أسست "باسمة الشيباني" مشروع مطبخ ومخبز في قرية "الرحى" عام 2016، في البداية حصلت على قرض من الأمانة السورية للتنمية قيمته 150 ألف ليرة لشراء المعدات الأولية، ومن ثم استعانت بمصارف خاصة للحصول على تمويل أكبر لتوسيع المشروع.

حالياً لدى "باسمة" مطبخٌ ومخبزٌ وتصنيع ألبان وأجبان، وقد تعاقدت مع جمعية خيرية لطبخ طعام العزاء بسعر أقل من المتعارف عليه، المشروع ساهم بحسب ما تروي لمدوّنة وطن في تحقيق حالة من الاكتفاء الذاتي لها، وتوفير فرص عمل لعدد من الأشخاص الذين عملوا معها في المشروع، فهناك شابٌّ يعمل في المخبز بشكل دائم وعاملتان في المطبخ.

كما أقمت عدداً من دورات التدريب لسيدات وفتيات للاستفادة من بقايا الأقمشة في صنع ما يحتاجه المنزل، فكل سيدة مصنوعاتها تعود لذائقتها الفنية وحاجيات منزلها

لم تقف المشروعات الصغيرة في محافظة "السويداء" عند المشروعات التقليدية والمعتادة، بل ظهرت مشروعات خدمية متميزة ساهمت بحراك اقتصادي وإن كان على نطاق ضيق إلا أنه وفّر مصدر دخل للعديد من الأسر في المحافظة، فمثلاً في قرية "الكفر" مشروع صغير لتصنيع مكعبات تستخدم للتدفئة، يتحدث "صالح حسن مرشد" عن مشروعه قائلاً: «انطلقت من مبدأ "الحاجة أم الاختراع"، فالشتاء في محافظة "السويداء" بارد جداً والعديد من الأسر تجد صعوبة في تأمين وقود الشتاء، ومنعاً لقطع الأشجار الجائر وحفاظاً على الثروة الحراجية لدينا، قمت بتصنيع مكعبات من بقايا الشجر والكرتون مع نشارة الخشب، هذه المواد تطحن وتعجن بالماء وبعدها تكبس في قوالب خاصة وتصبح جاهزة للتدفئة بعد تجفيفها».

باسمة الشيباني

ويضيف في حديثه لمدوّنة وطن: «صممت المكبس يدوياً، بعد تجارب عديدة سابقة حيث كنت أعمل كل شيء بشكل يدوي وهذا الأمر مرهق للغاية، وخاصة أن عمري 67 عاماً، استعنت برافعة سيارات ومكبس حديد فصلته يدوياً و(موتور) غسالة لتشغيل ذراع المكبس أوتوماتيكياً، لنصل إلى المستوى المطلوب للضغط، المنتج جيد ويؤمّن التدفئة وجميع الكميات التي تمّ تصنيعها بيعت بالكامل».

في المقابل فإن المشاريع التقليدية من تربية دواجن وأغنام وأبقار ومشاتل زراعية لم تتراجع، وإنما زاد عددها مؤخراً بشكل كبير على امتداد ساحة المحافظة، نتيجة للظروف الاقتصادية التي فرضتها الحرب، وقد تم توثيق مشاريع زراعية صغيرة على أسطح البيوت في المدن، وهذا إن دل على شيء، فهو دليل إصرار وتحدٍّ لجميع الظروف.

جنان كمال الدين

ومع أنّ الكثير من هذه المشاريع أُقيم لسد الرمق وتأمين احتياجات المنزل وتوفير مستوى لائق للمعيشة، إلا أن جزءاً منها أيضاً اعتمد على إشباع الذائقة البصرية، كمشروع "جنان كمال الدين" الذي وصف بالإبداعي والفني لتميزه.

