استطاع "مروان أبو جهجاه" من وراء تمرسه بالموسيقا العربية والكلاسيكية الغربية تقديم نشاطات موسيقية كثيرة، وساهم بتأسيس العديد من المجموعات الموسيقية، وعزف على العديد من المسارح العالمية خلال مشاركاته مع فرق عالمية ومحلية.

مدونة وطن "eSyria" التقت بتاريخ 5 أيلول 2020 الموسيقي "مروان أبو جهجاه" في مكتبه بـ "المعهد العالي للموسيقا"، واستهل حديثه عن البدايات حيث قال: «تعلقت بالموسيقا منذ صغري، لاسيما حين أهداني والدي آلة أكورديون صغيرة وأنا لم أتجاوز السنوات الأربعة من عمري، تدربت عليها لحين استخراج الألحان والأغاني منها بشكل سماعي، وفي السادسة من عمري حصلت على أكورديون أفضل، عندها كنت قد ملكت بعض المهارات في العزف، وبدأت أشارك بالنشاطات المدرسية وأغني برفقة آلتي في المناسبات والاحتفالات، وبعد ذلك قدمت إلى معهد "صلحي الوادي" للموسيقا؛ المعهد "العربي" آنذاك، عام 1978، وعزفت في امتحان القبول على آلتي "الاكورديون" أمام لجنة تألفت من الأساتذة "صلحي الوادي"، "خضر جنيد"، "سينثيا الوادي" وبعد قبولي، اختار لي والدي آلة الكمان لتكون اختصاصي في المعهد، وهكذا بدأ مشواري في التعلم الأكاديمي لغاية انتسابي إلى "المعهد العالي للموسيقا" عام 1994».

من الضروري أولاً أن نحدد الهوية الموسيقية السورية، وأنا برأي لا توجد هوية موسيقية سورية واضحة لأن طيف الهوية السورية واسع جداً وشديد التنوع والاختلاف، تضم في داخلها ألواناً ونكهات وأشكال هائلة، ومن هنا فأنا لا أرى بأننا نفتقد هويتنا الموسيقية السورية، فكل ما ينتج عن موسيقي سوري يضاف إلى هذا التنوع

وعن أجواء المعهد حينها، وطرق التدريس فيه قال: «من جهة كانت الأجواء في غاية الجدية ومن جهة أخرى في غاية الألفة والود، كنا نشعر فعلاً شعور الأسرة، نمضي نهارنا كله في المعهد ما بين الدروس النظرية والعملية والتدريب، وتدريبات الأوركسترا السيمفونية التي كان المعهد لايزال يحتضنها، تالياً نشأت علاقات ودية وعميقة بيننا كطلاب وبين المدرسين وحتى العاملين الإداريين والعمال والحرس. أما الدروس، ومازالت طبعاً، دروساً جماعية عبارة عن محاضرات تجتمع من خلالها كل الدفعة ودروس إفرادية من ناحية التخصص العملي مع مدرسينا الخبراء من دول "الاتحاد السوفييتي"، وفي كلتا الحالتين بدت الدروس جدية صارمة، وقد تعلمنا الكثير من طريقة سير الدروس في المعهد، تعلمنا الانضباط واحترام المواعيد والمدرسين، فضلاً عن تعلم العلوم الموسيقية ومهارات العزف وخبرة المشاركة في الأوركسترا والكثير من الخبرات التي أصبحت فيما بعد سلاحاً في يدنا نواجه به الصعوبات والتحديات».

مع عدنان فتح الله عميد المعهد العالي للموسيقا

شارك في الكثير من النشاطات القيّمة، داخل "سورية" وخارجها، ووضع لنفسه بصمة في الساحة الفنية السورية، وهنا قال: «هنالك الكثير من المحطات الفنية التي أعتبرها هامة في حياتي الموسيقية المهنية، والتي أثرت بشكل إفرادي وجمعي في صقل وتكوين شخصيتي كموسيقي، ومن أهمها اختياري لأشارك في أوركسترا "البحر المتوسط" عام 1999، وجاءت هذه المشاركة كأول اختبار حقيقي لأكتشف مكاني بين الآخرين عالمياً، والمحطة الثانية هي اختياري لوضع موسيقا لعملين مسرحيين هما "المسخ"، و"جسد في مهب الريح" للمخرج "نمر سلمون"، استخرجا من داخلي مخزوناتي اللحنية، واكتشفت جانباً تأليفياً لم أكن أعلم بوجوده بشكله الواضح، هذا الجانب بقي حبيساً داخلي بعد هذين العملين إلى أن عمدت إلى استخراجه مؤخراً وبدأت بتأليف بعض الأعمال الموسيقية التي أعمل حالياً على وضع اللمسات النهائية لها.

ومن المحطات الهامة أيضاً اختياري للعزف ضمن فرقة السيدة "فيروز" عام 2002، ومن ثم فرقة الفنان "زياد الرحباني" الشيء الذي فتح لي آفاقاً جديدة في العمل الموسيقي، واكسبني خبرة في مجال جديد وفريد في عالم العمل الموسيقي الاحترافي، ولي محطات هامة مع "الفرقة الوطنية السيمفونية" كمشاركتي الفرقة في أمسية مع المغني العالمي "بلاسيدو دومينغو"، والعمل تحت قيادة المايسترو العالمي "ريكاردو موتي". ومن أحب المحطات على قلبي على صعيدي المهني الشخصي هو إقدامي على إحياء أمسية ضمن مهرجان "الباروك" قبل عامين كعازف منفرد، الشيء الذي لم أكن قد خبرته سابقاً، وأضافت لي هذه التجربة الكثير على الصعيد المهني والموسيقي الشخصي وفتحت لي باباً في هذا المجال، حيث قدمت عدة مقطوعات صولو في عدة أماسي».

