادية، تابعت في أعمال الديكور وتصميم الجداريات النافرة ومشاريع كانت لأغراض تزيينية لاقت الاستحسان، إلى جانب عدد من الأعمال للسفارات، مثل سفارة "فنزويلا"، وبورتريه للرئيس "شافيز"، وبورتريه للشهيد "نايف الشعار" الذي شغلني مدة طويلة لأطابق الملامح بدقة، وتمثال نصبي ثبت في ساحة قرية "ذيبين" للشهداء كتكوين لمجاهد حمل سلاحاً بيديه شكل من البولستر والحديد، وعدد من الأعمال النصبية؛ كل هذه الأعمال لها أهمية لديّ وأعدّها جزءاً جميلاً من عملي، لكن الاحتياج إلى التفرغ ضرورة ومنطلق لعمل الفنان ليكون مهيّأ لعمل فني ذاتي أكثر غير مرتبط بالمحيط المكاني والزماني؛ وهذا حلمي القادم، ليكون للمخيلة دور ومحطة أفردها لها لتجود بما اختزنت من تجارب ورؤى.

الفنان نبيه بلان

مع أنني في كل تجربة أنجزها أعيش حالة النشوة وأستمتع بالنتيجة التي تشدني إلى تجربة جديدة لأختبر البورتريه في عدد من الخامات وأكمل بحثي الذي لا أتوقع أنه سيتوقف، والانطلاق إلى أفكار أعمق، لكن القادم الذي بدأت أعدّ بعض تفاصيله على ذات المنحى وأخذتني الأفكار وتكثفت باتجاه جديد لغاية التحضير لمعرض فردي يقدم نتاج تجربتي الطويلة».

وصفه بالفنان الإنسان تبعاً لعمله المميز، وقال عنه الفنان "نبيه بلان": «على الرغم من صوت المطرقة والإزميل والصاروخ، إلا أنه يعمل بصمت من دون ضجيج، يرسم مشروعه الفني بهدوء ساعياً لجلاء الفكرة. كم هو رائع بابتسامته! إنه الفنان الإنسان المنسجم مع الفن كقيمة ومنطق للعطاء خارج حدود المادة والبحث عن الشهرة؛ وهو ما يمنح أعماله خاصية الدلالة.

من أعماله

استطاع أن يمتلك ناصية الفن بمختلف خاماته، عمل بالصلصال والبازلت ومؤخراً الخشب، وله تجارب متعددة أثارت انتباهي، وتابعته فوجدت تجربة جميلة تستحق الإضاءة؛ إنه مبدع حقاً.

حيث تمكّن النحات "لؤي الشعار" من إدراك النتائج قبل الوصول إليها، كذلك فإن تجربته في البورتريه كانت مميزة، مثل بورتريه "شافيز" وغيره من الأعمال الفنية مؤسساً لنوع من التخصص حاول تكريسه وأجاد فيه بنسب متقدمة. سمته النشاط ومحاولة الاستمرار على الرغم من المعوقات التي يتلاقى فيها مع شريحة الفنانين -وأنا منهم- القادرين على العمل والعطاء على الرغم من العناء والتعب».

الجدير بالذكر، أن الفنان "لؤي الشعار" من مواليد "السويداء" عام 1968، خريج كلية الفنون الجميلة عام 1993، حصل على عدة جوائز محلية وشارك في عدد من المعارض الجماعية، له أعمال مقتناة من قبل وزارة الثقافة وعدد من السفارات.