لم يختر أهل "السويداء" الإقامة بالجبل، إلا نتيجة لظروف اجتماعية وبيئية وتاريخية فرضتها متطلبات الحياة بما تحمل من أحداث ووقائع.

حول اختيار أهل الجبل للسكن فيه، مدونة وطن "eSyria" وبتاريخ 6 تموز 2019 التقت الباحث "محمد جابر" الذي بيّن ذلك قائلاً: «لا نعرف ما يدل أو يثبت سبب اختيارهم الهجرة إلى هذا الجبل دون سواه من المناطق الأخرى، ولو أردنا تعليل ذلك فإنه لن يكون إلا محض تخمين، فإذا سلمنا بمسألة الأنساب وبأنّ الأكثرية العظمى من سكان الجبل الحاليين يعودون إلى أصول يمنية، فقد نتخيل أن مملكتي "لخم" و"غسان" في "الحيرة" و"بصرى" قد بقي منهم بعض الأجداد الذين كانوا يخبرونهم تاريخهم، وقد يسندون ذلك بنقش قبر الملك "امرؤ بن عمرو اللخمي" في "النمارة" شرق الجبل المؤرخ عام 338 ميلادي، وبعض العائلات في الجبل تعود حسب الأنساب إلى "لخم" مثل "آل المنذر" و"آل أرسلان" وغيرهما، وبعضها الآخر يعود نسبها إلى الأنصار "الأوس والخزرج" مثل "آل نصار" وغيرهم من "الرياشنة"، والأنصار والغساسنة من "الأزد" اليمنية وتلك العائلات وغيرها الكثير باتوا من أعيان الجبل.

لعل اختيار سكن الجبل جاء من عدة عوامل أولها أنّ أهله كانوا من العصاة على الدولة العثمانية، ولذلك أرادوا مكاناً جبلياً فيه من المغاور والكهوف ما يجعلونه حصناً لهم لمقارعة الاستعمار، حيث جرت حملات عديدة ومعارك طاحنة معهم، كمعارك "اللجاة"، "خراب عرمان" وغيرها، وثانياً البيئة الملائمة لهم وقربهم من "حوران" والعلاقة التاريخية مع الغساسنة والمناذرة والنسب والأقارب صلة القربى بين العائلات وارتباطهم بالمكان، وثالثاً المناخ والبيئة الجبلية التي اعتاد أهله مُذ كانوا في "وادي التيم" وجبال "لبنان"، و"القلمون"، وأيضاً في "اليمن"، و"الحيرة"، فهم على علاقة مع الأرض الصلبة والسماء الصافية الممطرة، ولهذا شكّل الجبل لهم بيئةً حاضنةً وافرةَ الظلال، واستطاع أبناء الجبل تحويل تلك الأرض الصخرية إلى أراضٍ زراعيةٍ واستثماراتٍ متنوعة، واليوم تساهم الأعمال الصناعية والزراعية والتجارية في الناتج المحلي بشكل ملحوظ

وثمة تعليل أخر بأنّ أجدادهم من العدنانيين قد أقاموا في الجبل إبان تغريبة "بني هلال"، وسمي بجبل "بني هلال" آنذاك، وصار الأجداد ينقلون للأحفاد تاريخهم فيه، واتخذ بنو "هلال بن عامر بن صعصعة" الجبل موطناً لهم، وهناك رأي ثالث يقول أنّ أجدادهم عرفوا الجبل خلال إمارة الأمير "فخر الدين المعني الثاني" الذي امتد نفوذه إلى الجبل، وصار تحت سيطرته، وقد زار "صلخد" عام 1624، وأقام فيها عشرة شهور، ورمم قلعتها وأنجد "دمشق" بالقمح».

الباحث محمد جابر

وتابع الباحث "محمد جابر": «ذكرت الباحثة في التاريخ الدكتورة "نجلاء أبو عز الدين" في تابع كتابها "الدروز في التاريخ" أنّه في السنة 1624 انقطع القمح عن الشام، وحصل الغلاء، واستنجد الناس بـ"فخر الدين" فبعث إلى "حوران" بطلب كميات وافية من القمح، وأمر أن يباع رطل الخبز بمصريتين، وعندما قدم إلى "دمشق" خرج السكان كباراً وصغاراً لاستقباله داعين له بالنصر وطول البقاء، وقد شيّد القلاع من أقصى البلاد إلى أقصاها، من قرب "حلب" إلى "صلخد" في "حوران"، ومن "تدمر" إلى "أنطاكية"، وكان الشهابيون أمراء "وادي التيم" قدموا إليه في القرن الثاني عشر من "حوران" حيث كانوا مقيمين منذ الفتح العربي.

أما ما نرجحه فلا يخالف ذلك، لكننا نرى أنّ أوائل المهاجرين إلى الجبل هم ممن اعتادوا سكنى الجبال، وقد أجبرتهم ظروفهم على النزوح والبحث عن مأوىً وملاذٍ ناءٍ تتوفر فيه أسباب حمايتهم وصعوبة اللحاق بهم، أو الوصول إليهم ويكون مهجوراً غير مسكون أو يسكن بعض مناطقه قليلٌ من الناس الذين يمكن العيش معهم أو التغلب عليهم، فوجدوا هذا الجبل يناسب كل ذلك وربما كانوا قد خبروه أو عاينوه قبل مجيئهم».

الباحث في الآثار حسن حاطوم

وأشار الباحث التاريخي "حسن حاطوم" بالقول: «لعل اختيار سكن الجبل جاء من عدة عوامل أولها أنّ أهله كانوا من العصاة على الدولة العثمانية، ولذلك أرادوا مكاناً جبلياً فيه من المغاور والكهوف ما يجعلونه حصناً لهم لمقارعة الاستعمار، حيث جرت حملات عديدة ومعارك طاحنة معهم، كمعارك "اللجاة"، "خراب عرمان" وغيرها، وثانياً البيئة الملائمة لهم وقربهم من "حوران" والعلاقة التاريخية مع الغساسنة والمناذرة والنسب والأقارب صلة القربى بين العائلات وارتباطهم بالمكان، وثالثاً المناخ والبيئة الجبلية التي اعتاد أهله مُذ كانوا في "وادي التيم" وجبال "لبنان"، و"القلمون"، وأيضاً في "اليمن"، و"الحيرة"، فهم على علاقة مع الأرض الصلبة والسماء الصافية الممطرة، ولهذا شكّل الجبل لهم بيئةً حاضنةً وافرةَ الظلال، واستطاع أبناء الجبل تحويل تلك الأرض الصخرية إلى أراضٍ زراعيةٍ واستثماراتٍ متنوعة، واليوم تساهم الأعمال الصناعية والزراعية والتجارية في الناتج المحلي بشكل ملحوظ».

من حياة الجبل القديمة