طبقت مدرسة "رائد العقباني" تجربة فريدة من نوعها من خلال تخصيص صندوق معونة مستقل لرعاية طلابها، فشكلت إحدى حالات التفاعل مع الواقع لتلبية احتياجات الطلاب، وتجاوز الظروف الاقتصادية الصعبة.

في البداية كانت المدرسة تتلقى التبرعات وتحاول تنظيم توزيعها، لكن اتساع هوّة الحاجة اقتضت تكثيف الجهود لتقديم مساعدة أكبر للطلاب بطريقة مناسبة، ومراعاة ظروف الطلاب وفق رؤية المدرّسة "إنعام الحلبي" مديرة المدرسة التي عرضتها من خلال مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 30 تشرين الثاني 2018، وقالت: «طلابنا شريحة من أبناء "سورية" الذين تأثروا بتداعيات الحرب، ومن واجبنا كإدارة ومعلمين البحث عن فرص لمساعدتهم لتجاوز هذه الظروف قدر الإمكان، فقد تلقينا دعماً كبيراً من فعاليات البلدة الجمعية الخيرية ولمّة شباب "قنوات" وعدد من المبادرات الاجتماعية التي كان لها حضور فاعل في تقديم كتلة مالية ساعدتنا على تأمين جزء من متطلبات طلابنا وفق الطرائق المعتادة، لكن بعد متابعة العمل لاحظنا أن العمل محفوف بعدة قضايا؛ أولها أن المساعدة ستكون بهذه الحالة مرحلية وغير دائمة لكونها تعتمد على تبرعات تُقدم بمرحلة معينة يتم صرفها لتلبية احتياجات الطلاب، ونعود لننتظر دعماً قادماً.

في هذه المرحلة وبعد التمكن من تأمين مجموعة الاحتياجات إلى جانب الدورات المجانية، ونتيجة الحوار مع المرشدة النفسية حاولنا الوصول إلى نوع جديد وخاص من الاحتياجات التي ترتبط بتطوير مواهب طلابنا، لتكون الفكرة بمتابعة إحدى الطالبات التي تعشق الموسيقا وتعجز أسرتها عن تأمين آلة العود أو أي آلة موسيقية لتتمكن من التدرّب على العزف، وطالب آخر لديه موهبة الرسم والفرص غير مهيأة لاتباع دورة أو أي نشاط فني هذه المواهب، لضمان تدريبها وتحقيق أمنية، ومثل هذه الحالات ستكون ضمن برامج المعونة القادمة

بناء على ذلك طرحنا فكرة تشاركنا فيها إدارة ومدرّسين تتمثّل بتأسيس مشروع لصندوق يأخذ صفة الديمومة والتنظيم، حيث اتفقنا على تكوين لجنة تبدأ مهامها من تلقي التبرعات من الجمعيات والأهالي الراغبين بتقديم الدعم، تؤسس جداول منتظمة وتحدد أنواع الاحتياجات والسبل الكفيلة بضمان تقديم المعونة بأوقاتها لكافة الطلاب المحتاجين من دون تفرقة.

مديرة مدرسة رائد العقباني إنعام الحلبي

الانطلاقة كانت بداية العام الفائت ليتم تأمين قرطاسية وألبسة مدرسية ومجموعة احتياجات لعدد يزيد أو ينقص وفق دراستنا الاجتماعية والاقتصادية لظروف الطلاب، وتمكنت اللجنة من تأمين الكثير من الاحتياجات خلال العام الدراسي الفائت وبداية هذا العام، وتم التعريف بالتجربة والتفاعل مع فعاليات البلدة التي أبدت استحسانها للفكرة، وتبعاً لثقتهم وثقة الأهالي وردتنا تبرعات جديدة من شرائح مختلفة تمكنّا بالاعتماد عليها من تحسين رصيد الصندوق من الاحتياجات العينية إلى الاحتياجات التعليمية، مثل دورات مجانية لطلاب الصف التاسع لتخفيف الأعباء عن الأهل وتقوية الطلاب، ويكون يوم السبت مخصصاً لدورات لكافة المواد؛ وهي مجانية».

البيانات الاجتماعية والاقتصادية كانت البداية ومحور الفعاليات كما بينت المدرّسة "هالة أبو سعد" رئيسة الصندوق، وقالت: «تركز اهتمامنا كخطوة أولى لإطلاق مشروع الصندوق على جمع البيانات، ووضع دراسات اقتصادية اجتماعية نفسية متكاملة قامت بإنجازها كوادر المدرسة، وتم توزيع المهام ليتم تكليفي رئيسة الصندوق، والمدرّسة "أسماء دعيبس" الخازن، والمدرّسة "هيا أبو حدور" المرشدة النفسية التي مدت اللجنة بمعلومات تم بالاعتماد عليها وضع قاعدة بيانات متكاملة، وإطلاق العمل.

