تشكّل "السالفة" في تراث "جبل العرب" حالةً واقعيةً منسجمةً مع طبيعة العلاقة الاجتماعية، وهي تطرح أمام جمع غفير من المستمعين ضمن طقوس لها آدابها المتعارف عليها.

حول أسلوبها الفني والاجتماعي، مدوّنةُ وطن "eSyria" وبتاريخ 2 شباط 2020 التقت الباحث التراثي "محمد جابر" الذي بيّن قائلاً: «لا يخلو أيّ مجتمع من القصص الشعبية، وهي متنوعة من حيث المواصفات، وربما تكون هادفة أو للتسلية، وفي "السويداء" يسمون القصة الشعبية "السالفة" مثلما تسميها المجتمعات البدوية، لأنّها تخبر عما سلف وانقضى من الأحداث الحقيقية، وتجمع "سوالف" أي قصص، فهي إذاً لا تتعدى كونها ضرباً من السرد والأخبار الشفهية وليست من الفن الكتابي، وهي من الناحية الفنية لا تخضع لمقومات أو قواعد القصة التي تنتمي إلى الفن الأدبي، وتكتب باللغة الفصيحة إذ لا يضبطها ضابط في البناء ولا في الحبكة أو العقدة، الحوار، التشويق، الخيال، الأسلوب، المغزى، أو غير ذلك، فهي ليست أدباً إنشائياً ينشد الجمال الفني وله من المقومات والمميزات ما له، كما أنها تختلف عن الحكايات التي يرويها الحكواتي ويكون معظمها خيالاً وتهيؤات، حيث يعتمد بناؤها على السجع، وتختلف أيضاً عن حكايات الأطفال التي غالباً ما يكون أبطالها من الطير أو الحيوان، أي أنها من صنع الخيال والأوهام التي لا أصل لها، لكن القصة نفسها قد تختلف بين رواية وأخرى، فقد تقصر أو تطول، ومعظمها يعتريه الحشو والإسهاب والإضافات التي تشعر بأنها من اختراع الرواية، وكذلك فإنها تفتقر إلى الإسناد والتوثيق في الغالب.

من الرواة في "جبل العرب" من كان يعزف على الربابة، فإذا كانت "السالفة" تشتمل على قصيدة عامة أو أكثر فإنه كان يغنيها مع العزف، ولك ما يبعث الطرب وزيادة المتعة، كما أنّ ذلك يعتبر استطراداً أو وقفة ترويح وتنويع تطرد الملل وتجدد النشاط والتفاعل بين الراوي والحاضرين، وخاصة إذا كان صوته رخيماً شجياً، وأداؤه مميزاً، وعزفه متقناً

ومن عيوب "السالفة" الشعبية أنها تحفظ وتروى ويتناقلها الناس شفهياً غير مكتوبة، وذلك يجعلها عرضة لنسيان تاريخها ودقائقها والاختلاف في نقل أحداثها أو الأخطاء في رواية ما قد تتضمنه من أشعار عامية، وإذا ما خانت الذاكرة الراوي فلربما وضع كلمة أو نقل عبارة أو استبدال مفردة بغيرها من عنده كي يسد الفجوة ولا يتعثر أو يتوقف ليتذكر، وذلك غير مستحب لدى العوام وباعث على الملل وفقدان المتعة، ما يدعو إلى شح الإصغاء والاهتمام، وكل ذلك بسبب عدم كتابتها، وكذلك بسبب تفشي الأمية في عصرها».

الباحث محمد جابر

وتابع "جابر" عن آدابها قائلاً: «من الآداب المطلوبة من "السالفة"، ألا يكون الراوي متكئاً أثناء الحديث، وأن يكون صوته مسموعاً أي لا يتحدث بصوت خافت كما أنه لا يتوجب عليه أن يرفعه وكأنه خطيب، وعليه أن يكون طليق اللسان يعرف أين يتوقف وأين يسترسل ويتابع الجريان، لا يتنحنح أو يذب الذباب أو يطلب الماء، وأن يتكلم بلهجة بطل القصة "السالفة" وقبيلته، وألا يكرر المفردة أو العبارة، وأن يكون دقيقاً في ذكر الأسماء والمواقع وغير ذلك كثير، وخلاصته أن ينظر الناظر إلى الراوية فيراها ذات هيبة ووقار بحيث يجذب الحاضرين ويجبرهم على الاستماع إليه بأعينهم، وفي ذلك قول: (العين غرافات الكلام)، والاستماع بالأعين يعتبر من آداب الاستماع من قبل الحاضرين، ومنها أيضاً الصمت المطلوب وعدم الهمس بين أي اثنين منهم، ويجب على المستمعين أن لا يقاطع أحدهم الراوي بأي سؤال أو تعقيب قبل أن ينهي حديثه، وأن لا يستبقه بكلمة أو بعبارة إذا كان يحفظ القصة ليبين أنه يعلم بها، وغير ذلك من هذه الآداب».

ويضيف: «من الرواة في "جبل العرب" من كان يعزف على الربابة، فإذا كانت "السالفة" تشتمل على قصيدة عامة أو أكثر فإنه كان يغنيها مع العزف، ولك ما يبعث الطرب وزيادة المتعة، كما أنّ ذلك يعتبر استطراداً أو وقفة ترويح وتنويع تطرد الملل وتجدد النشاط والتفاعل بين الراوي والحاضرين، وخاصة إذا كان صوته رخيماً شجياً، وأداؤه مميزاً، وعزفه متقناً».

أدهم البربور

وبيّن "أدهم البربور" المهتم بتوثيق التراث قائلاً: «الرواة الذين اشتهروا في الجبل كثيرون، وبعضهم من الشعراء العاميين الذين ثبتوا ووثقوا بعضاً من قصار القصص، رغم أننا لا نستطيع توثيقها والتأكد من صحتها نظراً لبعد عهدنا بها، ولأن الرواة لم يهتموا بالسؤال عن تاريخها وزمانها وفق ما نقلوا عنها بقدر اهتمامهم بحفظها واستظهارها، لذا فإن كثيراً منها يبقى في موضع الشك، ويبقى أثراً من ملامح الثقافة الشعبية، وإن كانت لا تحمل من المميزات الفنية سوى القليل -يوضح بالديباجة التي يخترعها الرواة- لكن من حيث المحتوى نجدها هادفة تهدي وتدعو لمكارم الأخلاق، والإنسان لا يتحدث إلا بأحسن ما يحفظ وبأقرب الأشياء المحببة إلى قلبه، وقديماً قيل: الناس يكتبون أحلى ما يقرؤون، ويحفظون أحلى ما يكتبون، ويتحدثون بأحلى ما يحفظون، وبالتالي يتم سرد القصة بأسلوب سردي وبطريقة واقعية لا خيال فيها ولا تدخل، فهي من الأدب الشعبي الواقعي».

من أجواء سالفة المضافة