في تحدٍّ لظروف استثنائية، وعدم تمكنهم من الوصول إلى الحقول الزراعية، استثمر أهالي قرية "برد" حدائقهم لتحسين واقعهم الاقتصادي وتأمين الكفاية، بعد حصولهم على سلف تشغيل من "الأمانة السورية للتنمية".

حرم الأهالي من استثمار أراضيهم الزراعية البعيدة مع بداية الحرب، فأخذ أهلها يبحثون عن فرصة اتضحت معالمها بالتشاور مع جهات متخصصة بدعم مشاريع التنمية، ويمكن من خلالها تهيئة مسارات عمل تحقق نوعاً من الكفاية لعدد من الأسر التي تمسكت بالبقاء في القرية والعمل فيها. وكان المشروع عبارة عن زراعة حديقة صغيرة، كما تحدثت "ألفت طربيه" من أهالي القرية لمدونة وطن "eSyria" بتاريخ 19 آب 2018، التي حصلت على قرض صغير، وبدأت مشروعها، حيث قالت: «قريتنا صغيرة وبعيدة عن المدينة، كان وما زال اعتمادها الأول على الزراعة لكون أراضيها صالحة لزراعات مختلفة تبدأ بالمحاصيل الحقلية. فقد حرمنا من نعمة الوصول إلى الأراضي والاستفادة من خيرها، وأخذنا نبحث عن بدائل، وبالتعاون مع "الأمانة السورية للتنمية" و"مشروعي"، حيث قدموا لنا فرصة الحصول على قروض صغيرة، وكان علينا التفكير بمشاريع للعمل ضمن الظروف المتاحة مثل زراعة الحدائق، وتربية المواشي والطيور وغيرها من المشاريع الصغيرة.

لأننا بحاجة إلى العمل ولدينا شعور يجمعنا كأهل نتعاون في مساعدة بعضنا في انتقاء البذار المناسب، ونستفيد من التجارب، وبالنسبة لي، فأنا أسوق للخضار المنتجة وألبي طلبات الأهالي بالحصول على أنواع البذار الجيدة والأكثر إنتاجاً، وهو عمل تعودته، فهو فرصتنا لتحسين الدخل لكون عدد من الأشخاص موظفين وبعضهم لا دخل لهم سوى ما ينتجون من خضار بكل المواسم

فقد حصلت في البداية على قرض لتربية طيور "الراماج"، وبدأت هذا المشروع الذي عملت به عامين وعاد بإنتاج جيد، لكن مع ظهور أزمة التسويق التي أدت إلى توقفي عن تربيته، واتجهت إلى زراعة الحديقة المنزلية لأحافظ على رأس المال، وقيمة القرض الذي حصلت عليه لأستمر في العمل، حديقتي لا تزيد مساحتها على الدونم، لكنها فرصتي الوحيدة للحصول على الدخل وتحسين أوضاع أسرتي.

عبد الله أبو صعب في رحلته الصباحية

ومثلي مثل عدد كبير من سيدات القرية استثمرن هذه المساحة، لتكون مؤهلة لإنتاج أنواع مطلوبة من الخضار، التي تطلب في الأسواق، خاصة أنها تروى بمياه نقية ونظيفة، وهذا ما ساعد في التعريف بخضار قريتنا، ويكفي أن تقول من "برد" حتى تسوق الخضار».

وتضيف: «كميات كبيرة تنتجها السيدات من هذه الحدائق، وأصبح لدينا عشرات المزارعات اللواتي أضفن هذا المشروع لأعمالهن المنزلية بمساعدة الرجال، وأسسنا لحالة من التعاون، لتكون النتيجة إيراد عوض الكثير من الأسر عن البحث عن مدخول إضافي، وفي حال توفرت لدينا مساحات واسعة أتوقع أننا نحقق نقلة مميزة على المستوى الاقتصادي، فقد تعلمنا أساليب زراعة البذار المحسنة ومواسمها وطرائق رعايتها وقصها وتنسيقها لتكون مناسبة للتسويق، ونحافظ على عدم استخدام الأسمدة الكيماوية لتبقى زراعتنا نظيفة مناسبة ومطلوبة لكل من يهتم بصحته، والجميل أننا بهذا الإنتاج نعرّف دائماً بـ"برد" هذه القرية الصغيرة بإنتاجها ليدخل كل المنازل، ويضاف إلى طعامهم ونتشارك معهم».