أثناء التدريبات مع إحدى الفرق

يتعامل "أبو جهجاه" مع الموسيقا العربية والكلاسيكية العالمية على حدٍ سواء، وعن الكفة الراجحة لديه بالنسبة لهذين الشكلين من الموسيقا قال: «لكل منهما سحره الخاص، لا أستطيع الاختيار بين الماء والطعام، فكلاهما ضروري، كل لون يشبع جانباً موسيقياً لدي، الموسيقا الكلاسيكية موسيقا متقنة منظمة صارمة القواعد، وهذا يشبهني، وبالمقابل فالموسيقا الشرقية عاطفية وجدانية ودافئة، وهذا الجانب أيضاً يشبهني، اللونان ضروريان لوجودي، لا أستطيع الاستغناء عن أي منهما، ولكل منهما وقته ومكانه وحاجته».

يرى بأنه لا يوجد هوية واضحة للموسيقا السورية، لأنها غنية بألوانها وأشكالها حين قال: «من الضروري أولاً أن نحدد الهوية الموسيقية السورية، وأنا برأي لا توجد هوية موسيقية سورية واضحة لأن طيف الهوية السورية واسع جداً وشديد التنوع والاختلاف، تضم في داخلها ألواناً ونكهات وأشكال هائلة، ومن هنا فأنا لا أرى بأننا نفتقد هويتنا الموسيقية السورية، فكل ما ينتج عن موسيقي سوري يضاف إلى هذا التنوع».

مع أساتذة من المعهد

وعن الصعوبات التي يواجهها "المعهد العالي للموسيقا" كونه وكيلاً فيه منذ تسع سنوات، أضاف: «أنا وكيل للمعهد منذ بداية الحرب على "سورية" إلى الآن، وهذه الفترة لم تكن صعبة على المعهد فحسب، بل كذلك على جميع مناحي الحياة، بإمكاني إيجاز الصعوبات الأساسية التي واجهتنا خلال الفترة الماضية والتي أدت بدورها إلى مشاكل أخرى بصعوبتين أساسيتين، الأولى فقدان الكادر التدريسي الأجنبي الذي كان عماد التدريس الأكاديمي في المعهد، والثاني سفر الطلاب بعد تخرجهم لأسباب متعددة متعلقة بظروف البلد، الشيء الذي أفرغ المعهد من قيمته، حيث فقدنا المنتج الذي يفترض به أن يرفد فرقنا الموسيقية وكادرنا التدريسي، وأصبح اعتمادنا كلياً على خريجي المعهد القدماء وحتى الجدد للتدريس».

"ميساك باغبودريان" قائد الفرقة "السيمفونية الوطنية" قال: «يعتبر الفنان "مروان" من الأجيال الموسيقية السورية التي تابعت مسيرة الأساتذة المؤسسين أمثال الأستاذ "صلحي الوادي" و"خضر جنيد" وهو موسيقي موهوب اختار آلة الفيولا ليكون من أوائل عازفي هذه الآلة في "الفرقة السيمفونية الوطنية"، هو شخص متحمس للموسيقا وللعطاء الموسيقي سواء من الجانب التربوي التعليمي أو من جانب الأداء الموسيقي كعازف في الفرق الموسيقية أو موسيقا الحجرة، يتميز بشخصية لطيفة مؤدبة وروح مرحة بحس فكاهة عالي الذكاء».

"عدنان فتح الله" عميد "المعهد العالي للموسيقا"، وقائد "الفرقة السورية الوطنية للموسيقا العربية"، قال: «"مروان أبو جهجاه" من الأشخاص الذين قدموا الكثير للمعهد العالي، وحالياً هو أهم أعمدة المعهد في مهمته كوكيل، يتميز بالصدق والعطاء والوفاء وبالانتماء إلى المكان الذي يعمل فيه، وهو العازف الأول في "الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية"، يعزف الموسيقا الكلاسيكية الغربية بأسلوب متميز، وهذا لم يبعده عن أصالته وموسيقاه الشرقية والعربية، ويعزفهما باحترافية مميزة، ويساهم بشكل كبير برفد المعهد من خلال تدريسه آلة الفيولا في معهد "صلحي الوادي" للموسيقا، كما يعتبر من المحاضرين المهمين في المعهد العالي».

”مروان أبو جهجاه" من مواليد "بودابست" عام 1972، حيث كان يدرس والده وهو من "السويداء"، تخرج من "المعهد العالي للموسيقا" بـ "دمشق" عام 1999 وهو عضو في "الفرقة السيمفونية الوطنية السورية" و"الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية "، شارك بعدد كبير من الحفلات داخل وخارج "سورية"، ويشغل الآن وكيل "المعهد العالي للموسيقا" بـ "دمشق".