عمل "خالد فليحان" بالمهن الحرة ليكسب رزقه بالبناء، متأثراً بالبازلت خامة رافقت خياله، ونقل منها إلى الواقع رؤيته لتصاميم تعني له الكثير.

عندما عالج الحجر وفق معرفته التي كوّنها من عمله الخاص، أذى يديه وتعرّض لجروح، لكنه أراد التعامل مع صخور كانت في خياله صورة مرادفة للقوة، والصلابة ناجته بجمال، لوّنها ليحفر عليها من رسوم الخيال ما استطاع نقله على الورق، كما تحدث عبر مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 كانون الأول 2018، وقال: «لأبناء الريف شعور خاص وحميمي تجاه الصخور التي تحيط بمنازلهم؛ يقتربون منها ليستنشقوا رائحة عطر التراب والبازلت، قد يكون هذا العطر خلف محاولتي اكتشاف هذه الصخور.

في كل أعمالي حاولت تجاوز صلابة الحجر والتعامل مع البازلت وفق طبيعته القاسية، لكن في بعض الأعمال اختبرت التعامل مع الحديد والخشب وكوّنت تصاميم صغيرة الحجم مستفيداً من مهارات اكتسبتها بأعمال البناء، ليست للعرض بقدر ما هي نوع من الاختبار، وكانت تجربة ممتعة، لكن يبقى اهتمامي الأول بالبازلت والبحث عن نوع فريد من العمل، ليكون لي نوع من التميز وصفة تتلاقى عليها أعمالي من حيث الفكرة والرؤية الفنية محاولاً تصميم أشكال هرمية أصمّم قاعدتها للوصول إلى القمة؛ وهذا بالذات أكثر التصاميم وأجملها بالنسبة لي

بعد المعهد المهني دخلت مجال العمل في البناء، تعلّمت الحرفة وتابعت بها لأختبر العمل في "لبنان" مع بنّائين كبار حولي، وتميزت بالعمل، لكن في نهاية المطاف كنت أنجز جدراناً تغطى بالإسمنت والألوان، هنا يتسلل إلى قلبي شعور يحزنني أن العمل يختفي بعد جهد كبير، عندما تغطى الجدران بالإسمنت والطلاء؛ لذلك أخذتني رغبة العمل مع الحجر ليبقى موجوداً وغير قابل للتغطية أو الاختفاء، في كل فرصة بعد ساعات العمل الطويل حاولت أن أجمع من حجارة الكرم ما أستطيع، وأبحث عن صخور تناسب العمل، أخطط عليها بعض الرسوم وأكوّن تفاصيل تغير وجه الحجر، لكن التجارب لم تكن عابرة بلا آثار؛ فقد تركت على يدي آثارها كما تترك على صفحة الحجر، لأنني كنت مبتدئاً. هذا الاختبار بالنسبة لي كان كافياً لأؤسس بيني وبين الحجر علاقة جميلة عنوانها التعب والجهد ومعاناة لتعلّم طرائق نحت هذا الحجر.

الفنان خالد فليحان

على الرغم من كل الحوادث والتجارب التي حققت نجاحاً وأخرى أقل حظاً، لم تتوقف محاولاتي شبه السرية بعيداً عن معرفة الأهل عندما أضيف في كل مرة إلى معداتي قطعة جديدة، في بحث عن امتلاك ما يساعدني على تجسيد أشكال كان الخيال مصنعها، وحضرت في أحلامي تصاميم تجول شامخة قوية تشرق مع أشعة الشمس؛ أرسمها وأخطها على الورق، ومع أول لقاء مع الحجر أباشر نحتها بالشكل الذي أجده الأجمل والأقرب إليّ.

في أحد أحلامي وجدت نفسي أمام قنطرة حجرية عددت حجارتها وركبتها، وبالفعل حاولت على أرض الواقع تطبيقها وفق الطريقة القديمة التي اشتهرت في المنطقة وجسّدتها بشكلها الجميل، ومن يومها أخذت أتواصل مع أشخاص اشتهروا في منطقتنا بالتعامل مع الحجر؛ وهم رجال أفنوا العمر في بناء وتشييد البيوت الحجرية، تابعتهم وحاولت الاستفادة من طريقتهم في العمل؛ فهم أصحاب ذاكرة قوية بذلوا العمر على "سقالات" البناء ليقدموا فنونهم الحرفية الجميلة لكل من رغب في بناء تراثي جميل، وزرت نحاتي المحافظة المتميزين رغبة بالتعلم والاستفادة من تجاربهم؛ لأنني أجهد للحصول على المعلومة لأكوّن خبرتي وأنا في بداية طريق اخترته بمفردي ولدي نية الاستمرار لأترك بصمتي على صفحات حجرية أتمنى أن أتمكن من تحميلها رسائل الجمال والفن».