مسؤول الإقراض في برنامج مشروعي وليد الحمود

يباشر "عبد الله أبو صعب" جولته الصباحية على دراجة صمم لها عربة إضافية لتتسع لكميات كبيرة من الخضراوات، ويجمع من الحدائق كميات كبيرة من "البقدونس" و"السبانخ" و"الخس" وغيرها من الخضار اليانعة، لينتقل بها إلى القرى المجاورة، ويقول: «بعد أن تحول أهالي قريتي إلى زراعة الخضار واستثمار ما يحيط بالمنازل، وجدت فرصة عمل مناسبة، فقد أنتجوا أنواعاً مميزة من الخضار التي تطلب كثيراً، ولا يمكن الاستغناء عنها؛ لتكون "برد" إحدى القرى المنتجة، وتحولت إلى منافسة قوية لكونها تنتج بالاعتماد على السقاية من مياه الآبار، وهذه ميزة جعلت لخضارنا تميزاً عما يتوفر في الأسواق.

ولغاية الحصول على عمل وتسويق إنتاج القرية تعاملت مع أهالي قريتي، وأخذت أجمع في كل يوم ما لديهم من كميات مناسبة للبيع أنقلها إلى قريتي "رساس" و"القريا"، وغيرهما من القرى المجاورة، أو إلى أسواق المدينة، وحسب الطلب لأبيعها وأعود للمزارعين بأثمان مناسبة».

حقول برد خضراء بالعمل

هذا العمل خلق حالة من التعاون، وأضاف: «لأننا بحاجة إلى العمل ولدينا شعور يجمعنا كأهل نتعاون في مساعدة بعضنا في انتقاء البذار المناسب، ونستفيد من التجارب، وبالنسبة لي، فأنا أسوق للخضار المنتجة وألبي طلبات الأهالي بالحصول على أنواع البذار الجيدة والأكثر إنتاجاً، وهو عمل تعودته، فهو فرصتنا لتحسين الدخل لكون عدد من الأشخاص موظفين وبعضهم لا دخل لهم سوى ما ينتجون من خضار بكل المواسم».

"وليد الحمود" مسؤول الإقراض ببرنامج "مشروعي" في مكتب التنمية المحلية في "السويداء"، قال: «إن الدور الأهم "للأمانة السورية للتنمية" ووزارة الإدارة المحلية عبر برنامج "مشروعي" هو الاعتماد على القواعد الشعبية وإشراك كافة الشرائح في إدارة تجمعاتها، وهو تغيير ثقافي بنيوي من جهة، ورسم لاستراتيجية إدارة المكان، ووضع الخطط له من جهة أخرى؛ وهو ما يعني الانتقال إلى إشراك المجتمع في رسم مستقبل وطن بأجيال متميزة معطاءة تساهم في استثمار الموارد، وهي إحدى أهم ركائز التنمية المستدامة، خاصة عندما نستطيع تطويرها بإيجاد حاجاتها والتأثير بالوضع الراهن كي يلبي احتياجاتها، وهنا يكمن دور لجان التنمية عندما تمتلك المكان بكوادره وإمكانياته تستطيع أن تخطط، ونستطيع أن نصل إلى الفارق، هذا ما آمنا به وعملنا من أجله عبر لجان أيقنت أن التشبث بالأرض هو أهم وسائل الصمود».

ويضيف: «تلك القرية الصغيرة بالمساحة وعدد السكان، التي أصبحت أراضيها الزراعية خارج نطاق الاستثمار بسبب الألغام والقنص والحصار والبعد عن مركز المدينة، وعدم توفر مقومات الحياة، عانت بين التشبث بالأرض أو هجرتها، ولعدم توفر الإمكانيات المادية كان برنامج "مشروعي" هو الحل، ولتوفر المياه من خلال بئر المكرمة كان الحل استثمار الحدائق المنزلية، فاكتسب أهل المكان الخبرة وبدؤوا استثمار الأراضي بين البيوت، لتتحول "برد" إلى خزان للمحافظة، رفدتها بأفضل أنواع الخضار، وأمنت استقلالاً مادياً للأسر، وفعلاً نستطيع أن نقول إن برنامج "مشروعي" الذي قدم من "الأمانة السورية للتنمية" أسس مع الأهالي علامة فارقة في القرية، حيث استفاد أهلها من سلف شبكات التنقيط على نحو كبير، إضافة إلى تربية الماشية والدواجن، ويمكننا أن نقول إن أغلبية أسر التجمع قد استفادت من المشروع، ومن لم يستفد من سلف تشغيلية، فقد استفاد من سلف تعليمية. ويبقى هاجس الأهالي في التجمع هو الحفاظ على بئر المكرمة، الذي أمن لهم مياه الشرب والسقاية طوال فترة الأزمة، ولذلك فإن مطلب لجنتها التنموية هو تأمين تغذية كهربائية مستدامة للبئر، وهو ما يتم العمل عليه».

ما يجدر ذكره، أن قرية "برد" تبعد عن مدينة "السويداء" قرابة 40كم، ولا يتجاوز عدد سكانها 400 نسمة.