لأنهم على قيد الأمل أسسوا لما يرسم طريقاً للحياة، بدأ من مخبز صغير ليكون نواة لأعمال قادمة تؤسس لها "رايات الشهداء" لرعاية أسر الشهداء والجرحى.

الغاية ضمان فرصة عمل لأبناء أسر الشهداء والجرحى الذين تمكنوا من أداء بعض الأعمال والحصول على دخل جيد، وكان الاتجاه إلى مشاريع صغيرة تعود بالخير على أكبر عدد ممكن من هذه الشريحة، كما تحدثت من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 حزيران 2018، رئيسة ومؤسسة جمعية "رايات الشهداء" "غادة الصفدي"، وقالت: «لأنني أم شهيد وأعرف أن أسر الشهداء لا تحتاج إلى مبالغ مالية تقدم كمساعدة مؤقتة أو دفعات مهما كبرت، لا تأخذ صفة الاستمرارية. ولأن عدد الشهداء كبير بدأت بفكرة الجمعية، وكانت تعويضات ابني الشهيد أول المبالغ المؤسسة لرأس المال لهذه الجمعية، وبالفعل كان لتفاعل المجتمع والهيئات المحلية مع الفكرة دور جعلها تخرج إلى النور.

لم أكمل دراستي، لكن من خلال هذا المخبز تمكنت من الحصول على عمل يدعم عائلتي بعد استشهاد أخي، فإقامة المخبز حققت لي هذه الفرصة إلى جانب متابعة أنشطة الجمعية. مهمتي في المخبز تنظيم وإدارة العمل لنقوم بتأمين الطلبيات وتجهيزها بالوقت المناسب وفق طلب الزبائن، ومراقبة العمل ليكون الخبز مناسباً وبجودة عالية. لكن الجميل في العمل أن هذا المكان مع الجمعية بات مقصد أسر الشهداء وعنواناً لمن لديه ظرف من هذه الأسر وحاجة معينة أن يتجه ويلتقي رئيسة الجمعية أو أحد الأعضاء لينقل وجعه للبحث عن حل، فنسبة كثيرة من الأهالي تعرض المساعدة والدعم، وهذه فرصة جيدة للتعرف إلى ظروف أهلنا، وكما حصلنا على المساعدة، لديهم فرصة مثلنا للحصول على دعم وحلول لمشكلاتهم

فقد تم إشهار الجمعية وبدأت تستقبل تبرعات من مختلف الشرائح، وانتسب إليها أشخاص لهم اهتمام بالفكرة التي عرفنا عنها من خلال جولات ولقاءات مع مجلس الإدارة، ومع اكتمال الحصول على رصيد جيد، بدأنا نخطط لتأسيس مشاريع صغيرة تعود بالخير على الأسر والجرحى ليتمكنوا من الحصول على عمل وراتب جيد يساهم في تحسين ظروفهم الاقتصادية.

غادة الصفدي رئيسة جمعية رايات الشهداء

وكنت في مراحل سابقة جمعت الكثير من المعلومات عن الأسر وتابعت واقع جنود جرحى وتعرفنا إلى احتياجاتهم، لنجد في مشروع المخبز ضالتنا لصناعة الخبز العربي، ليصبح المشروع الأول لجمعيتنا، هذا الفرن الذي يتوسط المدينة استطعنا من خلاله تأمين خمس فرص عمل، منهم جرحى ومن أبناء أسر الشهداء، وكانت البداية جيدة من حيث الإقبال ودعم أبناء المجتمع والهيئات المحلية، ويعود بما يلبي تكاليف الإنتاج ورواتب العاملين ويؤسس لعمل قادم أكثر فائدة».

وعن طبيعة العمل وتوسع المشروع، تضيف: «حرصنا على إنتاج مادة متميزة لتكون نتيجة تعب وعمل جاد يستثمر طاقات الشباب، ومن هذا المخبز نحلم بالتوسع والوصول إلى عدد من القرى لتكون أقرب إلى الأسر غير القادرة على التنقل، وهناك مشاريع قُررت بالفعل، ونحن بطور إنجازها، فسعة المخبز هنا لا تستوعب أكثر من فرص العمل، وكان الخيار إنشاء أفران في مناطق أخرى بذات الطريقة. ولدينا مشروع مطعم "فلافل" لأحد الجرحى في قرية "البثينة"، ومشاريع متفرقة، لكن المشروع الأكبر الذي وضعت اللبنة الأولى فيه كان مشغلاً للخياطة يعدّ المقر لتشغيل وتدريب عدد من طالبي العمل من هذه الشريحة، والسعي للحصول على التراخيص المناسبة لننطلق في العمل المأمول لعلنا نتمكن من توسيع دائرة الفائدة، وخلق فرص أكبر من هذا المخبز الذي سيتم تطويره من الخبز العربي لتضاف إليه الفطائر والمعجنات؛ لكون الطلب كبيراً، وهذا النوع من الإنتاج مطلوب».