توزيع المعونات

كان بالفعل جهداً مميزاً قدمته للخروج بمعلومات هي بالدرجة الأولى سرية تتم معالجتها من قبل اللجنة، وعليه وضعنا تصوراً كاملاً عن ظروف طلابنا، والخدمات المترتبة على هذا الصندوق، الذي علقنا عليه الآمال لدرء آثار الفقر عن طلابنا، بطريقة التكافل والتعاضد الاجتماعي. هي إحدى الطرائق وأهمها لنحافظ على طلابنا في مكانهم الطبيعي خلف مقاعد الدراسة؛ طلاب علم لمستقبل أفضل».

وتضيف: «نتيجة الدراسات تبيّن أن شريحة كبيرة من أسر طلابنا تحاصرهم ظروف اقتصادية معقدة، أدت إلى عدم قدرتهم على استكمال احتياجات اللباس والدراسة لأولادهم. وترتب علينا كلجنة البحث عن الطرائق الكفيلة بتلبية الاحتياجات، التي بدأت من اللباس والأحذية إلى جانب القرطاسية وتفاصيل مختلفة، حيث جمعنا التبرعات التي قدمت للصندوق وخرجنا بقوائم محددة للأعداد المطلوبة إلى الأسواق.

المدرّسة منال الزاقوت

فاوضنا على السعر، وانتقينا أجود الأقمشة، لتكون المشتريات بجودة عالية. نشتري عشرات القطع وفق القياسات المحددة، ووفق ألوان اللباس، وكانت البداية باستطلاع آراء الطلاب وأهاليهم، وبالفعل نالت التجربة رضاهم، لنتابع تأمين القرطاسية بأنواعها لعدد آخر، ونتمكن من الحصول على مساعدات من التجار، الذين تفاعلوا مع الفكرة وقدموا عروض أسعار جيدة، منها التخلي عن نسبة الربح أو الدعم بتخفيض الفاتورة لنتمكن من تلبية احتياجات أخرى لطلابنا».

الانتقال من الاحتياجات العينية إلى الحاجات المتنوعة توضحها "أبو سعد" بالقول: «في هذه المرحلة وبعد التمكن من تأمين مجموعة الاحتياجات إلى جانب الدورات المجانية، ونتيجة الحوار مع المرشدة النفسية حاولنا الوصول إلى نوع جديد وخاص من الاحتياجات التي ترتبط بتطوير مواهب طلابنا، لتكون الفكرة بمتابعة إحدى الطالبات التي تعشق الموسيقا وتعجز أسرتها عن تأمين آلة العود أو أي آلة موسيقية لتتمكن من التدرّب على العزف، وطالب آخر لديه موهبة الرسم والفرص غير مهيأة لاتباع دورة أو أي نشاط فني هذه المواهب، لضمان تدريبها وتحقيق أمنية، ومثل هذه الحالات ستكون ضمن برامج المعونة القادمة».

تتحدث "منال الزاقوت" وهي والدة لطالبتين في المدرسة قيّمت التجربة بالناجحة، وقالت: «تابعت عمل المدرسة لأنني مدرّسة في مدرسة أخرى، فقد لاحظت اهتمام الكادر التدريسي بأوضاع الطلاب، ولديهم آفاق جميلة ظهرت من خلال عدة فعاليات بدأت بفكرة الزيّ الموحد للكادر التدريسي، والتنظيم الواضح والانضباط، ليكمل مشروع صندوق معونة الطلاب العملية كتجربة أتوقع أنها الأولى على مستوى "سورية"، لكون الصندوق بمالية مستقلة ووضعت له لجنة خاصة.

هذا الموضوع شجعنا والأهالي على دعم الصندوق، وشجع فعاليات البلدة على المساعدة، المفيد هنا أن الطريقة تقدم نموذجاً واضحاً وبرنامجاً خاصاً لدعم الطلاب، وقد علمت أن طريقة مساعدة الطلاب سرية؛ حيث قدمت المساعدات من دون لفت الانتباه، واختار الطلاب احتياجاتهم من دون تمييزهم عن باقي الطلاب بالشعبة. وبما يخص الدورات، فقد كانت شاملة، وهذه خطوة جيدة تم من خلالها مساعدة الطالب والأهل ليحصل على تقوية في مجمل المواد، من دون أن يتحمّل الأهل عبء الدروس أو الدورات المأجورة باهظة التكلفة».

ما يجدر ذكره، أن المشروع يتلقى تبرعات من أهالي القرية، في الوقت الذي قدم به الكادر التدريسي عدداً من التبرعات العينية لغاية الدعم والسعي لاستمرار المشروع وتطويره خدمة للطلاب.