من أعماله

بين الكدّ والعمل شقّ طريقه إلى النحت بعناء، وقال: «تابعت عملي في البناء، واختبرت طرائق التعامل والكساء بالحجر (حجر البازلت)، وكانت هذه التجربة غنية جداً تعاملت فيها مع أنواع مختلفة وتقنيات مختلفة، وبها طورت تجاربي الأولى لأشكل منحوتات جديدة جسدتها، ويبقى للعمل الأول أهمية كبيرة رفضت بيعه واحتفظت به ليبقى رفيق مشواري، وأذكر أنني اضطررت إلى السفر للعمل مدة في "ليبيا" حملت معي فيها صور أعمالي لتكون رفيقة الرحلة وأنيسي في ذلك البلد.

في منزلي أسّست ورشتي الخاصة وتعاملت مع "رجمة" الحجارة؛ وهي أكوام الحجارة والصخور أمام منزلي، نقلتها وأعدت تشكيلها لأكوّن مكاناً يناسبني للعمل، وأستثمر المساحة وأستفيد من صخورها لنحت تكوينات صغيرة الحجم وأحقق غايتي في إنشاء مكاني الخاص، وأبقى على قيد العمل بين عملي اليومي والنحت».

الفنانة غصينة العقباني

من البازلت إلى خامات متنوعة تابع التجربة، كما أضاف بالقول: «في كل أعمالي حاولت تجاوز صلابة الحجر والتعامل مع البازلت وفق طبيعته القاسية، لكن في بعض الأعمال اختبرت التعامل مع الحديد والخشب وكوّنت تصاميم صغيرة الحجم مستفيداً من مهارات اكتسبتها بأعمال البناء، ليست للعرض بقدر ما هي نوع من الاختبار، وكانت تجربة ممتعة، لكن يبقى اهتمامي الأول بالبازلت والبحث عن نوع فريد من العمل، ليكون لي نوع من التميز وصفة تتلاقى عليها أعمالي من حيث الفكرة والرؤية الفنية محاولاً تصميم أشكال هرمية أصمّم قاعدتها للوصول إلى القمة؛ وهذا بالذات أكثر التصاميم وأجملها بالنسبة لي».

مدرّسة الفنون الفنانة "غصينة العقباني" تحدثت عن تجربة "خالد فليحان" التي التقى فيها نحت الحياة نحت الحجر، وقالت: «بعد متابعته عن قرب لمست صعوبة الظروف التي فاز بتجاوزها هذا الفنان، الذي لم ترصده الكاميرات ولا أي جهة إعلامية، يعمل بهدوء وصمت، ويبحث عن مكانه بالعمل، العمل لكسب لقمة العيش والكفاح ليحقق الحياة الكريمة لأسرته وحلمه بالنحت وتجسيد أفكاره على الحجر بجهد وتعب، وفي أوقات فراغه من العمل الشاق.

في مشغله أعمال فيها كثير من المعاني والجهد، وبالفعل شَغلت ركناً جميلاً في معارض جماعية أعددت لها، وكنت حريصة على حضورها لنقدم نوعاً جميلاً من التجارب تتحدث عن هذا النحات الذي لم يأخذ طريقه للشهرة، لكنه أخذ طريقه إلى قلوب من قرأ هذه الأعمال في عدد من المعارض.

أنجز صخرة الشهداء في مدينة "صلخد"، وقدم أعمالاً جميلة، أتمنى له الاستمرار؛ مع أنني أعرف صعوبة عمله وجهده الكبير لتجسيد موهبته الفنية والمتابعة ليقدم كل ما لديه إلى جهموره وكل من اهتم بمنتجه الفني المتميز».

ما يجدر ذكره، أن "خالد فليحان" من مواليد "صلخد" عام 1976، شارك بعدد من المعارض الجماعية، ونحت صخرة الشهداء في مدينة "صلخد"، ولديه عدة أعمال في المدينة.