مرهف كمال أثناء العمل

المخبز قدم له فرصة للخروج من أجواء المنزل والعمل على الرغم من ظروفه الصحية، حدثنا "مرهف كمال" أحد الجرحى، وقال: «إصابتي بالغة منعتني من المشي والتحرك بلا كرسي، لكنها لم تحرمني من الأمل، فأنا أديت واجبي، وكان أملي دائماً الحصول على عمل لأخرج من دائرة ضيقة محيطها المنزل، وأماكن بسيطة أستطيع الوصول إليها، اليوم وبعد تأسيس المخبز واهتمام الجمعية بي، وما قدم لي من رعاية واهتمام، أشعر بأن أشياء كثيرة تغيرت، أهمها أنني دخلت دائرة العمل؛ وهذا أفضل ما في الموضوع.

فأنا كل يوم أتنقل للوصول إلى المخبز لكونه وسط المدينة وبموقع مناسب، فأستطيع الوصول إلى العمل بالمواعيد لأقوم مع العاملين بتنسيق الخبز وطيه بالطريقة المناسبة للبيع، الوقت مناسب وغير مرهق، وما أؤديه من عمل نوع من الرياضة أستمتع بها إلى جانب الحصول على راتب جيد ساهم في تحسين ظروفي والحصول على متطلبات الحياة والعلاج».

حسن الشوفي

تعمل "سهى قطيش" لتعيل أسرتها بعد استشهاد الأخ، وتقوم بإدارة المخبز وتنظيم الطلبيات، وقالت: «لم أكمل دراستي، لكن من خلال هذا المخبز تمكنت من الحصول على عمل يدعم عائلتي بعد استشهاد أخي، فإقامة المخبز حققت لي هذه الفرصة إلى جانب متابعة أنشطة الجمعية. مهمتي في المخبز تنظيم وإدارة العمل لنقوم بتأمين الطلبيات وتجهيزها بالوقت المناسب وفق طلب الزبائن، ومراقبة العمل ليكون الخبز مناسباً وبجودة عالية.

لكن الجميل في العمل أن هذا المكان مع الجمعية بات مقصد أسر الشهداء وعنواناً لمن لديه ظرف من هذه الأسر وحاجة معينة أن يتجه ويلتقي رئيسة الجمعية أو أحد الأعضاء لينقل وجعه للبحث عن حل، فنسبة كثيرة من الأهالي تعرض المساعدة والدعم، وهذه فرصة جيدة للتعرف إلى ظروف أهلنا، وكما حصلنا على المساعدة، لديهم فرصة مثلنا للحصول على دعم وحلول لمشكلاتهم».

في مجال حرفته حصل "حسن الشوفي" على عمل، حيث لم تتوفر له القدرة للقيام بمشروعه الخاص، وقال: «عملت في مخابز خاصة، ومؤخراً لم تتوفر لي فرص مناسبة، وبذات الوقت ليس لدي القدرة المالية لتأسيس فرن خاص، مع أنني أتقن حرفة الخبز العربي، ومن خلال المخبز وجدت فرصة مناسبة وعملاً دائماً ينسجم مع حرفتي التي أتقنها.

العمل منظم، وهناك اهتمام كبير بنا كأسر للشهداء، اليوم نخبز الخبز العربي، وفي مرحلة قادمة سنتوسع لتحضير الفطائر وأنواع من المعجنات الشعبية المطلوبة، خاصة أن المساحة تتسع لفرن إضافي، ففي الوقت الحالي الطلبيات كثيرة، ولدينا مواعيد مسبقة؛ وهذا شيء مشجع على العمل، وأتمنى أن يتم إنشاء أفران أخرى في القرى والمدن لمصلحة الجمعية، فهناك أسر كثيرة بحاجة إلى هذا العمل، خاصة من السيدات والشباب الذي تعرضوا للإصابة في الحرب، ومنهم أعداد كبيرة في كافة القرى».