الأدوات المطبخ الجبلي التي تستخدم لدر الحليب، ومشتقاته من الزبدة، واللبن، وللماء، أدوات مصنوعة من الجلد، والتي تعتبر أدوات تراثية في تاريخنا المعاصر، لأنها ترافقت مع الحياة الجبلية البسيطة.

تقسم أدوات المطبخ الجبلي لأدوات عدة منها الجلدية وهي من المصنوعات المحلية في جبل العرب، إذ تقوم بصنعها النساء، ذلك لتوافر المادة الخام من جلود الذبائح المنزلية، جلود المعاليف وجلود ذبائح المناسبات، والأوعية الجلدية لا تستخدم في المطبخ الجبلي للخزن، وإنما للاستخدام الآني، وأكثر استخدامها لدر الحليب ومشتقاته، وللماء.

إن أجمل ما يكسر حرارة الصيف في البادية كأساً من لبن الشنينة التي كان أصحاب البيوت يقدمونها لنا في جولاتنا، والتي تشعر بقيمتها الغذائية والتاريخية والطبيعية وجمالية بساطتها وطعمها اللذيذ، بل ربما تترك لديك أثراً كبيراً كيف استطاع الإنسان أن يبدع أدواته ويتلاءم معها وتكيفه مع الطبيعة القاسية في أساليب الحياة، تلك الأدوات لها نمطها التاريخي وهي تنطوي على موروث ثقافي اجتماعي يجدر بنا إعادة تدوينه وتوثيقه مجدداً

الأستاذ "فوزات رزق" عضو اتحاد الكتاب العرب تحدث لموقع eSwueda بتاريخ 28/12/2011 عن أهم هذه الأدوات بالقول: «من أولى تلك الأدوات "الجُفّ" وهو وعاء كبير يستخدم لخض اللبن وفصل الزبدة، ويخاط الجف من جلد الماعز أو الغنم الذي نزع شعره أو صوفه، على أن يقلب الجلد بحيث يكون الوجه الأنسي للخارج، والوجه الوحشي للداخل، وذلك لأن بقايا اللحم التي قد تعلق بالجلد عند السلخ قد تفسد اللبن، ولذلك فهم يزيلون الشعر إزالة تامة، ويجعلون هذا الوجه بطن الجف أو الشكوة، وربما احتاج صنع الجف إلى جلدين أو أكثر بحيث يتسع لأربعين ليتراً من اللبن، وحينما يوضع فيه اللبن الرائب ينفخ، فيأخذ شكلاً مائلاً إلى الكروي، وللجف مسكة تأخذها المرأة بيديها أثناء الخض، وتدفعه للأمام والخلف، بحركات متتابعة وذلك لفصل الزبدة عن اللبن. وتسمى هذه العملية الخضيض.

الباحث التراثي فوزات رزق

وموسم الخضيض يبدأ من أول الربيع إلى منتصف الصيف، وقد دخل الجف في تشبيهاتهم فقالوا في الرجل السمين "منفوخ مثل الجف"، وربما وصفوا المتكبر بهذه الصفة، وكذلك فقد دخل الخضيض في أمثالهم فقالوا: "خض المي هي مي" يضرب في الأمر الذي يستعصي على التغيير والتطوير مهما استخدمت من وسائل.. ومن تعابيرهم حين تنتهي المرأة من خض الجف واستخلاص الزبدة "صيّرت الجف"، أي أنهت عملية فصل الزبدة.

ثانياً "الشكوة" وهي وعاء من الجلد أصغر من الجف، ويتكون من جلد عنزة أو نعجة منزوع الشعر أو الصوف، ويسلخ الجلد المزمع إنشاؤه شكوة بطريقة خاصة، بحيث يبقى دون شق، وتسمى هذه الطريقة الكفت، حيث تعلق الشاة من عرقوبها ويتم السلخ بدأ من الرجلين، ثم يدبغ وينتزع شعره أو صوفه، ثم يقلب بحيث يصبح الوجه المشعر إلى الداخل كما في طريقة الجف، وتتخذ الشكوة المنفوخة شكل الشاة بقوائمها البارزة، ولكن بلا رأس، وتستخدم الشكوة لحفظ اللبن الرائب يومين أو ثلاثة أيام ليصار إلى خضه، وغالباً ما يكون في البيت أكثر من شكوة بحسب كمية الدّر، غير أنه لا يوجد إلا جف واحد مهما كثر الدر».

