لم تكن "السكبة" التي يقدمها عدد من أهالي مدينة "شهبا" خلال شهر "رمضان" دخيلة على المجتمع أو الناس القاطنين فيها، فهي عادة قديمة ومتوارثة، وفي هذا الطعام المشترك تكمن عادة "العيش والملح"، وتهدف إلى بثّ رسائل متعددة الاتجاهات في الداخل والخارج.

فالطعام الذي يعدّ بأيدي الشباب الذين أطلقوا على أنفسهم فريق "بيتي أنا بيتك" ليس هدفه تقديم وجبة طعام للعائلات المهجّرة والنازحة بفعل النزيف السوري المستمر، أو للصائمين الذين تحضروا جيداً للشهر الفضيل، بل هي حالة من بثّ شعور المحبة والألفة بين مكونات المجتمع الواحد.

قصة "سكبة رمضان" ليست متعلقة بوجبة طعام أو صدقة، أو مساعدة للعائلات الفقيرة، القصة تشبه إلى حدّ ما العصفور "أبو الحن" (مغرد الشتاء الوحيد)، الذي عندما سمع أن السماء سوف تطبق على الأرض، استلقى ورفع أقدامه صوب السماء ليساهم بمنع حدوث الكارثة. إذاً، الموضوع ليس هدفه الأكل والشرب، بل رسالة من خلال مساهمتنا من أجل التكافل والحب وبناء السلام، فالحجر الذي تم تدميره في كل "سورية" يمكن أن نعيد بناءه بسهولة، لكن الصعوبة تكمن في بناء العلاقات الصحيحة وصفاء قلوب البشر.. كل البشر

مدونة وطن "eSyria" حضرت أحد أيام "سكبة رمضان" بتاريخ 17 حزيران 2017، والتقت "سامر دنون" أحد المنظمين لهذه الفعالية منذ سنوات، وقال عن الهدف منها: «قصة "سكبة رمضان" ليست متعلقة بوجبة طعام أو صدقة، أو مساعدة للعائلات الفقيرة، القصة تشبه إلى حدّ ما العصفور "أبو الحن" (مغرد الشتاء الوحيد)، الذي عندما سمع أن السماء سوف تطبق على الأرض، استلقى ورفع أقدامه صوب السماء ليساهم بمنع حدوث الكارثة.

أثناء تحضير إحدى الوجبات

إذاً، الموضوع ليس هدفه الأكل والشرب، بل رسالة من خلال مساهمتنا من أجل التكافل والحب وبناء السلام، فالحجر الذي تم تدميره في كل "سورية" يمكن أن نعيد بناءه بسهولة، لكن الصعوبة تكمن في بناء العلاقات الصحيحة وصفاء قلوب البشر.. كل البشر».

المتطوعة "ميلانة شرف" قالت عن طريقة التوزيع: «نستهدف في هذه الفعالية عائلات الأسر النازحة من مختلف مناطق "سورية"، التي حطت رحالها بين أهلها في مدينة "شهبا"، حيث نقوم بطرق الأبواب للتهنئة بالشهر الفضيل، ونقدم "السكبة" تعبيراً عن المحبة والسلام، وأننا في بيت واحد، ولا يمكن لأحد أن يلغي هذه العلاقة التي جمعتنا منذ آلاف السنين على هذه الأرض.

الجميع يشاركون في العمل

ونستهدف كذلك عائلات الشهداء لكي يشعروا بأنهم ليسوا وحيدين بالفراق والفقد، وأننا أسرتهم الكبيرة التي تحاول التعويض ولو ببسمة عما فاتهم. ولم يغب عن تفكيرنا أن في المدينة عائلات محتاجة بعدما أصاب الناس من كوارث نتيجة الغلاء المعيشي، حيث تقوم إحدى المتطوعات بالدخول إلى المنزل والاطمئنان على المرضى إن وجدوا، وتقديم "السكبة" كما هي العادات والتقاليد، ونحن لم نصنع عادة جديدة، فمنذ القديم كان الناس يحرصون على تبادل الطعام فيما بينهم».

المهندس "فراس البعيني" العضو في فريق "بيتي أنا بيتك"، تحدث عن المعاني التي ترتبط بهذه العادة، وقال: «في حال وجود مناسبة في أحد بيوت المدينة، تقوم سيدات المنزل بسكب الطعام في أوعية مختلفة حسب حجم الأسرة، وتطلب من الصغار الذهاب إلى بيوت بعيدة لم يزوروها من قبل، كانت هذه العائلات التي يصل إليها الطعام تقوم بغسل الآنية جيداً، ثم تنشيفها من الماء، ووضع كمية قليلة من الملح فيها. كنا نستغرب هذا الفعل، لكن الأمهات كن يستقبلن الملح بكل محبة. واكتشفنا بعد أن كبرنا أن الطعام كان يذهب في كل الاتجاهات وإلى كافة الناس من دون تمييز. ونحن الآن نقوم بذات الفعل، والمحافظة على هذه العادة التي تزرع الحب في زوايا الأمكنة، وتبعث برسائل السلام بين مكونات الوطن الواحد».

بعد الانتهاء من التحضير

المتطوع "أنور الحرفوش" تحدث عن المساهمين في هذه العادة، بالقول: «من المعروف أن الحياة لم تعد بسيطة مثل الماضي، فالغلاء تضاعف عشرات المرات، وخاصة خلال السنوات الست الماضية من عمر الأزمة، لكننا تواصلنا مع التجار والمغتربين والمقتدرين في المدينة، إضافة إلى المساهمات المالية التي يقدمها أعضاء الفريق، هذه أيضاً حالة من التكامل والانسجام والمحبة، فالتكافل والتكامل في العمل ينعكس إيجاباً على أي فعالية نقوم بها لخدمة الناس، وبثّ الرسائل الإيجابية في أرجاء المدينة، وصدى عملنا لا بد أن يرتد بصورة من الصور نحو الخير والتعاون، وهو ما ندعو إليه».