تتسع خطوة الجفاف لتطول المنطقة، منذرة بتطورات خطيرة تقتضي التحرك السريع لمواجهة مظاهره بما يكفل التخفيف قدر الإمكان من آثاره بالإنتاج الزراعي والبيئة، وبوجه حتمي بالإنسان.

مقاومة التقلبات المناخية في المنطقة مشروع يفرضه التفهم لقادم بات واضح المعالم حسب متخصصين تابعوا الواقع وفق عمل منهجي علمي لعدة غايات؛ أهمها التخفيف قدر الإمكان من مفاعيله التي ظهرت بانخفاض الإنتاج الزراعي وقائمة طويلة من النتائج.

لا بدّ لنا في هذه الظروف من العمل لتطوير أساليب إدارة الموارد المائية المتاحة، والانتقال السريع إلى طرائق الري الحديثة، والعمل على الاستفادة من كامل الهطولات المطرية، ونشر تقنية أنظمة حصاد المياه، وزيادة الاهتمام بعمليات خدمة التربة وتحسين خواصها الفيزيائية؛ وهو ما يسمح بتقليل عمليات التبخر، ويعطي قدرة أفضل للنبات للاستفادة القصوى من الرطوبة الأرضية، والحفاظ على ما تبقى من الحراج والغابات، والعمل على ترميم ما فقد منها بغية زيادة الرقعة الخضراء لما لها من أثر كبير في تعديل المناخ، وتفعيل العمل بكافة القوانين التي من شأنها ردع كل من يتطاول على الغابة، وبات من الضروري الإسراع إلى إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الزراعة، ودعم الأبحاث العلمية التي تعنى بدراسات الجفاف، ونشر الوعي المجتمعي بضرورة ترشيد استهلاك المياه وعدم التفريط بالفائض منها في مواسم الهطول

مدونة وطن "eSyria" بتاريخ 5 أيلول 2016، ناقشت الموضوع مع مجموعة من المتخصصين بالشأن الزراعي والبيئي، وجمعت حصيلة أفكار واقتراحات للانطلاق بخطوات للمواجهة العملية لحماية التربة وزيادة الغطاء الخضري للمحافظة على رطوبة التربة من خلال تعديلات ترتبط بالدورة الزراعية المعتادة، وما اعتاده الفلاح خلال عقود طويلة، عقود الوفرة والأمطار الغزيرة. هنا نستفيد من متابعة عملية على أرض الواقع أفادنا بها المهندس الزراعي "جورج بديوي" مدير فرع صندوق التخفيف من آثار الجفاف والكوارث الطبيعية في الإنتاج الزراعي، وقال:

الحراثة الحديثة خلقت طبقات كتيمة

«من خلال استبانات منظمة ننفذ مشروع الإنذار المبكر عن الجفاف، حيث يقدم العمل بطريقة الاستبانات الأسرية الشهرية لموقعين بالبادية والمعمورة، هما في الوقت الحالي الأول في قرية "خربة عواد"، والثاني موقع "العانات" 50كم عن "السويداء"، باعتماد عينة عشوائية تشمل 15 أسرة لكل قرية مجموعة كبيرة من المعلومات عن عدد الأفراد وتفاصيل الحياة اليومية، حيث نتطرق إلى الدخل والإنتاج الزراعي وما طرأ من تغيرات على ظروف الأسرة بفعل انخفاض الأمطار وقلة الموارد، وبعدها تجمع وتدقق وتحلل بالمديرية في "دمشق" لتصدر بالاعتماد عليها كنشرة مراقبة الجفاف، وبناء على هذا العمل وأبحاثنا نستطيع تقديم تفاصيل عن مظاهر تستوجب عملاً سريعاً للمواجهة، منها: انخفاض الإنتاج الزراعي ومياه الشفة، لنجد أن إنتاج موسم 2016 كان متدنياً خاصة في منطقتي الاستقرار الثالثة والثانية، مع العلم أن الأمطار ما زالت ضمن المعدلات، لكن ما حصل هذا العام يتمثل في قلة الكميات وسوء توزيع في الهطول الواحد، وهذه الكميات لم تكن كافية لموسم زراعي جيد، وكلما دخلنا إلى المناطق الداخلية زادت المفاعيل، وهنا نرى مظاهر جديدة، منها انتشار آفات لا تنتشر إلا في السنوات الجافة، مثل حفار الساق للتفاح، إضافة إلى ضعف النمو، وهناك آثار بالغطاء النباتي، ودليل آخر نضيفه في قريتي "الكفر" و"حبران" كآثار موجة الحرّ بعرائش العنب والاصفرار السريع؛ لتكون مدة الخضرة أقل من سنوات سابقة».

عن خيارات زراعية جديدة، يضيف المهندس جورج" بالقول: «من خلال المتابعة ودراسة أعددتها لهذا الشأن، فإن بعض الإجراءات التي ننصح بها بالنسبة للأراضي الشرقية والشمالية التي تنخفض فيها الأمطار، تتمثل في عدم زراعة الأراضي للمحافظة على الغطاء النباتي المتوافر، واعتماد انتقاء بدائل مثل زراعة الشعير لأنه يتحمل الجفاف أكثر من القمح، واتباع دورة زراعية لنحافظ على جزء من الرطوبة؛ سنة قمح، والثانية حمّص، والثالثة سبات.