أطلقت "كمال الدين" على مشروعها اسم "نساء يعدن الحياة" وهو يعدُّ الأول من نوعه في "السويداء" حيث يعتمد هذا المشروع على خبرة وذائقة السيدة في إعادة تدوير الأقمشة لصنع مستلزمات المنزل، وقد تحدثت "جنان" عن جوهر مشروعها بالقول: «إعادة التدوير موروث قديم ورثناه من جداتنا اللواتي عشن حياة فقيرة دفعتهن للاستفادة من بقايا الأقمشة في صنع ثياب أطفالهن، أما في الوقت الحالي فقد اختلف مفهوم إعادة التدوير، فأنا لا أصنع ملابس إنما أصنع مفارشَ وقطعاً تضفي رونقاً وجمالاً على المنزل، وقد نالت القطع التي صممتها الإعجاب، وأقمت معارض عديدة منها ما هو فردي ومعارض جماعية في المركز الثقافي في "السويداء" وفي "دمشق" و"اللاذقية" و"طرطوس" وغيرها من المحافظات».

أحد المشروعات فقاسة للبيض

وتضيف : «كما أقمت عدداً من دورات التدريب لسيدات وفتيات للاستفادة من بقايا الأقمشة في صنع ما يحتاجه المنزل، فكل سيدة مصنوعاتها تعود لذائقتها الفنية وحاجيات منزلها».

العديد من الجهات الحكومية دعمت مشاريع مكافحة البطالة، منها جهات عامة وخاصة ممثلة بجمعيات ومصارف خاصة، ولمعرفة آلية العمل لدى هذه الجهات التقينا "نبيهة أبو صعب" مدير صندوق المعونة الاجتماعية في محافظة "السويداء" التي تحدثت عن دعم مشروعات مكافحة البطالة بالقول: «تأسس صندوق المعونة الاجتماعية عام 2018 وهو يقدم قروضاً بالتعاون مع المصرف الزراعي لدعم وتمكين أهل الريف والحد من هجرة الريف للمدينة، هذه القروض تعطى بتسهيلات كبيرة منها مساعدة الصندوق للمقترض بـ4% من قيمة فوائد القرض في حين يسدد المقترض 6% من قيمة الفوائد، وتم منح العديد من القروض في المحافظة، منها لصناعة المخللات وتربية الأغنام وصناعة الألبان والأجبان وتسمين العجول، ولدينا وفق سجلاتنا 32 مشروعاً ممولاً من الصندوق، علماً أن الصندوق لا يمول المشروعات كافة، بل يمنح القروض للمشروعات المدرجة ضمن القائمة المعتمدة لدينا والتي يبلغ عددها 37 مشروعاً مسجلاً».

"وليد الحمود" مسؤول اللجان والتسليف في مكتب التنمية المحلية أوضح أنه «مع بداية برنامج مشروعي وتشكيل لجان التنمية المحلية كان التوجه يقوم على دعم الموارد المنزلية والشخصية من أجل زيادة دخل الأسر المحتاجة، وبدأت فعلاً لجان التنمية المحلية بالتوجه نحو الموارد البشرية على اعتبارها الجزء الأهم في عملية التنمية، وفي هذا السياق لدينا إنجازات عديدة من خلال تقديم السلف التعليمية للطلاب، الذين يدعمهم المجتمع المحلي أيضاً عبر مغتربيه، وتقديم القروض لدعم الزراعة وتربية المواشي، ففي قرية "رساس" قامت لجنة القرية بشراء الكتب وتقديمها للطلاب وفق نظام الإعارة نظراً لارتفاع ثمن الكتب في الوقت الحالي وعجز معظم الأسر عن تأمينها، وأطلق على هذه التجربة المكتبة الدوارة وتم تطبيقها في قرى "دوما" و"سهوة بلاطة" و"الغارية" و"مياماس" إضافة إلى "رساس"».

أبرز المشروعات بدأت بفكرة، وإن جاءت أفكار المشاريع التنموية الصغيرة التي أقيمت في محافظة "السويداء" من فكرة الحاجة والعمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي من خلال تأمين مستلزمات الحياة وتحقيق عائد اقتصادي يحسّن مستوى المعيشة، إلا أنها لم تخلُ من التميز والإبداع الذي كشف مواهب وإبداعات عديدة.

اللقاءات تمت بتاريخ 16 كانون الأول 2020.