الأستاذ محمد طربيه

وعن باقي الأدوات تابع الباحث "رزق" بالقول: «هناك أيضاً "السعنة" وهي وعاء أصغر من الشكوة، ويتكون من جلد سخلة منزوع الشعر، يسلخ بطريقة سلخ جلد الشكوة، فيدبغ وينتزع شعره، وتستخدم السعنة لوضع اللبن الرائب أو المخيض "الشنينة" لحملها إلى الحقل للحصادين أو الحراثين، وإنما يختارون السعنة لهذا الغرض لأن الجلد من شأنه أن يحتفظ ببرودة اللبن، فإذا سخن اللبن أصبح حامضاً وفقد طعمه وطزاجته، أيضاً هناك "العكة" وهي مثل السعنة، لكنها تتكوّن من جلد الخروف أو العبورة "صغيرة الغنم"، واستخدام "العكة" كاستخدام "السعنة"، فهي لخزن السمن خزناً مؤقتاً للاستهلاك، وقد دخلت "العكّة" في تشبيهات الجبليين وأمثالهم، فإذا أرادوا أن يصفوا ولداً بصحته الجيدة، وامتلاء جسمه قالوا: "اسم الله عليه، مثل العكّة"، وإذا صادفهم أن كال أحدهم بمكيالين فلبى طلب البعض مهابةً أو خوفاً أو طمعاً، ومنع البعض الآخر استهانة وتجاهلاً لقدرهم ، قالوا في ذلك "في ناس بينقرالهن العذر، وفي ناس بتنعصرلهن العكّة"، أي هناك من تستطيع أن تعتذر لهم دون حرج، وهناك من إذا سألك حاجة تختلقها له اختلاقاً، فتعصر له العكّة لتستخرج بقايا سمنها ولا يمكنك أن تقول له لا يوجد لدي سمن، وربما وضعوا في العكّة دبساً بدلاً من السمن، أو ربما وضعوا الدبس والسمن معاً وهي أكلة على غاية من الفخامة في المائدة الجبلية، "القربة" ولا يختص الجبليون بهذا الوعاء الجلدي، فهو معروف منذ القدم باسمه وشكله الذي يتكّون من جلد عنزة لم ينتزع شعرها، والغاية من الاحتفاظ بالشعر على جلد القربة هي المحافظة عل برودة الماء. والقربة تستخدم عند الجبليين لنقل الماء للعاملين في الحقل، وغالباً ما يكون ذلك أيام الحصاد، إذ يرصفون للقربة رصيفاً من الحجارة ويضعونها رافعين فوقها مظلة من الخيش وغيره مفتوحة من جهة الغرب والشمال ليتشكل تيار من الهواء يساهم في احتفاظ الماء ببرودته، وقد دخلت القربة أيضاً في تشبيهات الجبليين، فإذا أرادوا أن يسخروا ممن لا نخوة لدية، أو لا طاقة له على نجدة الآخرين قالوا: "كأنك عبتنفخ بقربة مقطوعة"، فهي لا تستجيب للنفخ. ويقولون في أمثالهم: "الإنسان قربة دم"، حينما يجرح المرء جرحاً بليغاً لا طاقة لهم بالسيطرة عليه، وإذا أرادوا أن ينددوا بالقرابة التي لا تراعي صلة الرحم قالوا "قربة مقطوعة"، أي قربى لا نفع منها مثل القربة المثقوبة.

والجدير بالذكر أن الجبليين لا يستخدمون القربة إلا في الحقول، أما في بيوتهم فالخابية هي مستودع ماء الشرب عندهم».

المهندس عبد الله نوح

وحول باقي أدوات المطبخ الجبلي الجلدية أوضح الباحث التراثي الأستاذ "محمد طربيه" رئيس فرع جمعية العاديات بالسويداء، وعضو اتحاد الكتاب العرب بالقول: «ومن الأدوات أيضاً التي استخدمها العرب البداوة ودخلت على جبل العرب، "الجود" لعله من عدة البدوي أثناء رعيه للغنم أو الجمال، إلا أن الجبليين يستخدمونه في أسفارهم، وهو كالقربة إلا أنه جلد جدي منزوع الشعر، وربما بقي شعره، يعبأ ماءً ويعلق بالسرج أو بالركاب على ظهر المطية، وهناك "الجراب" وهو جلد "جفر" والجفر هو "أكبر من الجدي وأصغر من التيس"، غير منزوع الشعر يستخدمونه لوضع الزوّادة حين ذهابهم للعمل في الحقول، كي يحتفظ بالخبز طرياً، ومن الأدوات أيضاً "مجربة القهوة" وهي وعاء صغير من الجلد يحفظون فيها القهوة المرة النيئة، ويعلقونها بصدر المضافة مع "المحماسة"، وربما حاكوا المجربة من خيوط الصوف الملونة».

وعن أدوات المطبخ الجبلي بينت السيدة "تركية عماد" مربية لقطعان الأغنام والماعز قائلة: «في القديم لم نكن نملك البرادات ولم تصلنا الكهرباء كما اليوم، ولهذا كنا نعمل على إيجاد وسائل لحفظ الأطعمة والأغذية التي نقوم بتصنيعها يدوياً وهي من مشتقات الحليب، ولهذا استخدمنا "الجف" وحركة "الجف" كانت تترافق مع أهازيج وحداء خاصة معها حسب وضع المرأة إذا كانت حزينة فإن أغاني الندب والحزن بائنة، وإذا كانت فرحة تراها تغني أغاني الفرح والبهجة وهي من نوع الهجيني الطويل ذلك لأن العمل به يحتاج إلى وقت طويل لتبديد الوقت، كذلك الشكوة والسعنة، وغيرها، وهي أدوات يتم تصنيعها من جلود الأغنام والماعز الحافظة على رطوبة الأغذية أو الماء وما شابه ذلك، أما اليوم فقد تطورت الأدوات والأساليب ولم نعد نحتاج إلى كل ذلك العناء».

ويقول المهندس "عبد الله نوح" الباحث في مجال الإنتاج الحيواني عن تلك الأدوات التقليدية لدى البداوة: «إن أجمل ما يكسر حرارة الصيف في البادية كأساً من لبن الشنينة التي كان أصحاب البيوت يقدمونها لنا في جولاتنا، والتي تشعر بقيمتها الغذائية والتاريخية والطبيعية وجمالية بساطتها وطعمها اللذيذ، بل ربما تترك لديك أثراً كبيراً كيف استطاع الإنسان أن يبدع أدواته ويتلاءم معها وتكيفه مع الطبيعة القاسية في أساليب الحياة، تلك الأدوات لها نمطها التاريخي وهي تنطوي على موروث ثقافي اجتماعي يجدر بنا إعادة تدوينه وتوثيقه مجدداً».