المهندس فطين جمول

وبالنسبة إلى المناطق الجنوبية حيث الوارد المطري أقلّ، لا بدّ من زراعة مصدات الرياح مثل أشجار السرو لتحسين الرطوبة. وبما أننا في منطقة جبلية وحركة الرياح يومية ومستمرة، فلهذه الزراعة أثر في حماية التربة، ورفع نسبة الرطوبة، وتعديل المناخ.

والأهم من ذلك، أننا بحاجة إلى قانون ملزم لزراعة الأشجار على الحدود والمناطق الصخرية للاستفادة منها، وإيجاد حلول لمشكلة الملكية التي تجعل الفلاح فقط صاحب القرار في هذه الزراعة التي تحمل أبعاداً استراتيجية، وإعادة الدراسة بنوع المحراث المستخدم، والابتعاد عن المحراث "المطرحي"، الذي يقوم بقلب التربة وله تأثير سلبي، حيث يقلل الرطوبة ويرصها بفعل قلبها فقط؛ لذا نحن بحاجة إلى محراث حفار فقط، وتنظيم الرعي والانتباه إلى الحمولة الرعوية، والتنظيم مطلوب خاصة في هذه المرحلة التي تتسع فيها خطوات الجفاف باتجاهنا. وفي الختام، أتصور أننا بحاجة إلى تشجيع كافة المبادرات الفردية ودراسة جدواها، إضافة إلى أن هناك خللاً بالموازنة المائية على مستوى الآبار وعدم دراسة الطاقة الإروائية الملزمة في هذه المرحلة».

المهندس زيد عبد السلام

تفجير التربة إجراء قابل للتطبيق لضمان المحافظة على نسبة الرطوبة والحصول على إنتاج زراعي جيد؛ وفق حديث المهندس الزراعي "فطين جمول"، وقال:

«لا بدّ للفلاح من التفكير بخطوات جديدة، أهمها التبكير بالزراعة وتقديم مواعيد زراعة المحاصيل الحقلية ليكسب مدة الرطوبة المتاحة؛ فهذه المحاصيل "النجيلية" تحتاج إلى نهار قصير ودرجة رطوبة جيدة، وهناك إجراء يفترض من الفلاح الاهتمام به في هذه المرحلة ونحاول تقديمه كتجربة أثبتت فعاليتها؛ لأن طرائق الحراثة المعتادة أثبتت عدم جدواها في مجال مكافحة الجفاف؛ لتكون عملية تفجير التربة كل ثلاث سنوات إجراءً علمياً مناسباً لتحسين مواصفات التربة وخواصها، واحتضان الرطوبة لزراعة أكثر جدوى، وهذه العملية تعتمد آلية تسمى "الكلفاتور" وهي متوافرة ونتائجها متميزة في حال توافر الوعي الكامل لدى الفلاح لاتباعها والاستفادة منها، واستخدام "الريبر" كمحراث حفر لتحسين أداء الحراثة والتخلص من الطبقات الكتيمة جراء القلب بالحراثة المعتادة.

وقد كانت لنا خلال السنوات الخمس الماضية مجموعة من التجارب حول عدم حراثة التربة تحت الأشجار المثمرة وترك الأعشاب حولها حماية لها لحين يباس العشب؛ وهذه عملية مقبولة لرعاية الأشجار المثمرة وفق الظروف الحالية».

من خلال متابعة بيئية زراعية يقدّم المهندس "زيد عبد السلام"، مدير مركز "حصاد" للدراسات الزراعية، أفكاراً لمعالجة بعض المظاهر، ويقول:

«لا بدّ لنا في هذه الظروف من العمل لتطوير أساليب إدارة الموارد المائية المتاحة، والانتقال السريع إلى طرائق الري الحديثة، والعمل على الاستفادة من كامل الهطولات المطرية، ونشر تقنية أنظمة حصاد المياه، وزيادة الاهتمام بعمليات خدمة التربة وتحسين خواصها الفيزيائية؛ وهو ما يسمح بتقليل عمليات التبخر، ويعطي قدرة أفضل للنبات للاستفادة القصوى من الرطوبة الأرضية، والحفاظ على ما تبقى من الحراج والغابات، والعمل على ترميم ما فقد منها بغية زيادة الرقعة الخضراء لما لها من أثر كبير في تعديل المناخ، وتفعيل العمل بكافة القوانين التي من شأنها ردع كل من يتطاول على الغابة، وبات من الضروري الإسراع إلى إنشاء محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها في الزراعة، ودعم الأبحاث العلمية التي تعنى بدراسات الجفاف، ونشر الوعي المجتمعي بضرورة ترشيد استهلاك المياه وعدم التفريط بالفائض منها في مواسم الهطول».

ما يجدر ذكره، أن طرائق مقاومة التقلبات المناخية تقتضي الوعي وحالة قانونية متفاعلة وملزمة لضمان تحقيق استراتيجيات قابلة للتطبيق؛ لضمان إطالة مدة تأخير مفاعيل الجفاف الذي تورد الدراسات تقدّمه، وقد يكون القادم أكثر خطورة محلياً وعالمياً.